من تربي أطفالها بشكل أفضل.. المرأة العاملة أم ربة المنزل؟!

عدد القراءات
607
عربي بوست
تم النشر: 2022/09/30 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/30 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش

مُعظمُ كُتّابِي المفضّلين رجالٌ أستلطفُ أسلوبهم، وأحب أن أقرأ كل ما يكتبونه؛ أثناء احتكاكي مع تفاصيلهم الصّغيرة، أي: تلك التي يكتبونها بدافع التلقائية، لأنّها جزءٌ منهم، لا يشكّل فرقاً أو يستدعي إعادة صياغةِ لإخفائه؛ كنت أجدُ فرقاً شاسعاً بين طريقة رؤيتنا للأمورِ، ينساقون نحو أشياء لم أعرف لها وجوداً؛ لذلك: يُبهرني أن أسيرَ وراءهم، وأستمعَ "للروايةِ" من زاوية نظرهم الخاصة. وهذا بالتأكيد لا يتنافى مع كوني أعجبُ أكثر بالنّساء اللواتي يحترفن الكتابة، فحينما قرأتُ لأوّل مرّة لأغوتا كريستوف تذوّقتُ جمالاً مُعاكِساً، ومهارةً تشبه براعة النّساءِ في إعداد الخُبزِ، بنفس سهولةِ التحكّم في عجينٍ تتهاوى مكوّناتُه.. وسواء مع أغوتا أو امرأة بارعةٍ أخرى، كنت أجد هناك طباقاً بيننا؛ مشاعِرَ مشتركة، وتشابُهاً في الخطوط العريضة لطريقة تحليلنا للأحداث؛ فأيقنتُ عندها أنّه: لا يمكن لأحد أن يفهم المرأةَ أكثرَ من المرأةِ نفسِها؛ فكيفَ يزعم بعض الرّجال أنهم يعرفون النّساء وبإمكانهم التحدّث واتخاذ قراراتٍ ضخمة نيابة عنهنّ؟

في الضّجة التي أثيرت حول "مكان المرأة المثالي"، وضرورة بقائها في البيت من أجل أطفالها، لم أرَ استثناءً للحالاتِ، الجميعُ يتحدث وكأنهم ليسوا جزءاً من هذا الواقع الذي نعيشه؛ فيقرّر بدلاً عن كلّ النساءِ.. فتخيّل معي امرأةً عاملة مرضَ زوجها أو كان مقصّراً في حقّ أهلِ بيته؛ وأبناؤها بحاجة إلى متطلّبات لا يمكن أن تُلبَّى إن لم تشتغل هي؟ هل ستظل في البيتِ أم تنهض لعملها مقابل أن تستبق الزمن قليلاً وتوفّر من مدخولها ما يخوّل لها أن ترتاح على مستقبلهم في السّنين القادمة؟ هذه أشياء لا أعتقد أن بإمكان أياً من كانَ الحسم فيها، فجميع النساءِ على حدّ سواء يضعنَ أطفالهنّ في المقدمة، والذي أهتم له أكثر ليس أن تبقى المرأة في البيت أو خارجه، بل العلاقة بينها وبين أطفالها، درجةُ القربِ بينهما، وماذا تمثل هذه الأم في حياة أطفالها؟ هل بينهما هوة أم أن ما بينهما متين ومبنيّ على أسس قوية لا تقتلها ساعاتُ غياب أو حضور؟

للتوضيحِ: لستُ قط ممّن يدافع عن العاملاتِ أو الجالساتِ، أرى أن في هذا الأمرِ حُرّيةً خاصة، وظروفاً تختلف من أسرةٍ إلى أخرى، وهذا قرارٌ مُشترك بين شخصين راشدين قرّرا منذ البداية التخطيط لحياتهما بمعرفة تامة لما يلزمهما لإنجاحِ مشروعهما الأسري، لكن ما لا أفهمه هو: لماذا يلوم الجميع المرأة دون  الرّجل؟ فعلى الرّجال الذين لا نتدخّل في شؤونهم أن يكفّوا عن التدخل في شؤوننا كنساء، ويركّزوا على نصح بعضهم أكثر، أولم يروا أن أغلب رجال اليوم صرنا لا نعرف أين يمكن أن نصنّفهم؟ ألم يلاحظوا أن القوامة نفسها بدأت تتجلّى على هيئة رجل يتخفّى وراءَ امرأةٍ يريد نصف راتبها؟ ألم يلاحظوا أنهم هم أنفسهم ينصحون بناتهم بأن يعتمدن على أنفسهن في وقتٍ لم يعد بإمكانهن أن يعتمدن على بعض الرّجال إلا من رحم ربك؟

إنهن ناقصات عقل، لنفكّر بدلهن

كان الأمراءُ والوزراء وأبسط الرّجالِ قديماً يستشيرون زوجاتهم في أمورٍ ضخمة، يأخذ بمشورتها، يطلبُ نُصحها، بل سمعنا رجالاً كُثُراً اختاروا نساءً لا لجمالهن بل لاتقاد أذهانهن، ورجاحةِ عقلهن، فكبُرَ تُجّارٌ، واستمرّ حُكمُ وزراء، وارتفع رجال من نصائحن؛ يوم كانت المرأةُ فعلاً خلف كلّ رجلٍ عظيم، وهناك أبياتٌ شعريّة كثيرة خلّدت هذا. اليوم صرنا نرى رجالا أجنبيين، لا يعرفون سوى نساء من محيطهم، فيعمّمون الحُكمَ؛ متجاهلين أن في التجربةِ فَرادَة، وأنهم ليسوا فقهاء ولا علماء دين ليفتوا فيما ليس لهم فيهِ علمٌ.

إنّ للمرأةِ وجهة نظرٍ تُبديها، ليست مجرّد كُتلة مشاعر كما يُقال، قد تضعف، قد تبكي، وسبحان من جعل قوّتها في ضعفها؛ لكنّ هذا ليس دليلاً على أنّ عقلها مُغيَّبٌ كي يأتي شخص غريب ليتحدّث بدلاً عنها، ويصنّفها على هواه، بل منهم من يجعلها في حُكمِ الصّبي غير البالغ؛ طائش ولا يدرك ماذا يفعل، فيتسّلمُ بدلها القيادة؛ لكونها مسكينةً لا تدرك ولا تفقه ولا تعرف شيئاً من أمور حياتها الخاصة. إن المرأة ليست عاطفية للدّرجة المتخيّلة، ولا يحقّ لأيّ من كان أن يباشر في تحليل شخصيتها، ولا يلزمه إلا أن يتمكّن من إيجاد الطريقة التي يستطيع بها التعامل والتعايش معها؛ لا أقل ولا أكثر.

أخطاء في التربية من جانب المرأة والرجل

مهما كان الابن أصغر من أخته، علمناه أن يكونَ سيّداً عليها لا أخاً وسنداً لها، فترى بعض الأولادِ يصرخون ولا يحترمون أخواتهم، وإن أخطأت ولو سهواً انهالَ عليها شتماً؛ أمّا إن هي احتاجت شيئاً يصيرُ كالأعمى؛ ولا يتدخّل إلا في المشاحناتِ، وافتعالِ مشكلاتٍ لها. بل الأغرب من هذا أن بعض النساءِ يكبرُ بداخلهن حقد دفين نحو نساء أخريات، بسبب تربيةِ المقارَنات التي نشأن عليها، وبدلاً من أن تقول الأم لابنتها: باركي نجاح صديقتك، تقول لها: انظري، كيف أنّها حصلت على علامة أكثر منك.. ويسيئني أن أقول- للأسفِ- بأننا صانعو هذه النماذج، هؤلاء الرجال أنفسهم الذين يتطاولون على النساء، ويطعنون في شرفهن لم يخرجوا إلّا من رحمِ نساءٍ مثلنا، نحن السبب، ولا نحصد سوى ما زرعناه.

في المغربِ، البلد الذي أعيش فيه؛ تختلف نساء كلّ منطقة عن الأخرى، لكنّ أغلب النّساءِ يخفن من أولادهن الكبار، لا أعرف لماذا قد أربّي طفلاً ثم حين يكبرُ أخاف منه؟ هل يشتدّ عودُ الفتى حتى على أمّه؟ كما أن هناك مناطق تتقوّى فيها النساءُ بأولادها وتفتخر بالبطن الذي أنجبهم، ولا أفهم أيضاً لماذا، لكن كلما حاولت التفكير في الأمر وجدت طريقةَ تربيتهم له تقول كل شيء؛ يشبه الأمر كون النّساءِ يربّين طاغيةً يرون فيه مشروع "حمايةٍ" لا ولداً، ولا عجب في أن ينقلب عليهن فيما بعدُ ويبدأ الصراع على حيازته؛ يلممن فضائحه، يتصالحن مع ما يفعله، يبرّرن ما يصنعه، يتباهين بهِ مهما غرقَ في سلبياته، لأنه "ولد" والولد لن يلحق العارَ أبداً بذويهِ.

قلة قليلة منهن تُربّي أولادها على أن يكونَ سيّداً؛ لكن عادلاً، أن يكونَ رجلاً لكن رؤوفاً، وألا يلحق الأذى بالآخرين.. بدءاً من أهله؛ فهذا مما يمجّده ويرفعه وليس يسقطه أو يحطّ من قدره.

باختصارٍ:

في رأيي- الذي لا ألزم به أحداً- فإن محاربةَ المرأةِ محاربةٌ لمنظومةٍ كاملة، لن يضرّ المجتمع شيءٌ لو أعلى من قدرها وعَرِفَهُ، والأدهى منه، أن تعرف المرأة قدرَ نفسِها دون أن تنتظر من أحدٍ أن يعترفَ بها، فلو فعلت كلّ امرأةٍ هذا، لزالَ، دون جهدٍ، كلّ صراعٍ حولها. لهذا، فلا يجب أن تنتظر أيّ واحدة منا رأي شخص فيها، أو رسمه لمخطّطات حياتها الخاصة.. فالظروف تختلف، ولا يمكن أن نسيرَ على نفسِ الدّرب، والطّريق.

وقبل أن أتوقف أريد التنبيه على أمر آخر، لا أعرف لماذا هناك موقف سلبي بدأ ينشأ من طرف النساء أنفسهن للتي تختارُ بيتها والبقاء فيه؟ حد أن المرأة الماكثة في بيتها، صارت ترى نفسها بلا قيمة وأن عليها أن تحقّق ذاتها في مكتبِ عملٍ أو عملٍ حرّ آخر، فمعنى وجود المرأة لا يجبُ أن يشمل مجرّد خدمةٍ لمصلحة أخرى، أحياناً قد يكون الأهم: البقاء مع الأطفال ما دام الوضع يسمح بالبقاء جوارهم بدلاً من رؤيتهم يكبرون من المكاتب، قد يكون الأهم: طبخ أكلٍ ولمّ أسرتكِ بدلاً من أن يتناول كلّ واحد منكم وجبته على انفراد في الخارج.. إن القوامة مُريحة للمرأةِ؛ أعرفُ نساءً تعِبنَ من العمل خارجاً، ولا يتمنّين سوى القرار في بيوتهنّ، لكن وضعهن لا يسمح، ومسؤولياتهن لا تسمح، فانظري إلى حياتك وما يلزمها ولا تتلصّصي على حياةِ الآخرين التي لا تعرفينَ كواليسها. فقبل أشهرٍ طويلة، صادفتُ موظّفةً أكلت وظيفتها حياتها؛ فجلسنا ندردش قليلاً، كانت ترى أن كل من طرق بابهم يريد مالها، وهبت حياتها لأسرتها ونسيت نفسها، زوَّجَت كلّ إخوتها، وفي الأخير: وُجِدت ميّتةً وحدها في بيتها، إلى أن سارع الجيرانُ إلى تكسير الباب فوجودها ميّتة منذ ثلاثة أيّامٍ، وحينما ذهبت هذه الأيّام لمكان عملها؛ وجدته فارغاً منها؛ ممتلئاً بامرأةٍ أخرى، تعالجُ الملفاتِ بدلاً عنها.. دائماً هناك بديلٌ، لكن "أنتِ" لا بديل لك في حياة أشخاص كثر، كعائلتك.. دائماً هناك خيار، فاختاري للمدى البعيد..

أيّاً كان قرارك سيدتي، فهو قرارك، وهذه حياتك.. لكن رجاءً: نريدُ جيلاً أفضل من سابقيه، جيلاً يعرفُ ما له وما عليه، فهذه النماذج التي بدأت تظهر: مخيفة.. للغاية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حفصاء عمراوي
طالبة وكاتبة مغربية
طالبة فلسفة ومهتمة بمجالات الأمومة والطفل والمجتمع
تحميل المزيد