اعتادت مسامعنا على سماع تلك العبارات المشابهة، أن الطفل هو الغرس الذي يُحصد مستقبلاً، أو الأطفال هم الربيع الذي تنتظره كل أمة لتكشف عن طيب زهرها وجمال حدائقها، لكن ما أدواتك لإعداد تلك الثمار والحدائق التي تتغنى بها؟
فالأغلبية تسعى لتنشئة الطبيب والمهندس وكل ما يتعلق بالمكانة العليا بالمجتمع، قلما سمعت أباً أو أماً يوَدّان أن يكون إنساناً، لوهلة قد تتعجب من الكلمة، فاترك لي المجال أوضح ما أرمي إليه.
يشتكي البعض أن الطفل أناني، غير مهذب، لا يسمع لكلمة أهله، ولم يدركوا أن هذا رد فعل أو نتاج زرعهم، فالنشء الذي يكبر على العنف والإهانة أو الدلال المفرط لا تتوقع منه أن يضيء لك الأنوار مهما ازدادت العتمة.
في أغسطس/آب 2006 أعلنت دراسات عالمية من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" الأثر المدمر للعنف المنزلي وآثاره على الطفل.
أكدت تلك الدراسات أن الطفل الذي يواجه العنف المنزلي يعاني الكثير من الاضطرابات النفسية طويلة المدى على الطفل، ويواجه الأطفال المعرضون للعنف المنزلي، في مراحل مختلفة من نموهم، طائفة من التأثيرات المحتملة، منها ضعف الأداء المدرسي، وقلة المهارة الاجتماعية والاكتئاب والإحساس بالقلق، وغير ذلك من المشكلات النفسية، كما يذكر التقرير أنهم أكثر عرضة لتعاطي المخدرات والحمل في فترة المراهقة والانحراف.
ويحث التقرير الحكومات والمجتمعات على توجيه مزيد من الاهتمام للاحتياجات المحددة للأطفال الذين يعيشون في أسر يمارس فيها العنف المنزلي، ويحدد أيضاً الحاجة إلى تحسين رصد انتشار العنف المنزلي والإبلاغ عنه من أجل إلقاء الضوء على هذه القضية الخفية.
ودعا التقرير الحكومات للقيام بدور حيوي لكسر دوامة العنف المنزلي وحماية ضحاياه من الأطفال، وذلك عبر التوعية بأثر العنف المنزلي على الأطفال، من خلال شن حملات توعية عامة، وبذل جهود للطعن في المعتقدات والعادات التي تتغاضى عن العنف، ووضع سياسات عامة وقوانين تحمي الأطفال، وتحسين الخدمات الاجتماعية التي تعالج أثر العنف في المنزل على الأطفال.
حتى عصرنا هذا يتمسك بعض الآباء بالتعامل بالعنف، متناسياً أنه يؤذيه نفسياً، مبرراً أنه قد تربى بنفس الطريقة، فترد في خاطري الآية الكريمة: "هَذا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا"، لا يلقون بالاً لاختلاف الزمن وتحدياته.
أما عن التدليل المفرط، فقد يؤدي لعدم اعتماد الطفل على نفسه، وعدم توافر قدر كافٍ لتحمل المسؤولية ومواجهة أخطائه، فمستقبلاً يصبح طبيباً أو مسؤولاً فاشلاً يطيح بنفسه والمولّى عليهم، فكل ما يريده مُجاب، يحاججني من أجادله بأنه يرى التربية الجيدة توفيراً يريده الطفل.
فنكون بين مطرقة التذبذب والخوف من تحمل المسؤولية وسندان الشخص المعقد الذي يرى كل شخص مخالفاً له فيحاول الانتقام منه.
وعن رأي ابن خلدون في تربية النشء، فيرى أن تنشئة النفس ينبغي أن تتم منذ الطفولة الأولى؛ إذ تكون نفس الطفل صفحة بيضاء، ويشير ابن خلدون إلى أن إرهاف الحد من التعليم مضر بالمتعلم، لا سيما في أصاغر الولد؛ لأنه من سوء الملكة، ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين سطا به القهر، وضيق على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل، وحمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره، خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة؛ لذلك صارت له هذه عادة وخلقاً.
ويرى أن ضرب الأطفال وقسوة الآباء على الأبناء يؤثران على الطفل ويدفعانه إلى الكذب والنفاق، ويقتلان فيه روح الحمية والعزة، ويصبح سلبياً يتكل على غيره، وبذلك تفسد معاني الإنسانية، وتبعد النفس عن الفضائل والخلق الجميل؛ لذلك أوجب ألا يشتد المعلم أو الوالد في تأديب الطفل.
ويقول سقراط: "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".
علينا بالتوازن في تربية جيل سوي يقوى على تحديات الحياة، فلا المبالغة بالعقوبة، ولا المغالاة في الدلال، فكلا الطريقين يسهل إزاحة المجتمع للهاوية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.