عمر الشريف يموت وحيداً وسعيد صالح أبكى الجميع.. كيف حوَّل “ألزهايمر” حياة أشهر الفنانين إلى “مأساة”؟

عدد القراءات
782
عربي بوست
تم النشر: 2022/09/28 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/28 الساعة 13:54 بتوقيت غرينتش

رفعت سماعة الهاتف، واخترت من ذاكرته الرقم الأخير الذي طلبته قبل ساعات، كان لصديقتي، ولكن ما اسمها؟ هنا بدأ يدق قلبي بقوة، أنا لا أذكر! حسناً، كفى مزاحاً، ما اسم صديقتي التي أعرفها منذ 7 سنوات وأحدثها في اليوم ما لا يقل عن خمس مرات؟ ندى؟ سحر؟ هبة؟ نعم غالباً هبة، ولكني لا أشعر بأنه اسمها في الواقع، ما معنى هبة؟ من هبة؟ لماذا أتصل بها الآن؟ دار هذا الموقف قبل 16 عاماً من الآن، كنت وقتها ما زلت بعد في المرحلة الثانوية، لجأت يومها إلى الطبيب كي يخبرني ماذا بي، إن كنت أنسى اسم صديقتي المقربة، فكيف سأذكر ما أذاكر؟

أخبرني طبيب الباطنة يومها بأن هذا يحدث مع الضغط العصبي الشديد، حيث تتشوش الذاكرة، وهي مسألة تحتاج إلى تغيير جو، والكف عن المذاكرة لبعض الوقت، مع تناول بعض الأدوية، كل هذا كان مفزعاً ولكنه كان مؤقتاً، وقد تحسنت، لكنني صرت من بعدها أعلم -ولو جزئياً- كيف يبدو الأمر حين يبدأ المرء في فقدان ذاكرته.. الأمر مرعب حقاً، ربما لهذا لا أستقبل أنباء إصابة أحدهم بـ"ألزهايمر"، باعتباره خبراً عادياً.

هل أصيب عادل إمام بـ"ألزهايمر" حقاً؟

بدأ الأمر بخبر مصدره الصحفي والمذيع المصري محمد الباز عبر برنامجه، ليؤكد إصابة الزعيم عادل إمام بـ"ألزهايمر"، مطالباً الأسرة بإنهاء الجدل حول قضية اعتزاله، وحقيقة مرضه، لكن الأسرة خرجت على لسان شقيقه عصام إمام لتؤكد أنه بخير مع نشر صورة سيلفي جمعت الزعيم بابن شقيقته عمر مصطفى متولي، فيما خرج رامي إمام الشقيق الأصغر ليؤكد أن شقيقه بخير، واصفاً من يقولون إنه مريض بـ "النفوس المريضة"، وهو الأمر ذاته الذي أكدته لبلبة قائلة: "صحته بخير وزي الفل وبتكلم معاه". لكن الباز واصل تأكيده أن الرجل ليس بخير، وأكد: "عادل إمام معهوش تليفون، ولو حد ادعى أنه عمل اتصال به، فعادل إمام لا يستخدم التليفون الآن، هل عدم وجود تليفون بأمر الأطباء؟"، مستشهداً على صحة وجهة نظره بأنه لم يحضر فرح ابنة شقيقه عصام الإمام ولم يسافر بصحبة أسرته، التي سافرت بالكامل إلى فرنسا باستثنائه، وأنه لم يخرج ولو مرة لينفي إصابته، ما يبدو أنه تأكيد، لكن يبقى السؤال ما الفائدة من كل هذا الإيذاء؟ ما الذي يمكن أن يستفيده الجمهور من معلومة مماثلة سواء صحت أو لم تصح!

في الواقع لا يقدم الجمهور الكثير للفنانين ممن تأكدت إصابتهم بـ"ألزهايمر" من قبل، أذكر منهم 5، لا يمكن نسيان ما لحق بهم، ولعل أغرب ما يتعلق بهم أنهم جميعاً أحاطوا بعادل إمام، ليطاردهم ألزهايمر في النهاية جميعاً أيضاً!

عايدة عبد العزيز.. "في انتظار رب كريم"

لعل مشهدها الأشهر والأكثر رسوخاً في الأذهان هو دورها في فيلم "النمر والأنثى" الجميع يذكر اسمها، عديلة، و"فنجان القهوة" العامر بالمخدرات الذي كانت تعده للضابط المتخفي في منزلها "عادل إمام"!

حسناً، لم تكن وفاة المخرج أحمد عبد الحليم حدث يمكن احتماله من جانب زوجته عايدة عبد العزيز، صدمة عنيفة عجلت إصابتها بـ "ألزهايمر" لم تصدق الفنانة التي أحبها كثيراً أن رفيق عمرها قد رحل عقب رحلة تشخيص خاطئ، انتهت بوفاته في ألمانيا عام 2013 بمرض السرطان، لم تكف عايدة عن البكاء، حتى أنها ظلت طوال العزاء تبكي بمرارة خسارتها الفادحة، ولعل من عجائب القدر أن آخر أعمالها كان مسلسلاً تلفزيونياً بعنوان "دهشة"، وهي ذاتها الحالة التي اعترتها لسنوات طويلة، حيث قررت أن تعتزل وتنعزل، أذكر ذلك التصريح لها حين قالت: "عشت معه 50 عاماً لم يحرمني خلالها من أي شيء، ومنحني فرصة السفر حول العالم، إلا أن الأمر الوحيد الذي لم يعلمني إياه هو كيفية العيش من دونه".

ألزهايمر
عايدة عبد العزيز وزوجها المخرج أحمد عبدالحليم

ظلت صوره من حولها في كل مكان، بينما اكتشفت هي أخيراً أنه لا أحد سيتذكرها سواه، وقد رحل بالفعل، لهذا كانت خاتمة تصريحاتها، تلك التي أدلت بها لجريدة الوطن حين قالت: "خلاص مش باشتغل، رغم أن الناس وحشوني جداً، لكن أنا قاعدة في البيت للراحة، عاوزة أعيش بعيد عن دوشة الفن، أنا في رحلتي الأخيرة، وماحدش بيسأل عليّ، وفي انتظار لقاء ربٍّ كريم"، بالفعل توفيت الفنانة الجميلة في ثالث أيام شهر فبراير من العام الجاري لتلحق بحبيبها.

ألزهايمر

حين أبكى سعيد صالح طاقم "زهايمر"

بعض الأفلام تشبه النبوءات، فمثلاً يقال إن فيلم "قمر 14" حمل نبوءة قاسية حين دعت الفنانة وداد حمدي على غريمتها في الفيلم الفنانة كاميليا "يا رب تنكوي في نار جهنم" قبل أن تنفجر الطائرة بالفعل بـ"كاميليا".

أما الفيلم الذي حمل عنوان "المنحوس" فقد انطبقت نبوءته على الفنانة عقيلة راتب التي فقدت بصرها أثناء تصوير الفيلم، وصولاً إلى فيلم "زهايمر" عام 2010 والذي حمل نبوءة الإصابة بـ"الخرف" لبطليه عادل إمام وسعيد صالح، أما الثاني والذي لم يكن مريضاً أثناء تصوير الفيلم، فقد اعتبر أن مشهده الصغير جداً يساوي 300 مشهد في مسلسل.

أما المخرج عمرو عرفة فلم يفته أن يذكر كواليس ما جرى في ذلك المشهد، حيث كتب عبر صفحته الرسمية بموقع تويتر: "عادل إمام، لن أنسى بكاءك بصدق في فيلمي زهايمر، سعيد صالح: لن أنسى بكاء طاقم التصوير أثناء تصويرك المشهد، صلاح مرعي: لن أنسى إصرارك على إتمام الديكورات أثناء جلسات الكيموثربي، لن أنسى كل هؤلاء حتى لو أصبت بالزهايمر".

ألزهايمر

حسناً، بعيداً عن هذا كله كان هذا المشهد مرعباً حقاً، شاهدته في السينما وكان بصحبتي الأديب الكبير إدريس علي، أذكر يومها كيف ظل الرجل صامتاً من بعدها لوقت طويل، قبل أن يقول: "مشهد صعب".

"حالة الأستاذ عمر غير مطمئنة بالمرة.. المرض ده زي الوحش المفترس، لما بيصاب بيه الإنسان بيفضل ياكل في جسمه لحد لما يقضي عليه"، قالتها طبيبة الدار، قبل أن يهتف عمر -سعيد صالح- لصديقه: "هو أنا اتجوزت.. وخلفت؟ صح، لما أنا خلفت العيال ما بتجيش تزورني ليه، لو جولي هافتكر إن محدش فيهم بيزورني، خليهم يمكن مشغولين في حاجة أهم، ابقى تعالى زورني يا محمود مش زي عيالي .. مع السلامة".

ربما قسوة الباز لا تقل عن قسوة عمرو الليثي، حين استضاف سعيد صالح وهو يعلم أنه مصاب بألزهايمر، لينفي الإصابة، فظهر الرجل وهو غير قادر على الحديث، فلم يبدر منه سوى تأكيدات مستمرة "أنا كويس أوي، وسوي، وفاكر كل حاجة، مبسوط أوي أوي وفرحان"، قبل أن يأتي السؤال الأكثر قسوة: "مين أصدقاؤك اللي بيسألوا عليك؟"، ليرد: "سعيد صالح!". 

نظيم شعراوي ورحيل قاسٍ 

لعله من مفارقات القدر أنه في نفس عام عرض فيلم "زهايمر" توفي قاضي مسرحية "شاهد مشفش حاجة" بـ"ألزهامير"، فوق كرسي متحرك، وسط معاناة شديدة مع أمراض الشيخوخة، رحل نظيم شعراوي وهو يعاني تجاهل زملاء المهنة، في عمر الـ89 عاماً، الرجل الذي شارك إمام أعمالاً شهيرة مثل: "طيور الظلام، والواد محروس بتاع الوزير، النوم في العسل، بخيت وعديلة 2، وغيرها من الأعمال، رحل "حزيناً" للغاية، ربما يفسر هذا الحزن الغياب التام للفنانين عن كل من جنازته وعزائه في مسجد الخلفاء الراشدين بمصر الجديدة. 

محمود ياسين .. تقلبات مخيفة 

ربما تبدو العلاقة بين محمود ياسين وعادل إمام بعيدة، أو غير موجودة من الأساس، لكن هذه مجرد فكرة خاطئة، ففي الواقع، وعلى الرغم من عدم اجتماعهما في عمل فني معلوم، فقد جمعهما الأجر الأول في حياتهما: "أول أجر في حياتي قبضته مع زميلي عادل إمام، دخلنا امتحان في مسارح التلفزيون، وكانوا بصدد إنشاء 10 فرق، كنا مجموعة أستاذ عادل إمام، وأستاذ صلاح السعدني، وأستاذ سعيد صالح، وكنا ما زلنا طلبة جامعيين، وكان مخصصاً لنا أجر تقديري، حوالي 17 جنيهاً وكسور، وكان بقالنا 5 شهور ماقبضناش، لأننا لم ننه أورق تأجيل التجنيد، ثم فجأة تم صرف أجر شهر واحد فقط، وقال لي عادل بقولك إيه ماناخد تاكسي، أنا معايا بريزة، معلش ماحنا هانقبض، وبعد القبض عادل قال لي أنت قبضت كام قلتله 17 وكام قرش، قالي أمال أنا ليه أكتر من كده، أنا 27 وكسر.. الراجل غلط وجري طلع على الخزنة وراح داخل قاله إنت غلطت واديتني فلوس زيادة.. رجّع للراجل الـ 10 الزيادة".

أصيب الفنان المميز جداً، الذي يرتبط في ذهني دائماً بالدقة والتنميق، بـ"ألزهايمر"، لكن أسرته ظلت تنفي الإصابة لسنوات، وعلى الرغم من أن شائعات سرت في أعقاب فسخ عقد كان سيجمع أخيراً بين عادل إمام ومحمود ياسين لأسباب قيل إنها متعلقة بقدرة محمود ياسين على الحفظ، خرجت ابنته لتؤكد أن الفسخ جاء بسبب إصرار إمام على جعل محمود ياسين رقم 2 في العمل:

تحدثت الابنة بحرقة شديدة، إلا أن ياسين توفي في النهاية لينكشف كل شيء حول مرضه الذي جاء أدق تعبير عنه على لسان زوجته شهيرة في مداخلة لها مع الإعلامي الراحل وائل الإبراشي حين قالت دون أن تفصح عن طبيعة المرض: "مالوش علاج، الحالة تتقلب باستمرار وهو ما يجعلني أهتز نفسياً في بعض الأوقات إلا أن أبنائي يطمئنوني ويقولون يا ماما احنا عارفين تطورات الموضوع من البداية..حسه في الدنيا" هكذا راحت شهيرة تخفي عنه أنباء الوفيات، محمود الفيشاوي و رجاء الجداوي وغيرهم حتى وفاته في 14 أكتوبر عام 2020.


عمر الشريف يموت وحيداً في حي حلوان 

أن يصير الفنان، الذي قام عمله طوال حياته على "الحفظ" غير قادر على الاحتفاظ بأبسط المعلومات، لعل هذا هو أقسى وأصعب ما يتعلق بمرض ألزهايمر، حين أصيب عمر الشريف في عمر الـ 83 بالمرض، لم يعد قادراً على تذكر أسماء أشهر أعماله الفنية التي شارك بها أو تواريخ تصوير الأعمال، أو لماذا يحييه الناس في الشارع، حتى أنه كان يتخيل أنهم أصدقاء لا يذكر اسمهم، هكذا تساوت لديه أدواره في "دكتور زيفاجو" و"لورانس العرب"، فصار يخلط بينها، حتى أنه ظل يسأل عن فاتن حمامة رغم وفاتها قبله، بحسب موقع العربية.

عقب الفيلم الشهير "حسن ومرقص"، الذي تم إنتاجه عام 2008 شارك عمر الشريف في فيلمه الأخير "المسافر" عام 2011، قبل 4 سنوات فقط من وفاته، وهو نفس العام الذي قام فيه عمر الشريف فيه بصفع مراسلة قناة الحرة عائشة الدوري، وهو نفس التوقيت أيضاً الذي قامت فيه جريدة الوطن المصرية بنشر مقطع فيديو، تم محوه سريعاً، يظهر فيه عمر الشريف وقد فقد أعصابه وراح يضرب نفسه، ربما بسبب ما يخلفه ألزهايمر للمصابين به من ردود أفعال لا إرادية وتهيج وعدوانية وفقدان للقدرة على التحكم في النفس وأيضاً الارتباك، في النهاية توفي عمر الشريف وحيداً داخل مستشفى متخصص في رعاية مرضى ألزهايمر في حي حلوان، ليس بسبب المرض ولكن على أثر أزمة قلبية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد