أن تُسجن مع داعشي يراك كافراً في قفص واحد! “3”

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/27 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/27 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش

 
أُكمل في هذا المقال الرابع قصتي مع الدواعش الذين التقيتُهم في السجن أثناء تجربة اعتقالي.

الفئة الرابعة من الدواعش في السجون المصرية التي ذكرتها لـ(م.ح) مُسَيِّر الدواعش حين قابلته أثناء التريض، في صباح اليوم التالي من زيارتي لأهلي، هي لفئة تعرضت لهزيمة نفسية واجتماعية ومظلومية، جراء انهيار أحلامهم بالحرية والعدالة. واجه العديد منهم مظلومية شديدة، نتجت عن تعرضهم لفقدان أحبابهم؛ فمنهم من فقد أحد أفراد أسرته، ومنهم من قُتلت أحلامه بالحرية وزُج به في السجون لتأكل سنوات عُمره، ومنهم من هُجِّرَ من منزله في سيناء وشُرِّدَ هو وأفراد أسرته. لقد هُزِمَت هذه الفئة هزيمة مريرة، وتحاول تعويض هزيمتها وقلة حيلتها من خلال الانتماء إلى أيديولوجية يمينية مُتشددة، أو تنظيم إرهابي مثل داعش، يستطيع من منظورهم الشخصي تحقيق الثأر والعدل لهم.

"في سلم الهزائم ثمة هزيمة لا نملك حيالها الشيء الكثير، سوى الاحتراق كالحطبة اليابسة أمامها"، واسيني الأعرج، رواية شرفات بحر الشمال

 شاب من قُدامى المعتقلين كان ضمن صفوف التيار المدني، صُعقت حين وجدته ضمن صفوف داعش داخل السجن، لقد تغيَّر جذرياً، لم يعُد ذلك الشاب الحالم بالحُرية؛ فلقد قُتلت أحلامه داخل السجن.

 مَن المُتسبب في تحولِه من مؤمن بالحرية إلى شاب مُعتنق لأفكار داعش المُتشددة داخل السجن؟!

 أليس المُتسبب في ذلك هو من قام باعتقاله وزجه في غياهب المُعتقل؟

أليس المُتسبب في هذا التحول هو من قضى على أحلامه وأدخله في نفق مُظلم من الأفكار المُتشددة؟

لقد هُزِمَ!

هُزِمَ حين قُتلت أحلامه، وهُزِمَ حين شُتِّتَ شمله بأسرته، وهُزِمَ حين مُنِعَ من استكمال دراسته، وهُزِمَ حين لم يُنظَر إليه بعين الرأفة، وهُزِمَ حين سُجِنَ، وهُزِمَ حين تحولت أفكاره نحو داعش.

…..

(أ.ع) رجل من شمال سيناء، في أواخر العقد السابع من العمر، رجل بسيط بشوش الوجه، فقد أسرته في قصف لمنزله بالشيخ زويد، وتم اعتقاله هو وبعض أقربائه، وتم الزج بهم في إحدى قضايا تنظيم داعش،  وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً. التحق (أ.ع) بصفوف السجناء المصنفين بالانتماء إلى تنظيم داعش. حين تُحادثه تجد الهدوء والحسرة على ملامحه، ودائماً وجهه هائم، منتظراً أن يشفي غليله ويثأر لأبنائه وأسرته. لقد فقد كل شئ؛ الأسرة والبيت والمال، والآن يفقد العمر. شعوره بالهزيمة دفعه للإيمان بداعش، ظناً منه أن التنظيم الإرهابي سيُعوض هزيمته ويُحقق له العدل!

…..

(م.م) شاب من المنتمين لجماعة الإخوان المُسلمين تم اعتقاله، وكان في بادئ الأمر يتواجد مع الإخوان في زنازينهم وعنابرهم. كان شاباً وسيماً يسعى للنجاة، ويحاول أن تمر الأيام سريعاً كي يأتي اليوم الذي يصبح فيه حراً، حتى يستكمل حياته، ويلملم أشلاء أسرته المنكوبة، ويلتئم شمله بوالدته وأخته. ثم ما لبث أن تبدل حاله من حالٍ إلى حال؛ فكانت العاقبة تعرُّضه لانتكاسة فكرية دفعته إلى الالتحاق بالدواعش في السجن. هذا التحول الدرامي حدث حين تم إصدار حُكم بالإعدام على أخيه في إحدى القضايا المشهورة حينذاك. كان (م.م) ينتهز فرصة ذهابه لتأدية امتحاناته في اللجنة المُنعقدة التابعة لجامعته بالسجن الذي يقبع فيه أخوه كي يراه، ويقضي فترة الامتحانات معه في زنزانته. كان يطلب من إدارة السجن إلحاقه بأخيه في زنزانته الانفرادية بعنبر المخصوص (عنبر الإعدام). عنبر المخصوص له رهبة عظيمة في نفس كل سجين، وهو عبارة عن بناية موحشة من طابق واحد، مُنفصل عن بقية العنابر مثل عنبر التأديب، ويحتوي على مجموعة من الزنازين الانفرادية الكئيبة المُعتمة رديئة التهوية وعديمة التهوية.

كان (م.م) يجتمع مع أخيه في زنزانة المخصوص مُرتدياً الكحلي الغامق، لأنه قد صدر ضده حُكم بالحبس لبضع سنين، بينما أخوه يرتدي البدلة الحمراء المُخصصة للإعدام، أليست هذه الحالة بمأساه!.

 زنزانة المخصوص هي زنزانة صغيرة عبارة عن تابوت خرساني، وبالكاد تكفي شخصاً واحداً، وتُقدر مساحتها بمتر وبضعة سنتيمترات عرضاً، ومترين وبضعة سنتيمترات طولاً، ويعيش السجين بداخلها في حالة من العتمة الدائمة، فلا يوجد بها كهرباء أو إضاءة، ولا تدخلها شمس النهار، ويقضي السجين حاجته في جردل للبول والبراز. للسجين زجاجتان من المياه، مع تقديم كميات قليلة جداً من الطعام الميري (طعام السجن الرديء). لا يُسمح للسجين بالتريض أو رؤية الشمس، ويتم فتح الزنزانة لمدة لا تتعدى العشر دقائق كي يقوم السجين بإفراغ جردل البول والبراز في دورة المياه العامة المُشتركة لعنبر المخصوص، والتي تكون دون أبواب أو ستائر لتستر من بداخلها. على السجين إفراع محتويات الجردل وقضاء حاجته والاستحمام في مدة لا تتعدى العشر دقائق، ومن ثم يعود إلى جحيم هذا التابوت الخرساني، فيتم قفل الباب الحديدي، وينتظر يوماً آخر.

كل هذه الظروف القاتلة كان لها أبلغ الأثر في نفس (م.م)، الذي كان يرى أخاه يُقتل يومياً، منتظراً موعد إعدامه. تحول (م.م) نحو أفكار داعش، والتحق بعنابرهم، ظناً منه أنه وجد ضالته في التنظيم الذي سيحقق الثأر والعدل ويأخذ حقه وحق أخيه وأسرته. حين التحق بداعش في السجن ما لبث أن قام بقطع علاقته بأصدقائه من السجناء، وقام بتكفيرهم.

 لقد تم إعدام أخيه!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
زين الناجي
ناشط سياسي مصري
تحميل المزيد