كان التطور الأبرز في الساحة السياسية اللبنانية في شهر سبتمبر/أيلول هو اجتماع النواب السنّة الـ24 في دار الفتوى بدعوة من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وانتقالهم بعده إلى لقاء مع السفير السعودي وليد البخاري في دارته، فيما من المنتظر ومطلع هذا الأسبوع إقرار مجلس النواب الموازنة العامة للدولة للسنة الجارية، وذلك في جلسته المنعقدة اليوم، ومن دون استبعاد أن يكون الحدث هذا الأسبوع تشكيل حكومة جديدة، كثُر الحديث عنها.
ويبدو أنّها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من أن تُبصر النور، وينتظر الجميع عودة الوسيط الأمريكي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، آموس هوكشتاين، حاملاً الجواب النهائي الإسرائيلي، ليبني لبنان على الشيء مقتضاه.
وإذا كانت كل المؤشرات والمواقف تشير إلى إيجابية وتقدّم في الملف، فإن إصرار واشنطن على توقيع الاتفاق قبيل منتصف تشرين الأول؛ إذ تريد الإدارة الديمقراطية توقيع الاتفاق منعاً لأي تغيير في الخطة بعد الانتخابات الإسرائيلية، والتي في حال فوز بنيامين نتنياهو فمن المرجح أن يعدل مسار ما توصلت إليه الأمور في عهد يائير لابيد.
وهذا الملف بات ذا أهمية قصوى لبايدن وفريقه؛ لأن الغاز في شرق البحر المتوسط يمثل ضرورة استراتيجية لواشنطن وحلفائها الغربيين، والطرفان يعملان على وقف أي تصعيد محتمل بين إسرائيل وحزب الله، وهذا الخوف من التصعيد منطلقه ما نقله حزب الله لأطراف غربية وإقليمية حول رفض استخراج إسرائيل للغاز من حقل "كاريش" طالما أن لبنان ممنوع لم يبدأ التنقيب، وهذا الشأن يعني ممارسة ضغوط كبيرة على الدول الأوروبية لتصنيف الحزب بشقيه السياسي والعسكري كمنظمة إرهابية.
والعواصم الكبرى، والتي تعقد اجتماعاتها حيال لبنان، باتت أكثر إدراكاً أن الفراغ الرئاسي في لبنان بات أمراً واقعاً لا مفر منه، فيما اللافت كان في الاجتماع الثلاثي الأمريكي – الفرنسي – السعودي، والذي عقد في نيويورك على مستوى وزراء الخارجية، وجرى ترتيبه فرنسياً برغبة سعودية بهدف إجبار واشنطن على الانغماس أكثر بمعادلة الرياض الجديدة "صون اتفاق الطائف".
فيما باريس تريد إعطاء مباركة معنوية دولية وإقليمية لمبادرتها تجاه لبنان، بعد التراجع الذي سجلته مبادرتها هذه أمام صخور الحسابات اللبنانية الضيقة، أضف أن باريس تتحدث عن أنها لم تستطع تسويق أي اسم من أسماء أصدقائها ومرشحيها لرئاسة الجمهورية، أمام رغبة دول إقليمية وغربية للإتيان بقائد الجيش لسدة الرئاسة، وهذا الطرح بات يحظى بدعم عربي أقله من القاهرة والدوحة، أما الفريق الفرنسي الموكل بمتابعة ملف لبنان فيعيش تبايناً لا سيما ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية. وبالتالي، فإنّ عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية وبمشاركة أمريكية، يمنح المبادرة الفرنسية دافعاً معنوياً تعوّل باريس على استغلاله لبنانياً.
سعودياً، لا يمكن فصل ما يجري في لبنان عن مناورات الرياض في بيروت للحصول على تطويل أمد الهدنة في اليمن، وهذا الأمر كان لافتاً بالزخم السعودي الذي أعطي لاجتماع دار الفتوى للنواب السنة والذي ألحق بعشاء تشاوري في دارة السفير البخاري وحضره معظم المشاركين في لقاء المفتي.
والنقاشات التي تطرق لها الحاضرون كانت بقمة الوضوح، خاصة أن جزءاً من الحاضرين عاتب على السعودية نتيجة غيابها عن لبنان، فيما كان سقف البخاري السياسي مرتفعاً على الرغم من حضور عدد من نواب قوى حلفاء لحزب الله كنائبي المشاريع حسن مراد وقاسم هاشم، فيما حاول بعض الحاضرين تصويب نيرانه على حزب الله، إلا أن البخاري كان شديد الوضوح بالحديث عن جوهر الأزمة والتي تتمحور حول الفساد وشرعية السلاح بيد الدولة، وأنه لا يمكن للبنانيين إلا أن يساعدوا أنفسهم، كي تتمكن الدول من مساعدتهم، وأن السعودية ملتزمة بمواقفها حول لبنان، انطلاقاً من البيان الصادر عن واشنطن وباريس والرياض في قمة واشنطن.
وفيما كان بعض الحاضرين يذهب باتجاهات مختلفة، كان البخاري يركز على أن دول الخليج أنجزت اجتماعات خلية متابعة للملف اللبناني وتدرس مساعدة لبنان إذا ما قرر اللبنانيون عبر نواب الأمة باختيار رئيس بمواصفات دار الفتوى وبكركي، وأن السعودية لديها استراتيجية واضحة، وكانت قد وقعت أكثر من 22 اتفاق تعاون واستثمار، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تلتزم بالشروط، وعليه فإن إعادة تفعيلها تتطلب استراتيجية سياسية واضحة.
إقليمياً، فإن المتابعين يشيرون إلى أن سياسة المملكة على الصعد الدبلوماسية هي سياسة ذات "نفس قصير" الأمد، على عكس إيران والتي تتحلى بالصبر الاستراتيجي، وعليه فإن حراكها في لبنان إذا ما استتبع بمتابعات استراتيجية ينتج عنها فريق سياسي قادر على فرض شروطه، والظروف باتت تقتضي عقد مزيد من الاجتماعات واللقاءات التشاورية مع قوى أخرى كالقوات والكتائب والاشتراكي والتواصل مع المستقلين والتغييرين بطرق يتكرس فيها التواضع السياسي وذلك للبحث عن فرص التوافق فيما بينهم على مرشح معين لرئاسة الجمهورية.
والحراك السعودي مردّه الرئيسي ما يجيْ في اليمن؛ حيث تعمل قوى إقليمية على رأسها قطر وتركيا على تمديد الهدنة في اليمن مع الجانب الحوثي وتكريس تحالفات إقليمية سياسية واقتصادية، وهذا ما رشح اجتماع ولي العهد السعودي مع الوفد التركي برئاسة إبراهيم كالن والذي حضرت معه ملفات إقليمية حساسة كاليمن وسوريا والعراق والتعاون الاقتصادي والعسكري بين الجانبين، والاجتماع قد يكون وصل لنهايات سعيدة في ملف افتتاح مصانع الطائرات المسيرة في السعودية؛ خاصة أن وزير الخارجية السعودي كان قد تحدث عن حاجة المملكة في سد ثغرة استخدامها لهذه الطائرات، فيما يبدو أن السعوديين يحرصون على تمتين جبهة المصالحة مع قطر عبر المساعدة بإنجاح المونديال المنتظر والحديث عن استثمار شركات سعودية في قطر وسلطنة عمان بُغية التشارك في كل المجالات.
فلننتظر!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.