على الرغم من ارتياح المعارضة السياسية الإيرانية لوجهة نظر أنه لم يكن هناك بديل آخر لهذا النظام السياسي، إلا أنها في الوقت نفسه كانت تتمنى أن تكون هناك قوة جادة أخرى في الميدان تتحمل المسؤولية التاريخية للإطاحة بالنظام الحاكم في إيران، حتى يتمكن كلاهما من تحرير الشعب والوطن من براثن هذه الديكتاتورية التاريخية!
لم يكن ما نراه الآن ليتم دون توجيه وقيادة، أو دون وجهةٍ أو هدف، وهو كذلك ليس انتفاضة شعب وليدة اللحظة، وإنما محصول نتاج 4 عقود من النضال الدؤوب والمتواصل للمعارضة الشعبية الإيرانية.
وأي شخص خاضت يداه في الكفاح الاجتماعي والسياسي يعرف جيداً أن النضال الوطني في بلد توجد فيه اتجاهات مختلفة يواجه الكثير من الاختبارات الصغيرة والكبيرة، خاصة إذا كانت الحكومة من النوع الثيوقراطي وديكتاتورية دينية؛ ديكتاتورية دينية قل نظيرها في التاريخ.
وبالنسبة للأشخاص الذين يتابعون الأوضاع في إيران، يتضح لهم أن ما يحدث في إيران هو نتيجة ماضٍ مرتبط بالوضع الحالي، وبمعنى آخر أنه على الرغم من أن دماء مهسا أميني هي العامل الرئيسي في تصعيد الاحتجاجات الشعبية ضد الديكتاتورية الحاكمة هذه المرة، إلا أن الشعب الإيراني قد فاض به الكيل من النظام السياسي ككل، ذلك لأن هذا النظام لم يكن منذ بدايته لم ولن يكون "من أجل الشعب"، فهو نتاجٌ فكر ونمط ولى عليه الزمان، مستتر وراء رداء "الإسلام".
يعرف شعب إيران جيداً أن وصول الخميني والنظام الإيراني الحالي إلى السلطة سنة 1979 كان نتيجة للوضع القاسي للمجتمع الذي تحرر من دكتاتورية محمد رضا بهلوي في تلك الأيام، وكانت التنظيمات الوطنية والشعبية والثورية قد تعرضت لضربات خطيرة من قبل نظام الشاه، وتم تقديم الخميني على أنه "بديل لنظام الشاه" وتحت العنوان نفسه صعد إلى سدة السلطة على الفور، وفرض على الشعب الإيراني ديكتاتورية أسوأ بكثير!
في حال نظرنا إلى ملخص ومسببات مجيء مثل هذا النظام نرى أن نظام الشاه كان يفتقر إلى بديل حقيقي، ذلك لأن القادة الحقيقيين للشعب إما أنهم كانوا قد أُعدموا من قبل نظام الشاه، أو كانوا في السجن حتى الأيام الأخيرة من حكومة الشاه، وبناءً عليه كان هناك "فراغ فعلي" في المجتمع، وهو ما أتاح وصول الخميني إلى السلطة وقمعه للحريات في إيران، ولم يسمح بملء هذا الفراغ بواسطة الأحزاب والتنظيمات الوطنية والشعبية والثورية في تلك الأيام، والتي كان لمنظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية دور مركزي فيها، وبعبارة أخرى يجب أن يُقال إن "عمل الشاه الذي لم يكن قد اكتمل" قد حققه و"أكمله" الخميني، فقمع الحريات وسجن واعتقل دعاة الحرية، وأصبح التعذيب والإعدام شيئاً يومياً في جميع أنحاء إيران، والتي لا يزال يعتاش عليها حتى اليوم.
اعتقد الكثيرون عن صواب أنه بإلغاء ترشيح السيد مسعود رجوي في أول انتخابات لرئاسة الجمهورية، بعد سقوط الشاه في شتاء عام 1979، والذي كان مدعوماً من قبل أطياف مختلفة من الشعب الإيراني، وكذلك من الأحزاب والتيارات الوطنية والشعبية والثورية بالمجتمع أنها بداية لمأسسة القمع والكبت والديكتاتورية الدينية في إيران، ذلك لأن الخميني كان يحارب النمو المتزايد باستمرار لهذه القوى.
وفي حال قمنا بمقارنة بسيطة للغاية الآن مع أيام الإطاحة بديكتاتورية الشاه، سنشاهد أن انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة، والتي اجتاحت الآن جميع أنحاء إيران، هي حركة منظمة وموجهة، على الرغم من أنها لم تجد الظروف الرسمية للظهور بعد، ولن يمر وقت طويل على تقدم الانتفاضة حتى نرى المزيد والمزيد من التطورات الواضحة بهذا الصدد، لكن كل الأنظار مُركزة الآن على القوة التي قادت ووجهت الانتفاضات السابقة، خاصة "انتفاضة نوفمبر 2019″، وهي القوة التي لطالما كانت تخشاها الحكومة الدينية الحاكمة على الدوام، القوة التي يمكن اعتبارها البديل الديمقراطي الوحيد للنظام الديني الحاكم، ولديها الآن الآلاف من النشطاء في إيران، وقد يستطيعون صنع التاريخ والإطاحة بالنظام.
على الرغم من تشتت قوى المعارضة حالياً خارج الحدود، إلا أن هناك "حصناً مشتركاً" و"نضالاً مشتركاً" للوصول إلى "هدف مشترك"، وهو الإطاحة بالديكتاتورية في إيران، الأمر الذي من الممكن أن يكون في المتناول.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.