ثلث البلاد تحت الماء و550 طفلاً ماتوا.. مَن المسؤول عن فيضانات باكستان المدمرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/22 الساعة 08:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/22 الساعة 08:18 بتوقيت غرينتش
الفيضانات المدمرة في باكستان، 31 أغسطس 2022/ Getty

تعاني باكستان من أسوأ أزمة إنسانية منذ عقد من الزمان، مدفوعة بغزارة هطول الأمطار والفيضانات المفاجئة المدمرة. تركت الفيضانات الأكثر انتشاراً في تاريخ باكستان الممتد لـ73 عاماً ثلث البلاد تحت الماء، وأجزاءً تشبه "محيطاً صغيراً".

في الوقت الذي مات فيه 550 طفلاً وفقد أكثر من 3.5 مليون من الأطفال منازلهم، كانت تسارع حكومة البلاد إلى نفي مسؤوليتها عن الأزمة، رغم تحذيرات الخبراء المسبقة لها، وألقت باللوم على الدول الأكثر ثراءً التي تنتج الجزء الأكبر من انبعاثات الكربون العالمية في الكارثة المناخية.

في هذا الصدد، يجب مساءلة الدول الغنية، كما ينبغي إعادة تعريف المعونة الإنسانية بوصفها تعويضات عن التغير المناخي والأزمات المصاحبة له. ولا بد أيضاً من الاعتراف بإرث تغير المناخ الاستعماري. ومع ذلك، لا تزال الدولة الباكستانية أيضاً مسؤولة عن معاناة شعبها في أعقاب الفيضانات.
ومثل العديد من البلدان، تتمركز المراكز السكانية في باكستان حول الأنهار، وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها باكستان لفيضانات بهذا الحجم. ففي عام 2010، غمرت المياه أجزاءً كبيرة من البلاد أيضاً، وعملت على تسريع وتحسين الاستجابة للكوارث في أعقاب الفيضانات، وأجريت منذ ذلك الحين أبحاث مع المجتمعات المتضررة في جميع أنحاء البلاد، لكن يبدو أن الدولة لم تستفد من الخبرات السابقة أو الأبحاث. ولسوء حظ الباكستانيين، فشلت السلطات في استخدامها لتشكيل السياسات الوطنية.

المناطق المهمشة الأشد تضرراً


على وجه الخصوص، يقع الدمار الناجم عن فيضانات باكستان في بعض أفقر المناطق في البلاد والمناطق المكبوتة سياسياً، مثل بلوشستان. كما يتميز جنوب البنجاب، وهو منطقة أخرى متأثرة بشدة، بالتنمية غير المتكافئة وعدم المساواة. وتم وضع علامة على حقوق الأراضي غير الآمنة كعائق كبير أمام التعافي من الكوارث بعد الفيضانات في عام 2010.
وفي عملي مع الوكالات الدولية والمنظمات الخيرية، جادلت بأن التمكين ينبغي أن يكون في صميم العمل المناخي، الذي يعد أمن حيازة الأراضي عاملاً أساسياً فيه. وتم إحراز تقدم ضئيل منذ ذلك الحين في تعزيز حيازة الأراضي. وتتعلق حيازة الأراضي بالعلاقة بين الناس والأرض التي يعيشون ويعملون فيها. وفي باكستان، ترتبط ملكية الأراضي ارتباطاً وثيقاً بالمحسوبية السياسية.
ويدفع المزارعون المتعاقدون الإيجار لأصحاب الأراضي مقابل حق الإقامة وزراعة المحاصيل. وهناك حافز ضئيل لطبقة المزارعين لإجراء أي تحسينات على الأرض يمكن أن تخفف من آثار الفيضانات، ولا يُسمح للمزارعين الذين يستأجرون تلك الأرض بإجراء تغييرات كبيرة.
ومع ذلك، فإن أولئك الذين لديهم حيازة للأراضي يستخدمون مساعدة إعادة الإعمار بشكل أكثر فاعلية لبناء مساكن مرنة في أعقاب الفيضانات والزلازل في البلاد. 

العمل المناخي يحتاج إلى الاستثمار والتمكين 


على الرغم من وجود سلطة لإدارة الكوارث على الصعيدين الاتحادي والإقليمي، لم تعط الأولوية للتأهب للكوارث والتخفيف من آثارها. وتوضح السياسة المناخية الوطنية للبلد ضرورة وجود أنظمة الإنذار المبكر والبنية التحتية المقاومة للكوارث وخطط الإخلاء. ولم يتم تنفيذ هذه التوصيات بعد.
وتفاقمت الآثار المدمرة للفيضانات بسبب سنوات من سوء الإدارة. وأصبح التخلف مشكلة مزمنة في المناطق المعرضة للفيضانات. وبسبب عدم وجود سياسات تقسيم المناطق أو إعادة التوطين، تستمر المجتمعات في الإقامة في مناطق هامشية قريبة بشكل خطير من المجاري المائية، ما يؤدي إلى تراكم التكاليف المتكررة لتغير المناخ. وحيثما توجد القوانين، كان إنفاذها صعباً.
وبعض من أهم خطوط الدفاع ضد الفيضانات هي مشاريع الحقبة الاستعمارية، وكثير منها في حالة سيئة.

التعويضات والمساءلة عن فيضانات باكستان


تتسبب باكستان في أقل من 1% من الانبعاثات العالمية، ولكنها من بين البلدان العشرة الأكثر تضرراً من تغير المناخ. وجادل وزير تغير المناخ الباكستاني بأن الدول الأكثر ثراءً مدينة بتعويضات للبلدان التي تواجه كارثة مناخية.
وكانت التعويضات المناخية قضية مثيرة للجدل في قمة "COP26" في غلاسكو العام الماضي، عارضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مقترح دفع تعويضات مناخية.
وفي حين أن التعويضات المناخية من شمال الكرة الأرضية قد تساعد باكستان في التعافي من الأزمة الحالية، فإن التغيير الهيكلي ضروري لإعداد البلاد للكارثة المناخية التالية، وهذا يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية المقاومة للمناخ والحد من الفقر.

باكستان الفيضانات ملاريا
ثلث باكستان أغرقته الفيضانات/ رويترز

تنفق باكستان مليارات الدولارات على خدمة الديون للمقرضين الأجانب. ولقد دفعت 15 مليار دولار على مدفوعات هذا العام وحده.  هذا هو أكثر من 80% من إجمالي إيراداتها الضريبية. وهناك دعوات متزايدة لإلغاء الديون كشكل من أشكال التعويض المناخي. وصدرت دعوات مماثلة بعد الفيضانات في عام 2010،
وينبغي أيضاً استخدام أطر العدالة الانتقالية المستخدمة لمتابعة المساءلة في أعقاب الحروب والنزاعات في سياقات الكوارث.
إن التعويضات المناخية منطقية بالنسبة لباكستان بسبب التاريخ الأطول بكثير من الاستغلال الاستعماري. وهذه التعويضات هي أيضاً تعويضات استعمارية.
ولن يكون من المستغرب أن تكون السلطات الوطنية والعاملون في المجال الإنساني والجهات المسببة لانبعاثات الكربون العالية على قائمة المسؤولين عن الفيضانات في باكستان إذا تم تنفيذ مثل هذه الآليات.
وفي حين لا يمكن أبداً استعادة الأرواح المفقودة والمتضررة بالكامل، فإن تركيز المساءلة والتمكين في جهود إعادة الإعمار يوفر طريقاً للمضي قدماً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد