افتتحت الدورة التنظيمية الجديدة للجماعة الإسلامية بانتخاب أمينها العام الجديد للأعوام الثلاثة القادمة، وهو الشيخ محمد طقوش، يرافقه في هذه المهمة مجلس شورى جديد تم انتخابه من كافة مناطق وجود الجماعة في لبنان، حيث تشهد هذه المناطق كذلك سلسلة من الانتخابات بهدف تشكيل مكاتبها الإدارية في مختلف المناطق كما المحافظات، وهو إجراء قانوني روتيني يحصل عقب انتخاب أمين عام جديد كل 3 سنوات.
عادة ما تكون الانتخابات الداخلية للأحزاب روتينية عادية تزيد أهميتها مع ازدياد أهمية الحزب، إلا أن حجمها من الصورة الكلية للسياسة العام يبقى محدوداً. لكن في بلد مثل لبنان وفي بيئة مثل العالم العربي تكون كلمة انتخابات نفسها محط اهتمام ولافتة للأنظار، كون العالم العربي عقب الثورات المضادة حرم بالقوة من نعمة التداول السلمي للسلطة، فأصبحت فكرة الانتخابات نفسها تجذب الاهتمام قبل تفاصيلها.
بينما تجري مختلف الأحزاب السياسي في لبنان انتخابات داخلية، تعتبر انتخابات الجماعة الإسلامية مميزة، كون انتخابات كافة الأحزاب في لبنان لا ترقى لتكون انتخابات لرأس الهرم، وهو شيء تنفرد فيه الجماعة بخاصة بعد غياب الرعيل الأول للجماعة.
لا يقتصر الأمر على لبنان، فعلى صعيد الأحزاب الإسلامية كانت التساؤلات دوماً عما بعد الصف الأول، وهل سيكون هناك حراك داخلي حقيقي لاختيار رأس هرم جديد بسلاسة أم أن المقولات الغربية عن صورية الاقتناع بالديمقراطية لدى الإسلاميين ستكون السمة الغالبة. في هذا الصدد تقدم الجماعة نموذجاً يستحق الاحترام بأنها استطاعت إيصال أمينين عامين في عقد من الزمن ومن خارج نادي الأجيال الأولى للجماعة وبسلاسة ودون ضجة.
لكن الديمقراطية وتبادل السلطة يطرح بالمقابل تحديات جمة بخاصة في السياق العربي اللبناني السني الإسلامي. فتحديات أمين عام الجماعة الإسلامية الجديد الشيخ محمد طقوش ستكون مركبة ومعقدة. فللمرة الأولى في تاريخ الجماعة ينضم الى نادي الأمناء العامين شخصية بعيدة عن السياسة. فسلفه الشيخ عزام الأيوبي أتى من رئاسة المكتب السياسي إلى الأمانة العامة والرعيل المؤسس الأول المشايخ: فتحي يكن وفيصل المولوي وإبراهيم المصري، وإن انطلقوا من خلفيات شرعية، بخاصة يكن والمولوي، إلا أنهم تمرسوا السياسة وعملوا بها في العمق.
بهذه الخلفية تطرح الأسئلة عن كيف ستكون إدارة طقوش، صاحب الحضور الدعوي القوي، للملف السياسي، وهل سيغيب شخصياً عن الملف الذي لم يتعاط فيه من قبل فيبرز بدلاً منه رئيس المكتب السياسي المقبل والذي لم يتحدد بعد؟
في الجواب عن هذا السؤال تبرز التحديات، فقد ذكرت العديد من التقارير الصحفية بأن طقوش كان مدعوماً من معارضي سياسيي الجماعة المعروفين كالنائب عماد الحوت والأمين العام السابق عزام الأيوبي. فمن المؤكد بأنه سيتم تصدير وجوه سياسية جديدة للجماعة تحضر معها أسئلة التوجه، فقد ألف اللبنانيون وبخاصة السنة توجه النائب عماد الحوت المعارض الشرس لحزب الله ومحوره والمقرب من الحريرية السياسية. أما اليوم ومع التغيير الواضح في السياسة اللبنانية بغياب الحريري، وفراغ الساحة السنية، وعودة اللاعب السعودي للحركة في لبنان، والذي يتوقع أن يكون له دور في المرحلة المقبلة للتمويل والترميم، وهو ما كان آخر مؤشراته الاجتماع بينه وبين الفرنسيين الراغبين، ومن خلفهم أمريكا، في إقحام السعودية أكثر فأكثر في لبنان، كل ذلك إضافة لتغيير السياسة الخارجية التركية في المنطقة، وضيق دائرة تحرك الإسلاميين فيها، وقرب إنجاز الاتفاق النووي، وهو ما يعطي جرعة إضافية للحزب للمطالبة بمقعد متقدم في النظام اللبناني عن طريق توسيع مكانة الشيعة فيه. هذه التغييرات السياسية إضافة للكوارث الاقتصادية والاجتماعية التي تفتح لبنان على تحديات أمنية خطيرة، تضع الشيخ طقوش، أو من يستلم المسؤولية السياسية، على محك تحديد التموضع، وفي وقت سريع على أعقاب الفراغ الرئاسي والتخوف من فوضى الشارع.
فمن الذي سينتدبه طقوش للمهمة السياسية لموازنة هذه الملفات؟ وهل سيكون على قدر التحدي؟ وما هي توجهاته من الأساس؟
ففراغ الساحة السنية جعل الأنظار تشد للجماعة وتفرض عليها تحدياً جديداً وهو التعامل مع الصحافة وهي المعتادة على السرية في أمورها الداخلية، لتفاجأ بأن بعض الصحف تعاملت مع انتخاباتها الداخلية بجدية وبتنقيب عن المعلومات وبتحليل وتوقع، وهي أمور لم تعتدها الجماعة، وتضعها أمام إجبارية التعامل معها، بخاصة كونها طرحت إشكاليات مهمة. فالتقارير الصحفية المذكورة أوضحت بأن الفريق القيادي الجديد مخالف للنائب الحوت وتوجهاته السياسية، وعلى تواصل مع حزب الله، معززين رأيهم بأن الصحف التي دافعت عن نتائج الانتخابات الداخلية تدور في فلك حزب الله. وعليه، على الشيخ طقوش أن يحدد تموضع الجماعة بالتصريح والعمل، ويحدد مدى صحة تغير التموضع باتجاه الحزب.
تحدي المسار والعلاقة مع باقي الأحزاب لن يكون الوحيد لطقوش بالتأكيد، بل يتعداه للسؤال عن كيفية تعاطي طقوش مع مؤسسات الجماعة المهددة بالإغلاق بسبب الضائقة الاقتصادية، وكيف سيتعاطى مع الفئة التي انتقلت للمعارضة بالإقصاء أم الاحتواء؟ كيف سيؤثر العامل الجغرافي على دينامية الجماعة؟ كون الشيخ طقوش الأمين العام الأول من خارج الشمال؟ ما هي الوسائل الجديدة التي سيعتمدها لزيادة جماهيرية الجماعة التي تحافظ على الوسائل نفسها منذ الانطلاقة والتي ساهمت في ترهل الجماعة؟ كيف سيتعامل مع الجمعيات المتفرعة عن الجماعة والتي تشهد العلاقة معها شداً وجذباً؟ كيف سيتعامل مع القسم النسائي الذي يطالب دوماً بحضور أكبر في أروقة الجماعة؟ وكيف سيتعاطى مع صراع الانغلاق والانفتاح في الجماعة؟
غابت الجماعة عن الساحة السياسية لسنوات ماضية، ولم تستطع الوصول للبرلمان بأكثر من مقعد، وبالتالي لم تلعب الدور السياسي الكبير، فهل سيكون لدى الشيخ طقوش الحل؟ وهل سيكون الحل من حارة حريك؟ أم أن الشيخ طقوش لديه خلطة التوازن السياسي واللعب على المتناقضات؟ أم أنه سيقلص الاهتمام السياسي في الجماعة ويركز على الجانب الديني الذي تراجعت فيه الجماعة كذلك لأسباب عديدة، فتقدمت عليها في مجالها الأم جمعيات حديثة النشأة مقارنة بها، ويحول بالتالي استراتيجية الجماعة لتبتعد عن استراتيجيات الإخوان المسلمين نحو استراتيجية الجماعات الصوفية المؤثرة سياسياً كما يريد جزء من أعضاء الجماعة؟
قرارات القيادة الجديدة للجماعة لا تعنيها وحدها، بل تعني كافة الحركات الإسلامية من خلال النموذج الذي ستقدمه بعد التغيير في القيادة من دفة لأخرى، وهي مسؤولة عن تقديم نموذج لا يشبه نموذج الاقتتال المصري داخل الإخوان المسلمين.
تحديات جمة تواجه الجماعة في المرحلة القادمة تضعها أمام منعطف خطر؛ إما يجعلها تنزلق تحت وطأة الواقع المركّب الصعب، أو يجعلها تتقدم متسلحة بطرق إبداعية متجددة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.