ظهرت رياضة كرة القدم لأول مرة بمنطقة شمال إفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، ثم انتشرت بشكلٍ واسعٍ في بداية عشرينيات القرن العشرين، لما كانت دول المغرب العربي الثلاث، تونس والجزائر والمغرب، تعيش تحت نير الاستعمار الفرنسي.
البداية كانت بفريق خليط من الأوروبيين والعرب
وكانت معظم الأندية بشمال إفريقيا، في ذلك الوقت، تتشكل من لاعبين أوروبيين مُستوطنين، مُدعمة ببعض لاعبي السكان الأصليين. ويقول المؤرخون إنّ المستوى الفني للفرق واللاعبين بالجزائر والمغرب وتونس كان يضاهي ذلك الموجود بفرنسا، ما دفع بمسؤولي الرياضة الفرنسية إلى تأسيس منتخب لشمال إفريقيا لكرة القدم يكون بمثابة خزان للمنتخبين الفرنسي الأول والثاني.
وبما أنّ أندية شمال إفريقيا كانت تتشكل، في البداية، بأغلبية من اللاعبين الأوروبيين، فإنّ عدد اللاعبين العرب بمنتخب هذه المنطقة كان قليلاً في عشرينيات القرن الماضي.
وخاض هذا المنتخب مباراته الأولى في سنة 1923، بمدينة مارسيليا، أمام منتخب فرنسا "ب"، أي المنتخب الفرنسي الرديف، وانتهت بفوز منتخب شمال إفريقيا بنتيجة 3 أهداف لهدفين، ثم واجه منتخب فرنسا الأول، في عام 1925 بمدينة سات، وفاز عليه بنتيجة هدفين لواحد.
ومع مرور السنوات، ازداد عدد اللاعبين العرب بمنتخب شمال إفريقيا إلى أن أصبح في بداية 1950 يتشكل كله من لاعبي المغرب والجزائر وتونس، خاصة مع احتراف العديد منهم بأندية فرنسية كبيرة.
وبحكم أنّ منتخب شمال إفريقيا لم يكن معترفاً به من طرف الهيئات الدولية الرياضية الرسمية، فإنّ كل مبارياته كانت ودية، وأمام مختلف المنتخبات الفرنسية.
مباراة خالدة في سنة 1954 من أجل ضحايا زلزال الجزائر
ولعل أشهر مباراة خاضها منتخب شمال إفريقيا وقامت الصحافة المحلية بتغطيتها بشكلٍ واسعٍ هي تلك التي جمعته بمنتخب فرنسا الأول، يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بملعب "بارك دي برانس" بالعاصمة باريس، والتي جرت في إطار جمع التبرعات لفائدة ضحايا الزلزال العنيف الذي ضرب مدينة "أورليون فيل" الجزائرية (الشلف حالياً)، يوم 9 سبتمبر/أيلول من السنة نفسها، والذي بلغت قوته 7 درجات على سلم ريختر، وأدى إلى وفاة 1500 شخص وإصابة 5 آلاف آخرين.
وقد ضم منتخب فرنسا، في تلك المباراة، عدة نجوم بارزين على غرار الهداف ريموند كوبا وجونكيت وجان فانسون، فيما قاد النجم المغربي العربي بن مبارك منتخب شمال إفريقيا الذي ضم أيضاً كلاً من المغاربة الآخرين عبد الرحمان محجوب ومحمد عبد الرزاق وسالم بن ميلود، والجزائريين، عبد الرحمان بوبكر، حارس مرمى نادي موناكو، وزميله في الفريق نفسه المدافع الحر مصطفى زيتوني، ومختار عريبي وعبد العزيز بن تيفور وعبد الرحمان مفتاح ورشيد بلعيد وسعيد حداد ، والتونسي قاسم حسونة.
وقد قدم منتخب شمال إفريقيا في تلك المباراة أداءً فنياً راقياً أبهر به الصحفيين والنقاد والجماهير الغفيرة التي حضرت اللقاء من مدرجات الملعب، بحيث افتتح الجناح الأيمن لنادي نيس، عبد الرزاق، باب التسجيل فور بداية المباراة، ثم أضاف زميله بن مبارك الهدف الثاني في الدقيقة 25، قبل أن يقلص ديرودري الفارق لصالح فرنسا، ويضيف، بعد ذلك، عبد الرزاق الهدف الثالث، ويقلص يوجلاكي الفارق، مرة أخرى، بواسطة ركلة جزاء، لتنتهي المواجهة الودية الخيرية بفوز المنتخب الشمال إفريقي بنتيجة 3 أهداف لهدفين.
وشهدت تلك المباراة تألقاً لافتاً، لنجم أولمبيك مرسيليا، العربي بن مبارك، ما جعل الجماهير تُطالب بعودته إلى منتخب فرنسا، وهو الأمر الذي حدث، أسبوعاً واحداً فقط بعد ذلك، حيث خاض العربي مباراة ودية أمام بطل العالم، منتخب ألمانيا الغربية، يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 1954 بمدينة هانوفر (3-1)، ولكنه غادر الملعب بعد 27 دقيقة فقط من بداية اللقاء بسبب تعرضه لإصابة عضلية.
وكان لقاء ألمانيا الغربية هو الأخير بالنسبة للعربي بن مبارك في مشواره الدولي، وقد خاضه وهو في سن الـ37، وبعد مرور 15 عاماً و10 أشهر من مباراته الأولى، ليصبح بذلك، وإلى الآن، صاحب رقم قياسي تاريخي بصفته اللاعب الذي قضى أطول مدة مع منتخب فرنسا، ما يعني أنه لو لم يلعب بن مبارك مباراة منتخبي شمال إفريقيا وفرنسا يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 1954 لما لفت انتباه الحضور بمستواه الفني الكبير، ولما طالبت الجماهير بعودته إلى منتخب فرنسا الأول بعد حوالي 6 سنوات من الغياب، ولما أصبح صاحب ذلك الرقم التاريخي المميز.
اللغة العربية كعامل مشترك!
وعلى الرغم من الطابع الودي والخيري لمباراة منتخبي شمال إفريقيا وفرنسا لسنة 1954، إلّا أنّها أخذت بُعداً عنصرياً لدى بعض الصحفيين الفرنسيين الذين سخروا في كتاباتهم، من منتخب المغرب العربي الذي سيكون "لقمة سائغة" لمنتخب بلدهم، كما اعتبر أحد أولئك الصحفيين أنّ لاعبي منتخب شمال إفريقيا غير متعودين على اللعب كثيراً فيما بينهم، و"لا يملكون عاملاً مشتركاً سوى اللغة العربية".
وعلى الرغم من أنّ اللغة العربية كعامل مشترك قد جاءت، في ذلك السياق، على شكل سخرية، إلّا أنّها كانت الحقيقة بعينها، فالمغربي بن مبارك والجزائري زيتوتي والتونسي حسونة، اجتمعوا في منتخب شمال إفريقيا بصفتهم عرباً من منطقة واحدة، وبصفتهم لاعبين ينتمون إلى دول مُحتلّة من طرف الدولة التي واجهوا منتخبها الأول، ما قد يكون جعلهم يخوضون تلك المباراة بحرارة وحماس كبيرين لتحقيق الفوز بالنتيجة والأداء.
ما وحَّده الاستعمار فرَّقه الاستقلال!
اندلعت ثورة التحرير الجزائرية الكبرى يوم 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1954، واستقلت تونس والمغرب عن الحماية الفرنسية في سنة 1956، ثم نالت الجزائر استقلالها في عام 1962، ويمكن القول إنّ الاستعمار الفرنسي قد وحد الدول الثلاث في منتخب كروي صعب المراس، وجعل رياضيي هذه البلدان يلعبون بقميص واحدٍ، في حين أنّ الاستقلال جعلهم يتواجهون فيما بينهم في حساسية مفرطة بحجة طابع "الديربي" لمبارياتهم، ولعل الأحداث المؤسفة، بين اللاعبين، التي عرفها مؤخراً لقاء الجزائر والمغرب في نهائي بطولة العرب للناشئين؛ أفضل دليل على "وهم" الديربي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.