بعد قتالها مع هالك في أحد أعداد قصصه المصورة لعام 1981، تقف صابرا أمام هالك وبينهما طفل فلسطيني قُتل بسببها، تنزل الدموع من مقلتي عيني هالك المتوحش، بينما يصرخ في البطلة الخارقة الإسرائيلية وعميلة الموساد صابرا، وحينها يقول الراوي كلمته:
"احتاجت لهالك المتوحش كي يجعلها تفهم أخيراً أن هذا الطفل العربي المقتول هو إنسان مثلها!".
نعم سيدي القارئ، هذه هي الشخصية التي أعلنت مارفل تقديمها في فيلم Captain America: New world Order القادم في عام 2024، شخصية بطلة خارقة إسرائيلية، يسمونها صابرا، بمعنى "المولودة في إسرائيل"، والتي ستقوم بدورها الممثلة الإسرائيلية كذلك شيرا هاس.
بالطبع سبّب هذا الإعلان حالة من الغضب الشعبي العالمي والعربي على كل من ديزني ومارفل، ولكن كان رد الشركتين نموذجياًن من حيث إنها تمثل في شخصياتها كافة الأعراق والشعوب، لذا كما قدمت من قبل بطلاً خارقاً مصرياً، وبطلة خارقة مصرية في مسلسل Moonknight، فمن الطبيعي أن تقدم للجمهور بطلة خارقة إسرائيلية.
ولكن ردها النموذجي ذاك تجاهل المشكلة الحقيقية، لذا دعني أولاً أسرد لك حقيقة هذه الشخصية المنتظرة.
من هي صابرا؟
تمت صياغة شخصية صابرا بواسطة الكاتب بيل مانتلو والرسام سال بوسكيما، اسمها الحقيقي كان روث بات سيراف، وظهرت للمرة الأولى في أعداد الثمانينات من قصص العملاق الأخضر المصورة.
تمثل صابرا تكراراً لشخصية كابتن أميركا، فهي كابتن إسرائيل بمعنى أصح، تمت صناعتها عن طريق محاولة الجيش الإسرائيلي لتطوير عقار الجنود الخارقين الذي صنع كابتن أميركا.
وهكذا تمثل صابرا العرقية والأيديولوجية الوطنية الصهيونية، فزيها يمثل العلم الإسرائيلي بلونيه الأزرق والأبيض ونجمة داود، وهي جندية في الجيش الإسرائيلي وعميلة في الموساد.
صابرا هي شخصية الجندي الصهيوني المحتل النموذجي، جندية فخورة بوطنها القائم على جثث الأطفال، سفاحة لا تبالي بما تقتله من أبرياء لأجل تحقيق أهداف وطنها المزعوم العسكرية، ومؤمنة إيماناً شديداً بالفكر الصهيوني وأحقية الإسرائيليين في الأرض المسروقة.
حتى إنها في ظهورها الأول، هاجمت هالك لظنها أنه عضو في المقاومة الفلسطينية أو الإرهابيين، من وجهة نظرها بالطبع.
وباء الصوابية السياسية:
لا يخفى على أحد، أن صناعة السينما والدراما الغربية، خاضعة الآن بشكل كامل لوباء الصوابية السياسية، والذي يفرض عليها تمثيل جميع وكل العرقيات والأقليات داخل كل الأعمال السينمائية والدرامية، حتى لو لم تخدم النص الفني.
وهنا يمكن أن نطرح سؤالاً مهماً، هل شخصية صابرا حقاً محاولة لتمثيل كل العرقيات كما حدث مع البطلة الخارقة المصرية في مسلسل فارس القمر؟
الإجابة التي تكشف المشكلة الحقيقية ستكون: "بالطبع لا"؛ وذلك لأنه على عكس البطلة الخارقة المصرية في فارس القمر، صابرا لا تمثل فرداً وسط شعب ما أو عرقية ما، بل تمثل نظام دولة احتلال عسكري قائمة بالكامل على مبادئ الفصل العنصري والإبادة العرقية.
فكما قلت سابقاً، صابرا هي عميلة فخورة في الموساد والجيش الإسرائيلي، الموساد ذاته والجيش الإسرائيلي ذاته الذي لا ينفك عن ارتكاب المذابح في حق المدنيين والأطفال، بل حتى عن استهداف الصحفيين.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، وهي مشكلة التطبيع مع كيان عنصري مماثل للنازية في صورتها ومكنونها.
التطبيع مع الصهيونية النازية
يمكنك عزيزي القارئ، أن ترى بوضوح أن تقديم شخصية كشخصية صابرا، هو محاولة بائسة للتطبيع مع جرائم الصهيونية، وللأسف ليست هذه المحاولة الأولى.
فعلى مر التاريخ، ومنذ النكبة عام 1948، والسينما العالمية تحاول إظهار جنود الكيان المحتل في صورة بطولية عالمية كنوع من التطبيع مع جرائمه.
مثل فيلم The Red Sea Diving Resort والذي صدر عام 2019، ويسرد قصة مجموعة جواسيس يحاولون تهريب لاجئين لإسرائيل كي ينقذوهم من مصير مأساوي.
أو فيلم The Debt الصادر عام 2010، والذي يسرد قصة مجموعة من عملاء الموساد في مهمة بطولية للقبض على مجرم نازي هارب.
أو حتى فيلم The Patriots الصادر عام 1994، والذي يسرد قصة عميل موساد إسرائيلي في مهمة لسرقة أسرار نووية من عالم فرنسي.
وغيرها الكثير، لذا في النهاية يمثل الإعلان عن شخصية صابرا مجرد خطوة إضافية في محاولة لجعل الرأي العالمي يقبل بالتطبيع مع جرائم الاحتلال، عن طريق مداعبة الحالة النفسية للتعاطف مع الأبطال الخارقين.
لماذا الغضب العالمي؟
بعد إعلان مارفل مؤخراً عن تقديمها للشخصية، والغضب العالمي يتصاعد بشكل ملحوظ على الإنترنت، ويمكنك كمواطن عربي أن تفهم جيداً لماذا كل هذا الغضب.
فشخصية صابرا حتى وإن كانت خرجت في المرة الأولى في القصص المصورة في زمن يمكن فيه تزييف الرؤية العالمية للواقع الفلسطيني، في هذه اللحظة وهذا الزمن، تبدو الشخصية على حقيقتها أمام الجمهور، كمحاولة تبييض وجه بائسة لنظام يداه ملوثتان بجرائم حرب لا تنتهي.
فاسم الشخصية، وإن كان يمتلك معنى بالعبرية وهو "الشخص المولود في إسرائيل"، إلا أن نطقه يمثل بالعربية ذكرى مأساوية في العقل العربي، وهي ذكرى مذبحة صابرا وشاتيلا التي قام بها الاحتلال في لبنان عام 1982، واستشهد فيها أكثر من ألف فلسطيني.
نعم، يقولون بأن الشخصية تم صنعها قبل المذبحة، ولكن إعلان مارفل عن تقديمها سينمائياً قبل الذكرى الأربعين للمذبحة بأسبوع واحد، يطرح الكثير من التساؤلات حول نية الشركة في تحدي الروح العربية، ولن تكون مرتها الأولى بعد رفضها مسبقاً إزالة المشاهد الشاذة من أفلامها.
لذا من الصعب القول بأن المسؤولين في شركة مارفل جاهلون بتاريخ الشخصية، وتاريخ المنطقة، بل الأمر يبدو مقصوداً بشكل كامل كنوع من الاستفزاز.
ثم فوق كل ذلك، من الملحوظ بشكل كامل تجنب الشركة في تقديمها لأبطالها الخارقين، عدم اختيار بطل خارق من خلفية عسكرية عربية أو مصرية، ولكن حين يأتي الدور على إسرائيل، نجد بطلاً خارقاً عميلاً للموساد، وهذا يوحي بمقدار التأثير الذي يمتلكه الموساد، داخل صناعة السينما الأمريكية، كي يضمن لنفسه تمثيلاً بطولياً بهذا الشكل.
لماذا يحتاج هذا العصر للأبطال الخارقين؟
إن مفهوم البطل الخارق أصبح مفهوماً بشرياً بامتياز، فهو امتداد لمفهوم الآلهة القديمة التي تسير بين البشر وتقوم بحمايتها من الأخطار الكونية والأرضية، وهكذا مفهوم هو بالطبع ليس سوى وسيلة تعبير عن الحاجة البشرية في نفس البشر لوجود الرب الذي يرعاهم.
فالإنسان يحتاج دائماً إلى رب، يشتاق له ويبحث عنه في كل صورة من صور عالمه الفاني، وحين لا يعثر عليه، يصنعه بنفسه، فيجعل روحه تدور في فلكه، وهكذا يمتلك معنى لوجوده، حتى لو كان ذلك المعنى مزيفاً.
وعلى غرار الآلهة القديمة، يمثل الأبطال الخارقون مثلاً عليا يتطلع لها البشر، يكتبون حولها الحكايات والقصص التي تضعهم في أصعب المواقف والاختبارات، ليخرجوا منها منتصرين في النهاية وقد أثبتوا أثناء سعيهم للانتصار حقيقة المثل التي يمثلونها.
بالتالي دائماً ما يخرج الأبطال الخارقون من رحم المعاناة، فلحظة تحوُّل الإنسان العادي لبطل يجب أن تكون لحظة ألم تجعله يقرر أن ينصب نفسه حامياً للإنسانية، كي لا يتذوقوا مرارة الألم الذي تذوقه هو من قبل.
ويمكنك رؤية هذا النمط ببساطة في كل القصص المصورة أو الأعمال السينمائية الممتدة، كأفلام عالم مارفل السينمائي أو عالم دي سي السينمائي.
وفي هذا تحديداً تكمن أهمية مفهوم البطل الخارق كسلاح ثقافي، حيث يمكن للحضارة التي أنشأته من العدم أن تجعله يقف مدافعاً عن مثلها العليا وهويتها، بل يحمل اسمها نفسه كـ"كابتن أميركا" على سبيل المثال.
وفي اللحظة التي يتخذ فيها هذا البطل الخارق الخيالي مكانه في عقول محبيه من الأطفال والمراهقين والبالغين أيضاً، يمكنه أن يزرع داخلها مثل صانعيه كيفما شاؤوا ومتى شاؤوا، ولهذا بالضبط تمثل مشكلة شخصية صابرا مشكلة حقيقية.
فهي محاولة لتبييض وجه نظام محتل غاشم يستهدف الأطفال والنساء، وله تاريخ دموي ممتد لآلاف السنين، لذا ربما علينا هذه المرة أن نقف في وجه مثل هذه المحاولات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.