كل شيء بدأ بانتصاره على مارادونا.. قصة توماس مولر صاحب الاحتفالات الغريبة والشخصية الأغرب

عدد القراءات
707
عربي بوست
تم النشر: 2022/09/19 الساعة 08:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/07 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
توماس مولر لم يقدم المستوى المتوقع معه في يورو 2020 (رويترز)

حينما كانت كرة القدم ترعى نجوماً في سمائها مثل: زلاتان إبراهيموفيتش، كريستيانو رونالدو، ليونيل ميسي، كان يكبر في ألمانيا فتى صغير لم يكن بنفس الزخم الجماهيري والإعلامي حينها.

في ألمانيا، أكثر الأسماء شيوعاً هو اسم عائلة "مولر" تقرؤه في كل اسم تقريباً وفي كل شارع يوجد على الأقل واحد مولر أو أكثر.

لكن في الأرجنتين لا يعرفون سوى الأسطورة الألمانية القديمة جيرد، جيرد مولر، ودييجو أرماندو مارادونا حاله حالهم، لم يكن يعرف من هو؟

في أحد المؤتمرات الصحفية، جالساً يستقبل أسئلة الصحافة حول منتخبه، دخل شخصاً تبدو عليه أمارات الغطرسة، إنه يدخل بهدوء وتبلد غريب، بل ويجلس على نفس الطاولة وينتظر دوره في الإجابة عن الأسئلة.

في ذلك الوقت، لم يفهم مارادونا من يكون هذا الرجل، وطلب من المنظمين أن يختاروا بينه وبين الرجل غريب الأطوار الذي فرض نفسه على المكان وبالفعل غادر مارادونا المكان دون أن ينتظر إجابتهم.

ولفض الخلاف، قرر المسؤولون أن يخرجوا الرجل ويدخل مارادونا، وبعد أن دخل قال إنه لا يعرف من يكون هذا الرجل، ولا يعرف إن كان لاعباً في ألمانيا أم لا، هو فقط تفاجأ به.

جيرد مولر توفي عن عمر ناهز 75 عاماً - توماس مولر (رويترز)
جيرد مولر توفي عن عمر ناهز 75 عاماً (رويترز)


هو توماس مولر، الذي كان قد قفز قفزته الأولى بعد العشرين للتو، والذي يمثل منتخب ألمانيا للمرة الأولى في مسيرته، والرجل الذي كان سيواجه مارادونا بالذات في ربع نهائي كأس العالم 2010 في جنوب إفريقيا.

والرجل الذي كان سهماً من أسهم كثيرة أصابت قلوب وحناجر الشعب الأرجنتيني في ليلتها، يوم أن حملت ألمانيا الأرجنتين على نعش الموت ودفنتها في أدغال إفريقيا.

ليخرج توماس مولر ويُصرح: "أعتقد أنه بات يعرفني جيداً".

من الزمن الجميل

للوهلة الأولى قد تظنه يلعب كمهاجم، ثم تكتشف أنه قد لا يكون مهاجماً، وحينما تشاهده يركض في أرض الملعب قد تشعر بأنه مُهرج لا يجيد أي شيء في اللعبة.

الانطباعات الأولية بخصوص توماس مولر دائماً تظلمه، بالتدقيق والتركيز معه ستكتشف أنه جيد، ممتاز، رائع في كل ما يتعلق بلعبه وفهمه للعبة، رائع في استغلال بدنه النحيف في أي صراع هوائي أو أرضي، ورائع في التحرك والاستلام والتسليم.

وهو الأمر الذي دفع مدربه السابق والأسطوري لبايرن ميونيخ، يوب هاينكس، لقول إن توماس مولر هو بجودة أفضل وشخصية أنضج متساوياً مع أسطورة الكرة الألمانية وبايرن ميونيخ جيرد مولر.

توماس مولر هو خليط بين عصور مضت وعصور آتية، هو اللاعب الذي يفهم كيف يتحرك في كل مكان، وكيف يُوفر أماكن متعددة لزملائه ليستثمروها لصالحهم.

هو الرجل الذي تتدلى جواربه، وجسده نحيف للغاية لدرجة تُشعرك بأنه مُصاب بالسُل، وفي نفس الوقت يتمتع بقدرات كبيرة في لعبة كرة القدم.

مشكلة مولر أنه يشبه عصر ما قبل التليفزيون، لكل الأسباب المذكورة في الأعلى، وهذا ما يقولونه في ألمانيا، رغم تطور كل شيء في العالم وحتى التكنولوجيا؛ إلا أن توماس بالتحديد لا يتطور.

ربما لأنه نشأ في أسرة جعلت الحياة بسيطة وسلسة، ولأنه تزوج في ريعان شبابه، وكلها عوامل ساعدته في ألا يكون نجماً حتى وإن كان كذلك.

وليزا هي المرأة التي كانت تقف خلف كل اللحظات السعيدة في حياته، وهي المرأة التي رآها فقرر أن كل شيء لابد أن يكتمل بها ومعها، ولهذا تقول أمه، كلاوديا مولر، إنها تحب ليزا لأنها رأت توماس مولر وأحبته حتى قبل أن يظهر للأضواء ويكون نجماً، حبها له حقيقياً للغاية.

ولم يتغير أي شيء في شكله وهيئته منذ يومه الأول في عالم كرة القدم، إنه بنفس قصة الشعر، وبنفس الملابس الألمانية التقليدية، وبنفس كل شيء كأنه يظهر للعالم منذ لحظات، والغريب أنه بنفس الاحتفال أيضاً، الذي تعقبه ابتسامة صفراء مهما كان الهدف رائعاً.

مشكلة توماس مولر أنه لا يتعامل مع كرة القدم على أنها مهنة، ولا يتعامل معها أيضاً على أنها موهبة؛ إنه يتعامل معها على أنها مساحة آمنة يمكن من خلالها أن يُظهر للعالم من يكون.

احتفالاته الغريبة

كان هانزي فليك، مدربه السابق في بايرن ميونيخ والحالي في المنتخب الألماني، لا يفهم كيف يلعب مولر ولا يدري في أي مركز يجيد اللعب حقاً، وهي ليست مزحة، فليك كان يقول إن مولر أحياناً لا يرتبط بتخطيط معين في أرض الملعب بل إنه في كثير من الأحيان يتصرف بطريقة كانت تضايقه ويفقد الكرة عن عمد لكي يستفز مدربه.

مولر هو نموذج ألماني حقيقي يتمتع بتبلد غريب، يوم أن سجل هدفه القاتل في مرمى يوفنتوس في ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا سنة 2016 في الدقيقة الأخيرة، كان عليه أن يطير في السماء، وحينما افتتح التسجيل ضد برشلونة في مباراة الثمانية، وأمام البرازيل في السباعية التاريخية، فإنه يقف في مكانه ويرفع يديه كأنه اصطاد عصفوراً من السماء لا أكثر ولا أقل.

حتى في سن صغيرة كان توماس مولر

في بلدية فال، في بافاريا، كانت حياة توماس، ومنها قررت أسرته أن ينضم إلى فريق المنطقة فال، الفريق الذي لا يُهزم ويُسجل بكل الطرق الممكنة وغير الممكنة.

في أحد المواسم قالوا إن فريق فال سجل أكثر من 165 هدفاً، وكان فيهم لاعب يُدعى توماس مولر، أصغر من بقية زملائه عمراً، وأنحف منهم جسماً، ومن الحصيلة المهولة تلك سجل بمفرده ما يزيد عن 100 هدف منها!

والقصة حقيقية وعلى لسان أحد جيران أسرته، لذلك، كان من المتوقع له أن يكون لاعباً وقائداً منذ نعومة أظافره، وهي الميزة التي جعلت بايرن ميونيخ يقرر أن يتعاقد معه من قلب بلدته، وفي سن الحادية عشرة فقط.

الرجل الذي لا يحب كرة القدم خارج إطاراتها


رجل بكل هذه الطباع والسلوكيات الغريبة، لابد أن يكون وراءه سر، وسره الكبير أنه لا يحب كرة القدم خارج إطاراتها، إنه مهووس بأشياء أهم وأفضل، إنه مهووس بالأحصنة، وحصانه ديف يمكن بجواره أن ينسى الدنيا ومن فيها.

وزوجته، ليزا، قالت إن توماس يفهم في الأحصنة ويشعر بها أكثر مما تعرف هي كرة القدم وتفهمها، ويهتم لأمر هذه الكائنات لدرجة أنه يتحدث عنها في كل وقت وفي أي مكان.

إنه رجل ألماني خالص، من أولئك الذين تشاهدهم في الأفلام الكلاسيكية، له ثياب معينة يرتديها طوال الوقت، وله هيئة لا تتغير مهما شاخ وكبر، ولديه عمل ينجزه أنت قد لا تعرف ما هو أصلاً، إنه الكثير من التفاصيل وربما يشبه الريفيين الألمان الذين يعيشون الحياة بنفس طبيعتهم، لا يريدون لها أن تتحول إلى فيلم ويصبحوا أبطاله.

ولهذا لم يتذمر أو يتضايق حينما أنكره مارادونا، وحاول بدلاً من الرد عليه بلسانه أن تنوب عنه قدمه، وفي نفس البطولة حقق جائزة أفضل لاعب شاب في المونديال وأيضاً هداف المونديال في كأس العالم 2010.

ولم يتوقف عن كونه ذلك فحسب، بل بدأت مسيرته في نفس العام، وعرف الناس من هو الشاب الذي قفز قفزته الأولى بعد العشرين؛ لكنه أنضج وأفضل من لاعبين تخطوا الثلاثين ويتمتعون بخبرات تفوقه بكثير.

وهو أيضاً الرجل الذي يرفع يديه عالياً، مهما كانت روعة الهدف وأهميته، محتفلاً بمنتهى الهدوء بالعمل الذي أنجزه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد