في الذكرى الأربعين لمذبحة صبرا وشاتيلا، والتي ارتكبتها أيادي الغدر من حزب الكتائب اللبناني، بقيادة المجرم إيلي حبيقة وجيش لبنان الجنوبي، بقيادة المجرم سعد حداد، وجيش لبنان الجنوبي عبارة عن منشقين عن الجيش اللبناني، وتم تنظيمهم لاحقاً من خلال الجيش الإسرائيلي، بقيادة أرئيل شارون، وتشير العديد من الروايات وبعضها لصحفيين من أوروبا، أبرزهم الصحفي الفرنسي آلان مينارغ، والفرنسي اليهودي أمنون كابليوك، الذي دوّن في كتابه عن تلك المذبحة، أن الصليب الأحمر قد جمع جثث أكثر من 3000 من الأطفال والنساء وكبار السن والرجال العزل.
وكان اللبناني إيلي حبيقة قد قاد مجموعات من القتلة، تزيد عن 2000 مجرم، لتنفيذ المذبحة بتنسيق مع الإسرائيليين، بقيادة أرئيل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، ورفائيل إيتان، الذي أضاءت قطعانه سماء المخيمات بالقنابل النارية المضيئة، التي سهّلت مهمة القتل، ووصفت العديد من الروايات بشاعة الحدث، ومنها بقر بطون الحوامل، والاغتصاب الجماعي، وتم اتباع أسلوب بمنتهى الدناءة، وهو النداء بمكبرات الصوت (سلم تسلم)، وعندما تخرج العوائل مسالمة بناء على النداء يتم قتلها من دون أدنى رأفة، وحتى اليوم لم تتم أي محاكمة عادلة لمجرمي تلك المذبحة، باستثناء "لجنة كاهان"، التي شكَّلتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأدانت أرئيل شارون من دون أن يتم عقابه، بل إنه لاحقاً تم تكليفه بتشكيل حكومة للكيان المحتل! ولم يرقد المخيم في سلام على شهدائه، بل تجددت المجازر في المخيمين عام 1985، وهذه المرة على أيدي مجرمي حركة أمل الشيعية، واللواء السادس من الجيش اللبناني، فيما يُسمى حرب المخيمات.
عام 1982 وما سبقه كان فيه الكثير من صفحات الإجرام بحق الشعب الفلسطيني، ولكن مذبحة مخيمات صبرا وشاتيلا في ذلك العام بعد مذبحة تل الزعتر 1976 تبقيان الأبرز لقذارة طرق تنفيذ الجرم، وضخامة عدد الشهداء، وأيضاً طبيعة المجرمين، حيث تحالف حثالة العرب مع الإسرائيليين، فقد كان رئيس الاحتلال الإسرائيلي عام 1982 هو المجرم مناحيم بيغن، الذي قاد عصابات (الأرجون وشتيرن) في مذبحة دير ياسين عام 1948، ووزير خارجيته المجرم إسحاق شامير، قائد عصابة شتيرن، التي ارتكبت العديد من المجازر بحق الفلسطينيين العزل.
ولكن هذا التاريخ الإجرامي لم يمنع الرئيس العربي المصري أنور السادات من إقامة سلام مع مناحيم بيغن، ولم يمنع الرؤساء العرب من الجلوس مع المجرم إسحق شامير في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وعلى الجانب الآخر فإن المجرم إيلي حبيقه رجل المهمات القذرة أصبح لاحقاً وزيراً في لبنان، وقال وقتها "للحرب أحكامها، وللسلام أحكامه أيضاً.
الحرب توقفت، ومهمتي الآن مساعدة اللبنانيين في التغلب على آثارها"، وأيضاً أصبح لاحقاً حليفاً قوياً للقيادة السورية، برئاسة حافظ الأسد، التي كانت تدعي دعم المقاومة وهي تُسهم في إبادتها، وتم استقباله فيها كالأبطال! قبل أن يتم اغتياله لاحقاً عام 2002، في وقت كان سيدلي فيه باعترافات في محكمة العدل الدولية تدين إرئيل شارون.
وتمضي السنوات وتتضح المزيد من المعلومات عن تلك الحقبة الزمنية، التي تجاوزت فيها ماكينات قتل المدنيين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية في لبنان حدود العقل البشري، ولا يوجد لها أي تفسير غير أن ذلك الإجرام بكل بشاعته لم يستطع أن يحقق أكثر من قتل الأبرياء، لشدة الغل والحقد والكراهية في داخله، لأنه فشل في إخضاع الشعب الفلسطيني المقاوم بكل الطرق لاستعادة الوطن المحتل، وأن جهوداً كبيرة تمت لإخضاع الشعب الفلسطيني باءت بالفشل، وأنها لم تكن جهوداً من الاحتلال الإسرائيلي فقط؛ بل من أعوانه من العرب أيضاً، ولكن تشاء الأقدار أن يبقى الشعب الفلسطيني خاصةً والعربي عامة عصياً عليهم، ومؤمناً بعدالة قضيته، وقد يكون لزيادة وضوح الرؤية يوماً بعد يوم، وخصوصاً الهرولة نحو التطبيع فوائد عديدة، قد تعود بالنفع لمصلحة القضية، ومن بقي من الشرفاء مؤمناً بها، وخصوصاً من الشعوب العربية.
لِشهداء مخيمات صبرا وشاتيلا وكافة شهداء فلسطين المجدُ والخلود، ولِمَن ارتكب تلك المذابح الذل والعار الدائم، أما الإنسانية التي تدّعيها الكثير من الدول، وخصوصاً الغربية منها، فقد أسقطت صبرا وشاتيلا ومن قبلِها تل الزعتر الغطاءَ عن وجوهكم القبيحة، وقلوبكم التي لا تحمل شيئاً من القيم الإنسانية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.