ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر الناشطة اللبنانية "سالي حافظ" التي اقتحمت مصرفاً في لبنان واستردت وديعة شقيقتها من أحد البنوك تحت التهديد، مستعملة مسدساً بلاستيكياً.
ما قامت به سالي حافظ ذكرني بالفيلم الأمريكي "Heat" بطولة روبير دي نيرو وآل باتشينو، ففي هذا الفيلم، تقوم عصابة باقتحام أحد البنوك من أجل سرقتها، ولكن في لبنان القصة مختلفة تماماً، فلقد قامت فتاةٌ يافعة وبجرأة وشجاعة غير مسبوقة باقتحام بنك مع بعض الأصدقاء حيث وديعة شقيقتها المصابة بالسرطان، وبسبب قصتها وبعض الصور التي تظهر فيها أختها المريضة، تعاطف الناس معها ونالت تأييداً غير مسبوق وتحوّلت من إنسانة عادية إلى رمزٍ للنضال والشجاعة وأصبحت حديث الساعة والإعلام المحلي والعالمي، وفتحت شهية الكثير ممن سُلبت أموالهم بالقيام بمثل ما قامت به، لا شك أن ما قامت به تلك الشابة هو عمل محق وبطولي وإنساني من أجل إنقاذ أختها المريضة، فهذا الوجه الإيجابي في القصة من الناحية المظلومية والناحية الإنسانية، ولكن على الناحية الأخرى أي الوجه السلبي، لهذه الحادثة آثارٌ سلبيةٌ كبيرةٌ وكثيرةٌ ولها ارتداداتٌ خصوصاً على مستوى العقد الاجتماعي والأمن الاجتماعي والهوة بين مفهوم الدولة والناس، وهنا مربط الفرس، ماذا بقي من العقد الاجتماعي في لبنان؟
ما حصل يعبر عن مأساةٍ حقيقية، فهذه الحادثة تحتاج إلى تشريحها من ناحية العلم الاجتماعي كي نفسر الظاهرة ونحللها، ففي فلسفة الأخلاق وخلال النهضة الأوروبية وعصر التنوير، نظّر كل من تومز هوبز وجون لوك وجان جاك روسو في قضية العقد الاجتماعي، وكان أشهرهم روسو الذي كتب كتابه الأشهر وهو العقد الاجتماعي، ونحن اليوم تقريباً نعيش هذه الظاهرة؛ وهي أننا قمنا كجماعة من الناس بالتخلي عن بعض حقوقنا لصالح الدولة التي هي موكلة بحفظ الحقوق ومراقبة تطبيق القانون عبر قضاءٍ مستقل، وهنا علينا أن نسأل لماذا لجأت سالي- تلك الصبية والتي من المفترض أن تلجأ إلى القانون وإلى الدولة في ظل هذا العقد الاجتماعي الذي قام من أجل حماية الحقوق- إلى استعمال أساليب أخرى للوصول إلى حقها؟ فهذه الحادثة لن تكون إلا البداية في استخدام القوة المفرطة لاحقاً من أجل استرداد الحقوق، أين القضاء؟ أين القوى الأمنية؟ كل تلك الأجهزة الأمنية والقضائية وغيرها وكل مؤسسات الدولة أصبحت في خدمة السلطة السياسية والقطاع المصرفي، فالسلطة السياسية والقطاع المصرفي هما وجهان لعملةٍ واحدة، فهذا التزاوج أدى إلى فرط العقد الاجتماعي؛ أي الدستور اللبناني واتفاق الطائف، وبفرط هذا العقد سوف يلجأ الناس إلى العنف وسوف تقوى الأحزاب اللبنانية التي تملك السلاح بحجة الأمن وحماية الناس، فهذا منزلق خطير ويؤدي إلى إضعاف الأمن الاجتماعي.
إن الإنسانية بمجتمعها السياسي والاجتماعي يختلف فيها الإنسان نفسه عن باقي المخلوقات فقد تميز بالتشريعات والقوانين التي وضعها من أجل تنظيم الحياة، ولكن حتى في عالم الحيوانات، فهناك قوانين تحكم تحركها ونشاطها، وإن كانت تلك القوانين خفية ولكنها موجودة، وهي تسمى بقانون الغاب، ولكن تلك التشريعات يجب ألا تنحصر في الإطار النظري إنما أن تصبح تطبيقية، ففي الحرب العالمية الثانية، تعرضت لندن إلى قصفٍ غير مسبوق من النازية وخرجت بريطانيا شبه مفلسة.. ولكن تشرتشل قال كلمة من ذهب "ما دام القضاء بخير فإن بريطانيا بخير"، ولكن للأسف ليس هناك قضاء ولا قانون ليحمي سالي وغيرها من المظلومين في لبنان، على العكس، فلقد أصبح القانون أداة للسلطة السياسية للانتقام من كل من يعارضها أو يحاول أن يعريها ويفضح جرائمها المالية والأخلاقية والإنسانية، فمعركة استرداد الوطن تكون بتنظيف القضاء من الفاسدين واستقلاله الكلي عن السلطة السياسية.
لا يمكن حصر تلك الحادثة بالتفاعل على المواقع التواصل فقط، فهذه رسالة إنذار لكل أصحاب المصارف وعليهم إن يتتحسسوا رقابهم بسبب نقمة الناس عليهم، إضافةً إلى السياسيين الذين لديهم ارتباطاتٍ بالمصارف، فلقد وصل الناس إلى حالةٍ من اليأس وعدم الإيمان بمفهوم الدولة والعدالة الاجتماعية والقانون والقضاء، فلقد تحوّلت تلك الأدوات والمؤسسات لحماية السلطة السياسية والقطاع المصرفي، وعليه لا بد من إيجاد حلٍّ سريع لامتصاص غضب الناس كي لا يتحوّلوا من حالة القنبلة الموقوتة إلى قنبلةٍ متفجرة في أي لحظةٍ وأي مكان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.