شاركت منذ عدة أيام في لقاء تلفزيوني للحديث عن بيان المجلس الأعلى للإعلام في مصر، والذي أشار إلى أنه بصدد وضع ضوابط منظمة لعمل منصات صناعة المحتوى على شبكات الإنترنت، ومن بينها منصتا نتفلكس وديزني، بما يتماشى مع قيم وأخلاق المجتمع المصري.
وبطبيعة مثل هذه المشاركات لا يتسع للضيوف الاستفاضة في طرح وجهات نظرهم، خاصة مع وجود أكثر من ضيف مختلفين في وجهات النظر يقيدهم مُعد البرنامج ومقدمه من جهة وضيق الوقت من جهة أخرى، أسئلة تُطرح على الضيوف تفتح زوايا أخرى للحديث والنقاش.
ونظراً لأهمية الموضوع، وجدت أنه من الضروري التأكيد على بعض النقاط المهمة التي أرى في ذكرها منفعة، وربما باباً يساعد على محاربة الخراب الذي نال من أجيال ويهدد أجيالاً أخرى لا زالت في سن الطفولة، لها في أعناق الجميع حقوق مكفولة.
لطالما واجهت السلطة القائمة في مصر بما أجيده من أدوات كحقوقي تارة وكشاب يستطيع قلمه أن يعبر عما يجوب بعقله ويشعر به قلبه تجاه ما يحدث في وطنه من أحداث وانتهاكات، انتصاراً للحق، لا لنفس أو هوى، وعليه فقد عبرت عن ترحيب بحذر للبيان على أمل أن تصدق نوايا المسؤولين ويتم صياغة ضوابط تُراعى معها بشكل حقيقي وملموس قيم وأخلاق المجتمع.
رصيد السلطة على مدار السنوات الماضية وغياب الرقابة على المنتجات الفنية وانتشار الإسفاف ومفهوم التجارة في المساحات الفنية الذي لا يرى أكثر من مخاطبة الغرائز بضاعة يجني من ورائها المكاسب مهما كلف ذلك وأثَّر على سلوك المشاهدين، خاصة الفئات العمرية الأصغر سناً، غياب لا يشجع على التفاؤل وانتظار موقف من الأعلى للإعلام يستهدف بالفعل وضع حد للمحتوى المرئي المنافي للفطرة والمروّج لمخاطر نفسية وصحية واجتماعية لا حد لها ولا مسترد.
تراودني أفكار تشكّلت من سياسات السلطة نفسها وسعيها المستمر للحصول على أموال من أي طريق كان وتحت أي بند، معمولاً به أو استحدثته من العدم، وتقوم بتحصيله بقسوة ودون النظر إلى الظروف المعيشية الصعبة. هذه الأفكار مفادها أن الهدف الظاهر في البيان من الحفاظ على قيم وأخلاق المجتمع ليس إلا زينة لجذب المناصرين. أما الهدف الخفي فيكمن في استحداث بند يُدر دخلاً جديداً للسلطة، ذلك الدافع والمُحرك لاستحداث الضوابط التي ستنتج عنها رخصة للمنصات وضرائب ومقابل خدمات، تحصّلها حكومة لا تسمع الأنين والآهات ولا تتوقف عن قول "هات هات".
أما بخصوص القضية الأساسية التي تكمن في المنتجات المرئية التي تحتوي على مشاهد جنسية لمثليين بشكل متصاعد سواء على منصة نتفلكس أو منصة ديزني للأطفال -محل حديثي- اللتين أخذتا موقعين مختلفين في مخطط تحقيق النظرية الغربية الحديثة المروّجة للتشوّه والساعية لفرض أفكار شاذة على مجتمعات بأكملها في مشهد تحول فيه حرية الإبداع إلى انتهاكات وجرائم لا يجب أن تُمرر أو أن يتم التطبيع معها.
فمنصة نتفلكس توجه أعمالها بما تحمله من رسائل ترويجية للمثلية الجنسية للكبار فيما تنشغل منصة ديزني بالترويج للمثلية في مجتمع الأطفال، فبعد التلميح في مشاهد وعلى استحياء تطور الأمر إلى مشاهد واضحة لسلوكيات المثليين وتجسيد أجزاء من علاقاتهم!
حملة لا أعلم من خلفها ولماذا الإصرار على فرض هذه السلوكيات والترويج لها بين البشر بالإكراه واستهداف الأطفال، بدأت تظهر هذه الاجندة من خلال مشاهد في فيلم الأطفال "الجميلة والوحش" بثته منصة ديزني عام ٢٠١٧ لتتسارع وتيرة تلك المشاهد حتى أعلنت المنصة تخصيص نسبة ٥٠٪ من كل عمل للمثليين!
سياسات تجاوزت حدود حرية الإبداع وشوّهت الفن بحيث أصبحت المنصة منبر يرعى تهديد المجتمعات وإلحاق الأذى بملايين الأطفال وهدفها في ذلك أن تنتكس فطرة أكبر قدر منهم وليس دفاعاً عن أقليات كما يدعون.
وفي سبيل مواجهة هذه الأعمال الغير فنية على الإطلاق انقسمت الآراء إلى:
الرأي الأول الذي يرى بضرورة عدم استهداف مثل هذه المنصات بحجبها ومنع الوصول إليها وأن تقتصر سبل المواجهة على توعية الأطفال، لأن اجراءات منع الوصول إليها تخلق دوافع لدى الأطفال لتخطي هذا المنع من منطلق أن الممنوع مرغوب ويساعد في ذلك وجود برامج تمكنهم بالفعل من تخطي هذه العقبات.
أما الرأي الثاني الذي أرى فيه الرجاحة فيتبنى فكرة المواجهة الشاملة لمثل هذه الأعمال من خلال الأسرة بالتربية والتوعية والمدرسة بالتأكيد على القيم والأخلاق والدولة بتوفير البيئة والمناخ اللازم لتطبيق ما يتعلمه الطفل من قيم وأخلاق في أسرته ومدرسته، وبالتوازي مواجهة تلك المنصات على كافة الأصعدة بمنع الوصول إليها وملاحقتها قضائياً داخلياً وخارجياً.
مخاطر المثلية تستوجب بالفعل المواجهة الشاملة لما فيها من آثار مدمرة على كافة الأصعدة وليس ببعيد عنا الأمراض التي تنتشر بين المثليين من الرجال؛ مثل جدري القرود والمكورات السحائية المميتة، وسبق أن أعلنت منظمة الصحة العالمية ذلك، كما أعلنت المملكة المتحدة رصد ٧٩٤ حالة إصابة بجدري القرود خلال شهر مايو ٢٠٢٢، بين الذكور المثليين، كما ظهر في ولاية فلوريدا الأمريكية ٢٤ حالة إصابة بالمحورات السحائية و٦ وفيات بسبب ممارسة ذكور الجنس مع ذكور، ناهيك عن المخاطر النفسية والاجتماعية.
اقتصار المواجهة على التوعية فقط يفتح الباب أمام التطبيع مع الظاهرة ويفتح الباب أمام زيادة نسب المثليين بين الأطفال كما حدث في أمريكا وكندا؛ حيث شهدت الظاهرة ارتفاعاً كبيراً وملحوظاً بعد التطبيع معها، مواجهة عرجاء لا تتماشى وخطورة الظاهرة وتجعل من الأطفال لقمة سائغة أمام المروجين للظاهرة ونسلبهم حقهم كأطفال في الحماية اللازمة، فمن غير المنطقي أن يراهن أحد على وعي طفل لا يحاسبه القانون ولا الشرع على تصرفاته كونه غير مدرك الإدراك الكامل لما ينفعه وما يضره وبطبيعة المرحلة السنية التي يسيطر عليها الشغف وحب التجربة والتعلق بالأبطال الكرتونيين وتقليدهم! نعم التوعية جانب أساسي ولكن ثماره الإيجابية لا تتحقق إلا بالمتابعة والمراقبة وتحديد الإطارات لا أن يتركوا وحدهم في مواجهة ليسوا على قدر مواجهتها على الإطلاق. يجب أن يشعر الطفل بأن أمراً ما لا يجب مشاهدته وأن الجميع يعينه على ذلك، كما لا يجب أن يكون الوصول إلى مثل هذه الأعمال بهذا القدر من السهولة، تسجيل الدخول إلى المنصة وأمامه أعمال هابطة، فهذا الوصول السهل يساعد على المشاهدة، أما الحجب مع التوعية والتأسيس السليم والرعاية والتوجيه ستمثل سلسلة عقبات تُحصن الطفل وتقلل على الأقل من نسب المشاهدة وتغلق الباب أمام انتشار مثل هذا الدمار.
أتمنى أن يكون الأعلى للإعلام صادقاً في هدفه المعلن بحماية قيم وأخلاق المجتمع وأن يعمل على حماية الأطفال من هذه الحملات المشينة والتي تمثل جريمة حقيقية وانتهاكاً لحقوق الأطفال وطفولتهم وتدنيس البراءة فيهم.
وأخيراً أود أن أقول، لمن لديهم قلوب وعقول، إن شمس الحقوق لا يجب أن يحكم عليها بالأفول، بأن يفعل فلان ما يشاء كيفما يشاء وقتما يشاء ولا حق لغيره مهما كثُر من معه أن يستاء أو يقول!
هناك فرق بين الدفاع عن أقليات وبين الترويج لهم وفرض سلوكياتهم على مجتمعات بأكملها وأطفالها، فإذا كان حراً في أن يأتي بما يشاء فعليه أن يحترم حدود هذه الحرية وإطار تمتعه بها، وعلى نفس القدر يجب أن نحترم قيم المجتمعات وأخلاقها وما تجتمع عليه المجتمعات من قواعد سواء من منطلق ديني أو اجتماعي أو ثقافي أو فكري.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.