وفاة الملكة إليزابيث.. هل تتحقق نبوءة رئيسة وزراء بريطانيا ويسقط عرش انجلترا؟

عدد القراءات
1,396
تم النشر: 2022/09/09 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/09 الساعة 10:36 بتوقيت غرينتش

قبل 48 ساعة، وقفت  ليز تراس بين يدي ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، للحصول على شرعيتها كرئيسية لوزراء بريطانيا رقم 16 وثالث سيدة تتولي هذا المنصب في عهد الملكة، وهو لقاء لم يجُل بخاطر ليز في يوم من الأيام، وهي من تطالب بسقوط  الإرث الملكي الذي امتد لأكثر من ألف عام.

ففي عام 1994 وقفت في مؤتمر حزب الديمقراطيين الأحرار تطالب بإلغاء الملكية  قائلة: "نحن الديمقراطيين الأحرار نؤمن بتساوي الفرص للجميع. لا نؤمن بأن هناك أشخاصاً ولدوا ليحكموا".

ورغم ذلك وقفت الملكة مبتسمة خلال استقبالها رئيسة الوزراء الجديدة، مباركة تعيينها وتكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لبوريس جونسون، وما هي إلا 48 ساعة حتى "سقط جسر لندن" ونعت ليز الملكة إليزابيث بعد 70 عاماً من الحكم قائلة: "كانت الصخرة التي بُنيت عليها بريطانيا المعاصرة".

هذا المشهد الذي يتزامن مع ارتفاع العديد من الأصوات التي تطالب بالانفصال عن المملكة التي كانت  لا تغيب عنها الشمس، وفي مقدمتهم دعوات  الحزب الوطني الاسكتلندي، والذي تبنى حملة واسعة لرفض البريكست وصوّت ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ويتوقع الكثير من الخبراء استمرار الحزب في النضال من أجل الحصول على الانفصال، ومن ثم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مرة أخرى. 

وقد يشجع على ذلك توجه الملك الجديد تشارلز الثالث الذي  أعلن  مراراً أن لكل شعب الحق في اختيار مصيره؛  وأنه لا يمانع  في انفصال أي من الدول التابعة للتاج البريطاني، شريطة أن يتم ذلك  بشكل يليق وبهدوء وأنه لا يرغب في حدوث صراعات.

فهل سيتحقق مطلب ليز بسقوط الملكية في بريطانيا، خاصة في ظل الظروف والاضطرابات التي هزت العرش داخلياً خلال السنوات الأخيرة ومنها اتهام ابن الملكة (الأمير أندرو) في إحدى قضايا الاتجار بالبشر، وتمرد الابن الأصغر للملك الجديد "الأمير هاري" ورفضه للهيمنة الملكية عليه وعلى أسرته!

وقد يدعم ذلك وصف الخبراء للملك الجديد بـ"الجسر"، وهذا وصف يعكس الدور الفعلي للملك تشارلز الذي انتظر طويلاً لتولي هذا المنصب، لكنه الآن يعمل على تمهيد الطريق لولي العهد وابنه الأكبر الأمير ويليام، حيث أشارت مصادر مقربة من القصر الملكي إلى أن الملك تشارلز يرغب في تقليص أدوار العائلة الملكة والتركيز على دور ويليام في الفترة المقبلة.

كما أن الملك تشارلز لا يتمتع بالشعبية الجارفة التي كانت تتمتع بها الملكة والتي كانت تعد حصن أمان للعائلة الملكية، وقد لعبت الملكة إليزابيث على هذا الوتر لفترة طويلة، وربما منذ قدومها إلى سدة الحكم في وقت عصيب كانت تمر به بريطانيا وحاولت كسر البروتوكول الملكي أكثر من مرة مقابل الوصول إلى الشعب ليس البريطاني فقط ولكن شعوب دول الكومنولث.

صلاحيات الملك الجديد

الملكة إليزابيث
الملك تشارليز

ويصبح تشارلز الملك الدستوري لـ16 دولة من مجموع 53 من دول الكومنولث التي يرأسها، فهو ملك المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، وهو رئيس الكومنولث وملك 12 دولة أصبحت مستقلة منذ انضمامها، وهي: جامايكا، وباربادوس، وباهاماس، وغرينادا، وبابوا غينيا الجديدة، وجزر سليمان، وتوفالو، وسانت لوسيا، وسانت فينسنت والغرينادين، وبليز، وأنتيغوا وباربودا، وسانت كيتس ونيفيس.

ورغم أن الصلاحيات السياسية التي يتمتع بها ملك بريطانيا رمزية بشكل كبير، فإنه يستخدم بعضها فعلياً كما في حال إجراء الانتخابات العامة، أو في الأزمات، كما يستخدم وزراء الحكومة هذه الصلاحيات نيابة عنه عند الحاجة لتسهيل الأمور.

ومن ضمن هذه الصلاحيات حل البرلمان واستدعاؤه للانعقاد، ويحدث هذا عادة عند انتهاء الدورات البرلمانية، كما يستدعي الملك البرلمان للانعقاد عند حضوره جلسته الافتتاحية، أيضاً للملك صلاحية التصديق على مشروعات القوانين التي يصدرها البرلمان والتوقيع عليها لكي تكتسب صفة النفاذ، كما للملك حق رفض المصادقة على القوانين، وتعيين وإقالة الوزراء، وإعلان الحرب، والعفو الملكي.

الملكة التي تحولت إلى "براند تجاري"!

ورغم تعرض عرش الملكة إليزابيث للتهديد خلال أوقات متفاوتة من حكمها ومنها الحرب العالمية الثانية وما تبعها من خلافات وصراعات بين الدول الأوربية، وفقد المملكة للكثير من مستعمراتها ومصادرها في نهايات النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن الملكة  لعبت دوراً في تقليص العداء مع دول الجوار وكذلك تقليص النفوذ البريطاني عالمياً مقابل الحفاظ على الهيبة الملكية.

كما عملت على ترميم علاقات المملكة بدول العالم، فقامت بأكثر من 100 زيارة خارجية وإعادة العلاقات مع ألمانيا غريم الأمس وصديق اليوم.. وظلت على رأس دول الكومنولث (وهو دور شرفي ساعدها كثيراً  في تلميع دور الأسرة الملكية).

 كما نجحت في ربط الشعب البريطاني بالأسرة الحاكمة وأصبحت الملكة رمزاً في كل أرجاء المملكة، رغم عدم تدخلها في السياسية.

فدائماً ما كانت تردد  تلك الجملة في خطاباتها "عندما كان عمري 21 عاماً، تعهدت بحياتي لخدمة شعبنا وطلبت مساعدة الله للوفاء بهذا التعهد. على الرغم من أن هذا العهد قد تم قطعه في أيام سلطتي، إلا أنني لست نادمة، أو أتراجع ، عن كلمة واحدة منه"، وفي آخر خطاب لها للاحتفال بـ70 عاماً على الحكم ظللت خطابها بكلمة خادمتكم خلال مخاطبتها للشعب.

إليزابيث رسمت ملامح جديدة لملكة بريطانيا، حيث كانت تتمتع بروح الفكاهة والثقافة رغم عدم استكمال تعلمها وألوانها الزاهية..كما عملت على إسقاط العديد من المقدسات والطقوس الملكية، وأولى خطوات ذلك كان رغبتها في تحية الشعب عن قريب.. ورغم ذلك عُرفت بعدم ارتياحها لتصرفات الأميرة ديانا التي كانت تهرب من قيود القصر الملكي.

وتحولت إليزابيث لرمز لبريطانيا فصورتها تتصدر الميادين والعملات المالية وحتى الهدايا التذكارية، كما أصبحت قصة حياتها ومغامرات أولادها مادة ثرية لوسائل الإعلام التي تسببت فيما بعد في مقتل الأميرة ديانا.

كانت أحلام إليزابيث وهي ابنة الـ16 عاماً أن تعيش في مرزعة لترعى الكلاب والخيول، ورغم وصولها لعرش بريطانيا العظمى إلا أن كلابها أصبحت أشهر كلاب في العالم، وصورها المميزة وهي تركب الخيل جعلت منها امرأة قريبة من قلوب الشعب.

سيكتب التاريخ أن إليزابيث ذات الملامح الناعمة نجحت في لملمة بقايا بريطانيا العظمى على مدار 70 عاماً، وكان حرصها هو الحفاظ على النظام الملكي مقابل التراجع النسبي للنفوذ البريطاني، إلا أن المخاوف تتنامى مع وصول ابنها تشارلز للحكم!

لأن هذا النوع من الإرث لن يمتد للملك الابن الذي لا يتمتع بشعبية أمه ولا كاريزما زوجته السابقة الأميرة ديانا، بل على العكس ارتبط اسمه في أذهان الشعب البريطاني والعالم بأنه مصدر حزن ملكة القلوب الأميرة ديانا؛ وهذا ما سبب انتقاداً واسعاً للعائلة الملكية عقب مقتل ديانا، وظل الأمير تشارلز بعيداً عن قلوب الشعب البريطاني، على عكس ولديه ويليام وهاري اللذين ورثا شعبية والدتهما.

وهذا ما قد يدفع تشارلز لتقليص دور العائلة، في محاولة جديدة للعمل على مد عمرها وبقائها فترة أطول حتى يصل الحكم إلى ابنه، وهناك من يتوقع أن يتنازل تشارلز عن الحكم لابنه بعد سنوات قليلة لإدراكه كل ما سبق ذكره.. إلا أنه قد يتوسع في النشاط الاجتماعي والتعاون مع دول الكومنولث، كما أنه لعب خلال السنوات الماضية على رسم صورة جيدة في التواصل مع العالم الإسلامي والتخفيف من حدة الإسلاموفوبيا، بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول وما تلاها، كما أنه انتقد بشدة خطة الحكومة الأخيرة بترحيل اللاجئين ووصفها بأنها ضد حقوق الإنسان.

 وحلل البعض تحركات تشارلز خلال السنوات الخمس الأخيرة بأنها محاولة لاكتساب الثقة الشعبية مرة أخرى، حيث كثف من نشاطه الاجتماعي حتى بات يدعم أكثر من 166 جمعية خيرية في نشاطات مختلفة، كما قام بالعديد من الجولات الخارجية لدول العالم الإسلامي والعربي ودول الكومنولث التي تولى قيادتها قبل عامين نظراً لتراجع الوضع الصحي للملكة.

لكن هل سيعمل تشارلز على إنقاذ العرش الملكي أم أنه سيكون البداية لتفكك ما تبقى من إرث المملكة؟ هذا ما سيكشف عنه خطابه وخطته القادمة!.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إيمان عبدالمنعم
صحفية مصرية
تحميل المزيد