أُم سيئة شتمها أهالي بورسعيد على جدران بيوتهم.. لماذا لم أحزن لوفاة الملكة إليزابيث؟

عدد القراءات
4,425
عربي بوست
تم النشر: 2022/09/09 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/09 الساعة 11:30 بتوقيت غرينتش
الملكة إليزابيث الراحلة والرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر / عربي بوست

حالة من الحُزن اعترت الجميع فور الإعلان عن وفاة الملكة إليزابيث الثانية. قد تبدو تلك الخطوة مفهومة في إنجلترا أو في كندا أو حتى في الولايات المتحدة أو في أية دولة تأثرت إيجاباً بالتاج البريطاني، لكنّي أراها غريبة وغير مفهومة أبداً في بلادنا العربية.

فلماذا نحزن على إليزابيث؟!

الملكة اليزابيث
الملكة اليزابيث الثانية|shutterstock

ببساطة لأن ماكينة الدعاية الغربية حوّلتها إلى أيقونة سلام واستقرار ومحبّة، ونجحت في غسل أدمغتنا عن أية شائبة ارتكبتها أو تغاضت عنها.

ولكن، هل هذه حقيقة الأمر بالفعل؟ هل السيرة الذاتية للملكة إليزابيث بهذا النقاء؟

في هذا المقال سأحاول الإجابة على هذا السؤال. 

وهنا سيتعيّن عليّ تأكيد التزامي التام بالقاعدة الأخلاقية العربية "لا شماتة في الموت". لستُ فرحاً بوفاة الملكة إليزابيث، ولا أشعر بالسرور لرحيلها، بل أتمنّى لها الرحمة عن بعض خطاياها التي أثّرت في حياة الملايين حول العالم، أبرزهم في منطقتنا العربية.

وإنما أفعل مثلما فعل بعض السياسيين في جنوب إفريقيا، الذين أصدروا بياناً أكدوا فيه أنهم لن يحزنوا على الملكة؛ لأن موتها "هو تذكير بفترة مأساوية للغاية في بلدنا، وتاريخ إفريقيا"، وبحسب البيان "لم تعترف الملكة ولو مرة واحدة بالفظائع التي ارتكبتها عائلتها ضد السكان الأصليين للدول التي غزتها بريطانيا".

أم سيئة

الملكة إليزابيث
الملك تشارلز والملكة إليزابيث

بعد فترة قصيرة من ولادة ابنتها الأميرة "آن"، وبينما كان ابنها الأمير تشارلز في عُمر 3 أعوام، تركتهما أمهما مع الخدم، وسافرت مع زوجها في جولة داخل دول الكومنولث لمدة 6 أشهر.

لاحقاً أصبح هذا المشهد معتاداً على الأسرة الملكية التي عادةً ما يغيب عنها قائدها المثقل بالأعباء.

في كتابه "أمير ويلز.. سيرة ذاتية"، قدّم الأمير تشارلز انتقادات جمّة لأمّه بسبب ابتعادها عنه طوال فترة تربيته وانشغالها عنه بسبب شؤون الحُكم، تاركةً مهام تربيته للخدم والمربيات.

أيضاً، وصف تشارلز بمرارة أن والديه غابا عن أهم لحظات حياته، والتي حضرها الخدم بدلاً منه، فهُم من علّموه العزف وخطواته الأولى، وتابعوا دروسه وأخذوه إلى الأطباء.

في 2002، صرّحت إحدى سكرتيرات القصر لصحيفة "تيليجراف"، بأن الملكة لو كانت تعتني بأبنائها كما تفعل مع خيولها لما مرت عائلتها بالفوضى التي تعيشها حالياً.

في سنواتها الأخيرة، تداركت الملكة هذا الأمر، ونجحت في تحسين علاقتها بابنها، الذي سيرث عرشها عقب وفاتها.

لم تتمكن الملكة بالقيام بالأمر ذاته مع ابنه الأمير أندرو، الذي جُرِّد من لقبه الملكي بعد اتهامه في قضايا اعتداء جنسي.

دونية المرأة

الملكة إليزابيث
الملكة إليزابيث

خلال إعداد المؤرخ دين بالمر لكتابه "الملكة والسيدة ثاتشر.. علاقة مزعجة" أجرى لقاءً مع رونالد أيسون السكرتير الصحفي السابق للملكة، أخطره فيه أن الملكة كانت على قناعة بأن النساء لا يصلحن للحُكم، وأنها تعتبر "دونية المرأة" هي الرتيب الطبيعي للكون، ولم تعتقد أن هناك استثناءً لتلك القاعدة إلا هي! بسبب قناعتها الإيمانية بأن الله هو الذي عيّنها في منصبها، وبالتالي فإنه جعلها مؤهلة له بشكل استثنائي.

لذا لم تبذل الملكة جهوداً كافية لتحسين وضعية النساء في البلاط الملكي، بسبب اعتقادها التام أن كثرة النساء ستضرها ولن تفيدها، لأنهن لسن أهلاً للمشورة!

تفسّر تلك القناعة المتأخرة العلاقة المضطربة التي جمعها برئيسة وزرائها الشهيرة مارجرت تاتشر، أبرز سياسية تعاملت معها الملكة طيلة فترة بقائها على العرش.

ما فضحته ميجان ماركل وديانا

الملكة إليزابيث
ميجان ماركل وديانا

ساهم دخول الممثلة الأمريكية ميجان ماركل إلى القصر البريطاني في تسليط المزيد من الضوء على العنصرية الفجّة التي تسود ردهات القصر، بدأ الأمر قبل وصول ميجان إلى لندن بعدما مُنعت من إحضار كلابها معها لأنها "ليست من سلالة راقية"، وبالتالي لن يُسمح لها بالحضور والاختلاط بكلاب الملكة ذوات السلالات النقية.

لاحقًا، خلال مقابلتها الشهيرة مع المذيعة الأمريكية أوبرا وينفري، تحدّثت ميجان أن العائلة المالكة كانت مهتمة بألا يحظى حفيدها ببشرة داكنة، وهي نقطة أثارت اهتمامهم طيلة فترة حمل ميجان في ابنها "أرشي". وبحسب ماركل فإن ذلك الضغط العنصري الذي تعرضت له خلال حملها دفعها للتفكير في الانتحار.

وهو ما تُرجم في سلوكيات عنصرية فجّة حكمت القصر وتمثّلت في عدم تعيين مهاجرين أو "ملونين" بالعمل داخل القصر كخادم أو في أية وظيفة مكتبية.

ما جرى مع ميجان يعيد إلى الأذهان ما جرى مع الأميرة ديانا، التي كشفت عقب طلاقها من الأمير تشارلز أن الحياة داخل "قصر إليزابيث" كانت بمثابة الجحيم لها، معتبرة أن الحديث مع طاقم المطبخ أكثر راحة وشرفًا من التواصل مع أفراد الأسرة المالكة.

كما ألمحت إلى حجم الفساد الذي يعيشه القصر الملكي بعدما صرّحت بأنها "ترفض أن تكون الأميرة الوحيدة التي لا تحظى بعشيقة"!

وفي الواقع، فإن ذلك الفرع من العائلة الملكية باتت تُحيط به الشكوك، ففي عام 2012 اكتُشف رفات الملك ريتشارد الثالث الذي حكم المملكة البريطانية خلال القرون الوُسطى، وبعد إظهار عدة تحليلات حمض نووي لم يجد العلماء أية رابطة بينه وبين أفراد العائلة المالكة المنحدرين من صُلبه، وهو ما فسّروه بأنه في مرحلة ما من تاريخ بريطانيا اعتلى العرش وريث غير شرعي لم يكتشفه أحد، واستمرّت ذريته في الحُكم حتى اليوم.

وعقب وفاة ديانا اتخذت الملكة موقفاً صادماً بعدما رفضت إصدار بيانٍ للعزاء، وهو ما دفع صحيفة ديلي ميل للتساؤل: "هل لبيت وندسور (العائلة الملكية) قلب؟"، في النهاية استسلمت الملكة للضغوط، وأعربت عن تعازيها في وفاة ديانا.

شتائم أهل بورسعيد

خلال قيادة الملكة أقدمت بريطانيا على غزو مصر بسبب تأميم قناة السويس، وهو القرار الذي تبيّنت كارثيته لاحقاً، وخرجت منه المملكة بهزيمة سياسية فادحة، واستقال رئيس الوزراء أنتوني إيدن.

الملكة كانت حاضرة بشدة خلال الحرب، بعدما كتب أهالي مدينة بورسعيد شتائم بحقها على جدران بيوتهم استفزازاً للجنود الإنجليز، ولاحقًا تطرّق الرئيس المصري جمال عبد الناصر لتلك الواقعة في أحد خطاباته.

الإرث الاستعماري للملكة ظلَّ يلاحقها من حينها وحتى سنواتٍ قريبة، فخلال زيارة قامت بها إلى ألمانيا عام 2004م، توقّعت منها الصحافة الألمانية اعتذاراً عن إفراط سلاح الجو البريطاني في قصف المدنيين الألمان في مدينة دريسدن، وهو ما أثار انتقادات جمّة لكون أغلب القنابل استهدفت المصانع والسكك الحديدية. لم تفعل الملكة واكتفت بدلاً من ذلك بالإشارة إلى "المعاناة المروعة للحرب على الجانبين".

وبشكلٍ عام، فإن الملكة التزمت بموقفٍ دبلوماسي واحد لم تحد عنه، ولم تتبرّأ يوماً من خطايا أجدادها الملوك في ممارساتهم الاستعمارية أو في تجارتهم بالبشر عبر بناء شبكات تجارية لتداول الرقيق حول العالم.

ملكة الصُدفة

المفارقة، أن الملكة إليزابيث لم يكن مقدراً لها أن تُصبح ملكة بالأساس، وإنما كان السيناريو الأكثر منطقية أن تعيش كأميرة بريطانية على الهامش لولا القرار المفاجئ لعمها الملك إدوارد الثامن بالتخلي عن العرش ليتزوج من الأمريكية واليس سمبسون. هنا تحوّلت دفّة العرش إلى أخيه -والد إليزابيث- الملك جورج السادس، ومنه سترث إليزابيث تاجها البريطاني بعد وفاته المبكرة بسبب معاناته من متاعب في الرئة.

لو لم يُذهب الحب عقل عمّها لاستمر إدوارد ملكاً، ومن بعده كان سيرثه أبناؤه، فيما ستظلُّ إليزابيث خارج دائرة الضوء، وربما لم نكن لنسمع عنها أبداً.

حقاً صدقوا حين قالوا: "ومن الحُب ما قتل".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد متاريك
باحث في التاريخ وعلوم اللغة
باحث في التاريخ وعلوم اللغة، صحفي مصري، عمل محرراً في عدد من دور النشر.
تحميل المزيد