"ماذا علينا أن نفعل، نجلس ونبكي؟ هل تظن أنني ووالدك شعرنا بالأسى لأن صدام أخذ كل ما لدينا؟ أتظن أن جدتك بكت وماتت لأن الصهاينة استولوا على أرضها؟ إننا نواصل، هذا ما نفعله نحن الفلسطينيين، نواصل مسيرنا، وهذا الزيت ليس مجرد عمل، إنه هُويتنا".. بهذه الكلمات ردَّت يسرا النجار على ابنها "مو"، حين سألها: كيف ستبدأ مشروعاً جديداً وقضية لجوئهم قد فشلت تماماً بعد 22 سنة من المحاولة في الولايات المتحدة؟ كيف بدأت قصة عائلة "مو"، وكيف انتهت؟ هذا ما سنعرفه من خلال المقال الذي يحكي لنا عن مسلسل "Mo".
قصة المسلسل تدور حول العائلة الفلسطينية التي جاءت إلى الولايات المتحدة هرباً من حرب الخليج
في رحلة امتدت على مدار ثماني حلقات يحكي لنا مسلسل "Mo" قصة العائلة الفلسطينية التي جاءت إلى الولايات المتحدة، وتحديداً مدينة هيوستن، في ولاية تكساس، قبل أكثر من عشرين عاماً، وطوال هذه المدة لم تتمكن هذه العائلة من الحصول على الأوراق الرسمية بصفتهم لاجئين، وبسبب هذا التأخير في الحصول على الأوراق تعيش العائلة في واقع مأساوي وغير إنساني.
تبدأ أحداث المسلسل حين يتجه محمد مصطفى النجار، الشهير بـ"مو"، إلى عمله بأحد مراكز صيانة الأجهزة المحمولة، ولكن رب العمل يفاجئه بأنه يجب أن يترك العمل فوراً؛ لأن إدارة الهجرة والجمارك داهمت المتجر، وفرضت عليه غرامة كبرى، بسبب أن "مو" لا يحمل تصريحاً أو أوراقاً رسمية، وإذا استمر في العمل فإن إدارة الهجرة ستُغلق المتجر للأبد.
ولأن "مو" هو العائل الرئيسي لأسرته الصغيرة، المكونة من والدته يسرا النجار، وأخيه سمير النجار، الذي يعاني من طيف التوحد، فإن "مو" يكافح من أجل البحث عن عمل آخر بشكل سريع، دون أن يخبر عائلته بطرده من المتجر، يعمل "مو" في نادٍ للتعري، ثم يُطرد منه هو الآخر، وبعده يتجه إلى بيع الساعات المزيفة في صندوق سيارته، وأثناء عودته في أحد الأيام إلى المنزل يتجه إلى السوبر ماركت حتى يحضر الطعام لقطّ أخيه، ولكنه يتعرض لطلق ناري، فيرفض الذهاب إلى المستشفى لأنه لا يملك تأميناً صحياً.
يذهب "مو" إلى تلقي العلاج عند أحد المهاجرين غير الشرعيين، وبسبب إحساسه الكبير بالألم يعطيه المعالج دواء الكودايين، ولكن "مو" يدمن ذلك الدواء الذي يساعده في تخفيف الآلام التي يشعر بها، المسلسل من كتابة محمد عامر بالاشتراك مع رامي يوسف، ويعد مسلسل "مو" هو العمل الثالث لمو عامر على شبكة نتفليكس، وذلك بعد "Mo Amer: Vagabond" و"Mohammed in Texas".
استخدام الكوميديا في أشد اللحظات عبثاً ومأساوية
رغم أن المسلسل يحكي قصة عائلة "مو"، التي تركت الخليج على إثر الحرب وجاءت إلى الولايات المتحدة، وبينما يستخدم المسلسل طريقة الفلاش باك في بداية كل حلقة، ليخبرنا القليل عن ماضي تلك العائلة، والأحداث الكبيرة التي مرت بها، والصعاب التي واجهتها، إلا أن المسلسل يرتكز بالأساس على الكوميديا، فمو رغم ما يمر به يطلق النكات طوال الوقت، ويُضحك المحيطين به ويُضحكنا معه، وربما كان ذلك الأمر مقصوداً من جهة العمل، لسببين: أولهما أن محمد عامر كان يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الطرح السياسي للقضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه كان يود تناول القضية من منظور إنساني؛ ليوضح للمشاهدين دون خطابات مباشرة وفجة كيف يعيش الفلسطيني من غير دولة، وقد نجح محمد عامر إلى حد كبير في هذا الأمر، ربما لأن قصته الشخصية تتشابه إلى حد كبير مع قصة البطل، فمحمد عامر أيضاً فلسطيني وُلد في الكويت، وانتظر أكثر من عشرين عاماً حتى يحصل على الجنسية الأمريكية.
السبب الثاني هو أن الكوميديا قد تكون أحياناً هي الطريقة المثلى للتعبير عن الضغط الشديد والمواقف الصعبة التي نمر بها؛ في حالة "مو" كان يحتاج إلى أن يكون صلباً داعماً لعائلته، سواء على الجانب الاقتصادي أو الدعم المعنوي، وفي كل المواقف الصعبة التي يمر بها لن يتمكن "مو" من مواصلة كفاحه من دون الكوميديا، وعلى جانب آخر كان "مو" محملاً بالكثير جداً من المشاعر والأحاسيس؛ إحساسه بالذنب تجاه والده الذي مات من التعذيب، والذي أوصاه قبل الموت بأن يكون رجلاً يعتني بأسرته، ومن الذنب تجاه والدته التي تطلب منه باستمرار أن يصلي ويتزوج من فتاة مسلمة، وبسبب هذه الحالة كان "مو" يحتاج إلى التخفف قليلاً، حتى لا ينسحق تحت وطأة الحزن وحتى لا يغرق في المشاعر السلبية.
"مو" وماريا المكسيكية.. صراع الهوية والدين
طوال سنتين ظل "مو" على علاقة بفتاة مكسيكية مسيحية تُدعى ماريا، وعلى غرار "مو" تكافح ماريا أيضاً في الولايات المتحدة حتى تنجح في عملها؛ فبعد أن فتحت ورشة لإصلاح السيارات تسعى جاهدة لتفتتح ورشة أخرى، الفرق بين "مو" وماريا أن الأخيرة تملك أورقاً رسمية، وتعمل بشكل قانوني، ولكن الصراع بين مو وماريا لم يكن يوماً بسبب العمل، ولكن بسبب الدين؛ فوالدة مو ترفض بشكل قاطع زواجه من ماريا لأنها مسيحية، ورغم أن ماريا تخبر "مو" بأنها لم تره أبداً يصلي طوال سنتين، فإنه يصر على موقفه، ويطلب منها اعتناق الإسلام حتى يتزوجا.
موقف "مو" من ماريا موقف ديني وثقافي، هو لا يريد التخلي عن الدين كجزء من ثقافته، وليس لكونه طقوساً يؤديها بشكل يومي، ولهذا فقد قاطع "مو" أخته نادية؛ لأنها تزوجت من أمريكي حتى تحصل على الجنسية، وهنا نرى التخبط يطغى على شخصية "مو"، فرغم أنه كان يعمل في نادٍ للتعري حتى يحصل على قوت يومه، فإنه ظلَّ متمسكاً بالإسلام كهوية ثقافية تعبر عنه.
زجاجة زيت الزيتون.. فلسطين التي يحملونها معهم دوماً إلى أي مكان
كانت زجاجة زيت الزيتون من تفاصيل المسلسل شديدة التميز، والتي حكت الكثير دون كلمات، أم "مو" تصر على صنع الزيت في بيتها حتى تقرر في آخر المطاف أن تحول الموضوع إلى مشروع ربحي، وحين يسألها "مو" بعد أن فشلوا بشكل ذريع في الحصول على الأوراق الرسمية، كيف ستبدأ مشروعاً وهم في هذه الحالة الصعبة، فتخبره بأن الزيت بالنسبة لها ليس مجرد مشروع، إنه هويتنا، على جانب آخر يحمل "مو" زجاجة صغيرة من زيت الزيتون، يذهب بها إلى كل مكان، إلى العمل والسوبر ماركت، يضع من زيت الزيتون في كل الأوقات، حين يشعر بالجوع، وحين يحس بالتعب، وحين يداهمه الخوف، يردد بعض الآيات القرآنية أو الأدعية، ثم يضع القليل من زيت الزيتون، تخبره أمه أن يستخدمه للصداع والأرق، وتطلب منه ألا يفارق زجاجته.
طوابير طويلة من الانتظار لعقود حول نظام الهجرة الأمريكي المعقد
منذ بداية أحداث الحلقة الأولى ونحن نعلم أن أحداث مسلسل "Mo" ارتكزت بالأساس على الحياة الصعبة التي يعيشها البطل، بسبب تعقيد نظام الهجرة الأمريكي، فطوال عشرين عاماً لم تنجح أسرة النجار في الحصول على حق اللجوء، وحتى حين وصلوا أخيراً إلى قاعة المحكمة لم ينجح الأمر؛ لأن القاضي كان يعرف مصطفى النجار بشكل شخصي.
نظام الهجرة الأمريكي المعقد يسمح لطالبي اللجوء بالمكوث على أرض الولايات المتحدة، كما يسمح لهم بدخول المدارس، ولكنه لا يسمح بالعمل، وحتى تصل إلى المحكمة وتقدم الطلب أمامك طابور طويل من المنتظرين، وقد يصل الأمر بالفعل إلى الانتظار لسنوات، وطوال تلك المدة أنت لا تملك جواز سفر، وبالتالي لا يحق لك الخروج من الولايات المتحدة، وللتحايل على هذا النظام الصعب يلجأ المهاجرون إلى حيلة معروفة، وهي الزواج من إحدى الأمريكيات وهذا ما فعله صديق "مو" حتى يحصل على الجنسية، أما الآخرون الذين لا يرغبون في الزواج من أمريكيات فعليهم الانتظار.
وقد تناول المسلسل قصة مجتمع المهاجرين في الولايات المتحدة، هؤلاء الذين تربطهم طلبات اللجوء المعلقة والعمل بشكل غير رسمي، والكثير من الثقافات المشتركة، ولأن هؤلاء يشعرون بالعزلة عن باقي المجتمع الأمريكي فإنهم يتعرفون على بعضهم البعض، ويكوّنون صداقات متينة، مو كان يتحدث ثلاث لغات: العربية والإنجليزية والإسبانية، وكان لديه صديق مقرب من مجتمع المهاجرين، بقي إلى جانبه في أصعب اللحظات.
في النهاية علينا أن نقول إن مسلسل "Mo" هو عمل كوميدي متكامل، يحكي قصة عائلة فلسطينية تحاول الحصول على حق اللجوء، ورغم أن العمل ركز على نظام الهجرة الأمريكي المعقد، فإنه نقل إلينا كيف يعيش الفلسطيني، كيف يخاف من دوريات الشرطة، كيف يعمل في الخفاء؛ لأنه لا يملك الحق في العمل في العلن، ومع ذلك فإنه يواصل المسير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.