الزواج ليس ثكنة عسكرية والزوجة ليست تابعاً أعمى لزوجها.. ما حدود طاعة الزوج؟

عدد القراءات
906
تم النشر: 2022/09/06 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/06 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش

كثر اليوم الكلام عن "وجوب طاعة الزوج " بدل الكلام عن طاعة الأبناء وعن العقوق! وزادت المواعظ والتخويف، فجاءتني أسئلة كثيرة من النساء تستفسر عن طبيعة تلك الطاعة؛ فكثير من الأزواج يستثمرونها للسيطرة ولمسح شخصية الزوجات، ويستفيدون منها لإشباع أنانيتهم، والاستئثار بكل خير.

والموضوع طويل، فسأتناول منه جانباً واحداً اليوم، وهو أنواع الطاعات وكيف يتم التعامل معها؛ فلقد جاءت كلمة "القوامة" في القرآن مرة واحدة ومعناها يختلف عن الطاعة، وجاءت "الطاعة" في نصوص متنوعة أكثرها ضعيف أو له خصوصية ومناسبة، أو لزمن وانتهى… فتحتاج تلك النصوص لدراسة وتفنيد ومراجعة للتأكد من صحتها، ومن مقصودها، ومن تاريخ نزولها… وإن انعدام ذلك، أدى لاختلاف الفقهاء وتباينت أقوالهم، وظهر التناقض في بعض فتاواهم، وضاعت الحقوق، وظهرت إشكاليات كبيرة.

فالفقهاء يقرون أن "الزوجة شخصية حقوقية كاملة، حرة ومستقلة، ولها حق التعلم والعمل والبيع والشراء…"، ويشيعون هذا في الخطب والمواعظ والكتب، ثم نجدهم على أرض الواقع ينسون كل هذا ويتجاهلونه، ويصرون على أن تكون الزوجة تابعاً أعمى وتنصاع لزوجها في كل أمر اختلفا عليه مهما كان نوعه:

1- فتمشي مع مزاجه وما يحبه وما يكرهه (دون النظر لذوقها هي ولطبيعة نشأتها وشخصيتها، وكونها أنثى وهو ذكر!).

2- تجبر على الانصياع لرؤيته للحياة ولتجاربه (وكيف ذلك وقد يخطئ)؟

3- وعند الخلاف يؤخذ برأيه في كل شأن (وتهمل التخصصات والقدرات).

وهكذا حولوا العلاقة الزوجية إلى حاكم ومحكوم، وجعلوا البيت سجناً وثكنة عسكرية… فكثر تذمر الزوجات والشكوى من المنع والحرمان من المباحات بلا سبب… فقررت البحث عن مفهوم "القوامة" و"الطاعة" وحدودهما وجذور القضية، فلم أجدها في موضع واحد فقد كانت متناثرة هنا وهناك بكتب الفقه والتفاسير، ثم جاء المعاصرون فجمعوها كلها معاً وجعلوها دستوراً يحكم الزوجة، دون النظر لكليات الدين، وقد وجدت اعترافاً من أحد الفقهاء بأنه لم يجد باباً للطاعة الزوجية، وبالفعل لا يوجد، مما يدل على أنها -وبهذا الشكل الصارم الذي يطرح- أمر دخيل.

ولذا وجدت صعوبة بالبحث عن "حدود طاعة الزوج"، فقد اختلطت النصوص مع الاجتهادات البشرية… ثم رأيتهم يُشبهون علاقة الزوج والزوجة بعلاقة الإمام بالمأموم، والحاكم بالرعية، فبدأت من هنا، حيث وجدت الفقهاء قد أوردوا مفهوم "الطاعة" في أربعة مواضع: (1) طاعة الله ولرسوله (2) لأولي الأمر و(3) للوالدين و(4) وللأزواج.

ولننظر بموضوعية لهذه الطاعات الأربع، ونرى كيف تعامل معها الله سبحانه وتعالى والرسول عليه السلام، وكيف تعامل معها الفقهاء من بعده:

1- طاعة الله ورسوله 

فنجد طاعة الله ورسوله وهي رأس الطاعات وأعظمها، وهي التي خلقنا لأجلها أصلاً، مقننة ومدروسة، فالمحرمات قليلة جداً، والأصل بالأمور الإباحة، فيعمل المسلم ما يشاء طالما أنه منضبط بالشرع والأخلاق والذوق. وبالتالي له مساحة حرية كبيرة.

– ورغم أن الفرائض محددة وقليلة، جعلها الله على التراخي فوقت كل صلاة طويل نسبياً.

– ورحم الله المريض والعاجز فحط عنه بعض الأركان.

– أمر الله الإنسان أن يحسب الحسابات، ويقنن حتى بالصدقة وهي من أرقى الأعمال ومن أكثرها أجراً.

– ويجوز للمسلم أن يروح عن نفسه حين يشعر بالملل.

– وقدر ضعف النفس البشرية، فقال: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

هذا شيء من الطريقة التي نطيع بها الله العلي العظيم، فكلها رحمة وواقعية وإنسانية، وفيها مرونة ومساحة حرية، فمن يريد التقرب إلى الله بالنوافل أجزل له العطاء، ومن اقتصر على الفروض تقبل منه وأدخله الجنة

ولكن طاعة الزوج عند المعاصرين خاصة من المؤثرين والمفتين أوجب من ذلك وأقوى، فعلى الزوجة ترك كل شيء من يدها فوراً إذا ناداها زوجها، ولا أهمية لوضعها وحالها، ولا مراعاة لظروفها ومشاعرها، ولا حتى لعبادتها، حتى إنه لم يأت ذكر الأطفال وكأن الزوج متملك لتلك المرأة ومتفرد بها، وكأنها آلة كلما ضغط الزوج زراً عليها العمل، ولا أحد يتفقد قدراتها ومستوى ذكائها، حامل أم حائل.
وعليها الاستجابة لكل الأوامر فلا توجد سنن ولا مستحبات ولا خيارات… كله إجباري.

– ولقد أمر الله بالتوسط في كل أمر، فلا يتشدد المسلم، وأنه لو رغب بالتطرف يتطرف على نفسه، ولكن المرأة يتم التشدد عليها، وكل زوج يعتبر أن من حقه التدخل دوماً وبكل شيء، كلون ملابسها وقصة شعرها.

– وإذا عمل المسلم كبيرة أمهله الله، ولكن الزوجة قد تصنف ناشزاً إذا لم يرض عنها زوجها، وقد تحرم من النفقة ومن بعض الحقوق.

2- طاعة الإمام

وكانت بالأصل مقيدة، وكانت الأمة تراقب الخليفة وتأخذ على يده لكي لا يضر بالمؤمنين، فقالوا: "ولي أمر المسلمين ليس مطلق الإرادة في أمر الأمة يفعل ما يحلو له، وينفذ ما تزينه له نفسه… بدعوى أنه الآمر المتصرف المطاع.

فقد بينا أن تصرفه إنما ينفذ شرعاً إذا كان محققاً للمصلحة ودارئاً للمفسدة، وملتزماً بأحكام الشرع وقيمه، فهو إنما يطاع في المعروف (ومثله الزوج يطاع في المعروف فقط)، وليس في كل المباحات، وما يذكرونه من سبل الطاعة ليس من المعروف في شيء".

وتجرأ الصحابة عليهم السلام وقالوا لأمير المؤمنين: "لو رأينا عليك اعواجاً لقومناه بسيوفنا".

فهي طاعة قابلة للأخذ والرد وليست مطلقة، في حين جعلوا طاعة الزوج إلزامية، وأوامره منزهة عن الخطأ.

كما أن طاعة الإمام تكون لكل الناس، والعذاب مع الجماعة رحمة، في حين طاعة الزوج منفردة، وتكون كل زوجة تحت مزاج زوجها فيقيدها بلا وجه حق أو يكون أميناً عليها، وبالتالي نجد فروقاً شاسعة بين الأختين، وبين بنات العم، وبين السلفات، مما يسبب مقارنات وحزازات وضغائن ومشكلات زوجية.

ثم وحين استبد الحكام، جاء من علماء السلطة من يسوغ ذلك لهم، ويستشهد بأحاديث ضعيفة. وهكذا حدث بطاعة الزوج، استبد بعضهم وجعل طاعة الزوج أوجب من طاعة الله، ولا ضير أن تقطع المرأة أهلها إرضاء لهوى زوجها.

3- طاعة الوالدين

قال ابن تيمية: "وجوب طاعتهما فيما فيه نفع لهما ولا ضرر عليه، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا"، واتفق الفقهاء أنه لا يلزم الزوج مفارقة زوجته لو أمره والداه بهذا. وضربوا مثلاً فقالوا كما لو قالا له: لا تأكل من هذا الطعام، لا تأكل لحماً، لا تأكل أرزاً، لا تأكل الشيء المعين، وهو مما يشتهيه، فلا يلزمه طاعتهما في ذلك؛ لأنه لا مصلحة لهما في ذلك، وفيه ضرر عليه لفوات محبوبه".

في حين جعلوا الزوجة رهن مزاج الزوج ورغباته هو، لدرجة أن منهم من أفتى أنه يجوز له منعها من أكل البصل والثوم إذا تأذى منه وفات الاستمتاع بها لأجل الرائحة (وقصروه عليه).

4- طاعة الزوج

كثيراً ما شبهوا الزوجين بالراعي والرعية، ولو كان كذلك حقاً فإن أول الخلفاء الراشدين قال: "أطيعوني ما عدلت فيكم، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم"، وأين الناس اليوم من هذا الكلام المنصف الجميل؛ ففي زماننا هذا أصبحت الطاعة مطلقة، وهذا ما يروج له كثير من المشايخ والخطباء والمؤثرين، وكتب المرأة تركز عليه أشد التركيز: "طاعة الزوج واجبة في حقها وأوجب من طاعة والدها".

ولم أجد في أحكام الزواج الفقهية أو الاجتماعية شروطاً مقننة لهذه الطاعة! سوى أمر واحد "تجنب المعصية"، ومعنى المعصية: "مخالفة أمر الله تعالى أو رسوله"، وبالطبع ليس من المعقول أن يأمر الزوج امرأته بأن تشرب الخمر مثلاً…

ولكن وبناء عليه يستطيع الزوج أن يطلب من زوجته كل شيء يريده، ويرهقها بلا حساب، ولا تكون معصية، ولنتصور أن زوجاً نهى زوجته عن شرب القهوة! فهذا أمر ليس في معصية، وأمرها أن تنام على الأرض! وهذا أمر ليس في معصية، ثم نهاها عن لبس اللون الأحمر وهذا الأمر منه ليس في معصية!

وممكن أن يأمرها بأن تعد دعوة لخمسين رجلاً وهي حامل، وهذه ليست معصية، وأن تكنس البيت كل يوم ولو كان نظيفاً وهذه ليست معصية، وأن تخدم والديه وتمرضهما، وهذه ليست معصية، بل قد تبدو عملاً إنسانياً… ولكن أين  هي من كل هذا؟! وهل تمتلك القدرة والوقت والصحة والمزاج؟!

وصدق من قال إن الطاعة إذا تدخلت في المباحات، وقيدت وتشرطت… خرجت إلى العبث، ومنه إلى السفه، وتحولت إلى استعباد وظلم، ولذلك قال الله تعالى: "ولا تطيعوا أمر المسرفين"، إذن هذا هو التوفيق بين هذه الأحاديث كل حديث يوضع في موضعه وينزل على حالته…. وقال الجصاص: ولا يجوز أن يكون الظالم نبياً ولا خليفة ولا قاضياً، ومن نصب نفسه وهو فاسق لم يلزم الناس اتباعه وطاعته.

إذن لكل نفس خلقها الله شخصية مستقلة ومساحة من الحريةـ وحقوق أقرها الله لها، فلا يجوز سلبها تحت أي مسمى، والحياة الزوجية مودة ورحمة وليست رئيساً ومرؤوساً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد