كتاب “من قام بطهي عشاء آدم سميث”: لماذا الأعمال المنزلية التي تقوم بها النساء غير مدفوعة الأجر؟!

عدد القراءات
1,069
عربي بوست
تم النشر: 2022/09/06 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/06 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش

خلال الأيام القليلة الماضية تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات الدكتورة هبة قطب، استشاري العلاقات الزوجية، والتي قالت في حوارها مع عمرو أديب عبر برنامج الحكاية "لا يوجد سند شرعي أو قانوني يجبر المرأة على الالتزام بالطهي لزوجها دون مشاركة أو تبادل للأدوار". وفي سياق متصل ذكرت المحامية نهاد أبو القماص أن الزوجة غير ملزمة بالرضاعة ولابد أن تأخذ أجراً مقابل إرضاع أطفالها.

الأعمال المنزلية

والحقيقة أن هذه التصريحات لاقت صدى واسعاً على كل مواقع التواصل الاجتماعي، وانفعل البعض وغضب بشدة، في حين وافق عليها البعض الآخر، وامتد النقاش ليشمل كل الأعمال المنزلية التي تقوم بها المرأة هل هي إجبار أم لا، وإذا نظرنا إلى الصورة بشكل أوسع سنجد أن هذا التساؤل ليس حديثاً، ولكنه منذ سنوات طويلة شغل بال علماء الاقتصاد أيضاً، والبداية كانت من قصة العشاء.

"كيف تحصل على عشائك؟ هذا هو السؤال المحوري الذي يطرحه علم الاقتصاد، وقد يبدو سؤالاً بسيطاً إلا أنه معقد في حد ذاته" من خلال هذه العبارة تأخذنا الصحفية السويدية كاترين ماركيل في رحلة طويلة داخل صرح النظام الاقتصادي الرأسمالي من خلال كتابها "من قام بطهي عشاء آدم سميث؛"، تبدأ هذه الرحلة من طاولة عشاء آدم سميث وتمر بعدد طويل من المراحل والنظريات الاقتصادية؛ ولذلك دعونا نخُض معاً تلك الرحلة الممتعة:

الأعمال المنزلية

البداية من طاولة عشاء آدم سميث 

منذ زمن بعيد وتحديداً خلال عام 1776 كتب آدم سميث مؤسس علم الاقتصاد: "ليس إحساناً من الجزار أو بائع الجعة أو الخباز نتوقع أن نحصل على عشائنا بقدر ما يرجع ذلك إلى نظرتهم إلى منفعتهم الخاصة، وعندما نطلب خدماتهم فإننا لا نتوسل إلى إنسانيتهم بقدر ما نستحث منافعهم الخاصة".

 بعد ذلك حكى لنا سميث عن قصة اليد الخفية السوق الحرة والتي يعتبرها الطريقة المثالية لخلق اقتصاد فعال؛ فمن وجهة نظره حين تكون السوق حرة سيدور الاقتصاد حول المنفعة الخاصة وحين يحقق الجميع منافعهم الخاصة سيتمكن الكل من الحصول على السلع التي يحتاجون إليها؛ فتحقيق المنفعة الخاصة للفرد هو الذي سيضمن تماسك المجتمع.

ومن منطلق هذه الفكرة بنى الاقتصاد الحديث نظرياته، ولكن هل كان هذا هو الواقع حقاً، هل الصورة العامة مكتملة؟ وإذا كان آدم سميث قد حصل على عشائه بفضل المنفعة الخاصة للخباز والجزار، فمن الذى قام بطهي ذلك العشاء؟ إن آدم سميث لم يتزوج أبداً وعاش معظم حياته مع والدته التي كانت تعتني به، ليس سميث فحسب ففي الوقت الذي كان فيه الخباز والجزار وأساتذة الاقتصاد يحققون منافعهم الخاصة كان على زوجاتهم وأمهاتهم أن يقمن برعاية الأطفال وتنظيف المنازل وطهي الطعام وغسل الملابس، كانوا يقومون بكل ذلك ساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم ولكن كل تلك الأنشطة لم تكن مرئية في الإحصاءات الاقتصادية ولم يتم إضافتها إلى الناتج الاقتصادي.

أسطورة الرجل الاقتصادي 

قبل أن يبلور آدم سميث نظريته حول اليد الخفية والسوق الحرة بنحو مائة عام نشر عالم الفلك إسحاق نيوتن كتابه "الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية" ومن خلال هذا الكتاب شرح نيوتن حركة الأجرام السماوية والجاذبية الأرضية وقد أحدثت اكتشافات نيوتن ثورة علمية في العالم بأسره، وربما يكون آدم سميث قد تأثر بتلك الأفكار؛ فمن وجهة نظره إذا كانت الأجرام السماوية تتحرك وفقاً لقوانين ثابتة فلماذا لا نضع قوانين قادرة على تنظيم المجتمع؟ كل المطلوب هو تجسيد قوانين صورة طبق الأصل من فيزياء نيوتن.

كما تجري الأمور في فيزياء نيوتن؛ إذا أردت أن تفهم شيئاً جزّئه، قم بتقسيم الكل إلى أجزاء أصغر واستمر في ذلك حتى تصل إلى أصغر عنصر، فعلى سبيل المثال إذا أردت أن تقوم بدراسة علمية ادرس الذرة بصفتها المكون الأصغر، ومن هنا حاول الاقتصاديون تكرار هذه التجربة، إذا أردت أن تفهم الاقتصاد قم بتجزئته، وقد توصل الاقتصاديون إلى أن الجزيء الأصغر في العملية الاقتصادية هو "الفرد" إذا فهمت الفرد فقد فهمت الاقتصاد، وكما كرست الفيزياء نفسها لدراسة الذرات كرس الاقتصاد نفسه لفهم الفرد المستقل، أو ما يمكن أن نطلق عليه هنا الرجل الاقتصادي.

وقد استخدم مصطلح للرجل الاقتصادي للمرة الأولى خلال أواخر القرن التاسع عشر، وقد اتصف بكونه النموذج الأمثل للفرد في المجتمع؛ حيث يكون كائناً تواقاً لامتلاك الثروة، عقلانياً لا يفعل أي شيء بدافع الإجبار، فكل تصرفاته تنطلق إما بدافع المنفعة أو تفادي الألم، الرجل الاقتصادي أيضاً يتسم بأنه يقرر مسار حياته ويدع الآخرين يفعلون الأمر ذاته، إنه كما تصفه الكاتبة "مذهل وبارع وعقلاني وحر وأناني وفي الوقت نفسه فإن العواطف والإيثار والمراعاة والانتماء ليسوا من مكونات شخصيته".

قام النظام الاقتصادي بالأساس على استبعاد النساء 

إذا كان النظام الاقتصادي قائماً بالأساس على تحقيق المنفعة الخاصة لأفراده دون مراعاة للآخرين فهذا يعني أن ذلك النظام ارتكز في أساسه على استبعاد النساء؛ لماذا يُسمح للرجل بتحقيق أقصى منفعة خاصة في حين أن المرأة كُلفت بمهمة رعاية الآخرين؟ لقد قيل لنا دوماً إن المرأة خُلقت للتضحية وهو الأمر الذي يجعلها تقوم بأعمال ليست ذات صلة بالمجال الاقتصادي ولا يمكن حساب هذه الأعمال لأنها بالطبع دون أجر؛ فأن تلد المرأة الأطفال وتطعمهم وتربيهم وتغسل الملابس وتحلب الأبقار وتعتني بآدم سميث نفسه حتى يؤلف كتبه ونظرياته فتلك أنشطة لا تُحسب في النماذج الاقتصادية.

كلية الاقتصاد بجامعة شيكاغو 

في خمسينيات القرن الماضي بدأ مجموعة من الباحثين في جامعة شيكاغو بتحليل جميع الأنشطة البشرية وقد تضمن ذلك الأنشطة التي تقوم بها النساء، وكان أشهر هؤلاء الباحثين هو غاري بيكر الذي حاز فيما بعد جائزة نوبل في الاقتصاد، وقد درس بيكر في تحليله الأعمال المنزلية وأدرجها في تحليلاته الاقتصادية، ولكن ظلت هناك مشكلة وهي أن هؤلاء الباحثين درسوا الأنشطة التي تقوم بها المرأة مسلحين بالنماذج الاقتصادية التي وضعها بالأساس الرجل الاقتصادي؛ إذ توصلوا من خلال أبحاثهم إلى نتيجة قد تكون معروفة مسبقاً مفادها أن المرأة تتزوج حتى تحقق أقصى منفعة خاصة لها وتنجب الأطفال أيضاً من أجل ذلك وإذا مددنا هذا الخط على استقامته فالمرأة تحصل على أجر أقل لأنها تستحق أجراً أقل، فالعالم مكان عقلاني والسوق دوماً على حق.

وإذا قرر السوق أن المرأة ينبغي أن تحصل على أجر أقل فلابد أن هذا ما تستحقه، وقد فسر الاقتصاديون في مدرسة شيكاغو تدني أجر النساء بأنه يرجع إلى كونهن أقل إنتاجية من الرجال، وهنا فقد عادت النساء مرة أخرى إلى نقطة الصفر؛ فالمرأة قد تكون في بعض الأحيان أقل إنتاجاً من الرجل لأنها تنقطع عن عملها وعن حياتها المهنية من أجل إنجاب الأطفال ورعايتهم، وعليه فالمرأة تستثمر في حياتها المهنية بشكل أقل وبالتالي تحصل على أجر أقل، ما الذي يعنيه هذا في نهاية الأمر؟ يعني أن باحثي جامعة شيكاغو لا ينظرون للأعمال المنزلية على كونها أعمالاً اقتصادية حتى لو قاموا بدراستها، وفي هذا السياق فقد كان يعتقد بيكر أن التمييز ضد النساء أمر مزعج إلا أنه كان مقتنعاً بأن السوق سوف يحل هذه المسألة، وكل ما علينا فعله حيال ذلك الأمر هو ألا نفعل شيئاً ولكن المشكلة تكمن بأن السوق لم يحل الأمر.

والعكس هو الذي حدث، فقد ظهر بعض الباحثين الذين رسّخوا نظرية بيكر؛ المرأة تحصل على أجر أقل لأنها تقوم بالأعمال المنزلية؟ لماذا تقوم المرأة بالكثير من أعباء الأعمال المنزلية والحياة الأسرية ببساطة ووفقاً للكثير من الباحثين لأنها ولدت من أجل ذلك والأمر برمّته يعود إلى طبيعتها البيولوجية.

بعبارة أخرى وجد الاقتصاديون في مدرسة شيكاغو ضالتهم المنشودة في إلقاء الأمر برمته على علم البيولوجي لأنه التفسير الأسهل وقد ارتكز هؤلاء الاقتصاديون في حجّتهم على مزاعم عالم النفس سيجموند فرويد الذي ذكر أن المرأة بطبيعتها أفضل في التنظيف بسبب الأوساخ المتراكمة في المهبل؛ فالنساء يقمن بتنظيف البيت ومسح الغبار من أجل تعويض المشاعر التي تختلج داخل أجسادهن!   

النساء يقتحمن سوق العمل أملاً في انتزاع حقوقهن 

خلال عام 2010 كتبت مجلة الإيكونوميست على غلافها "لقد نجحنا"؛ حيث تخطت النساء عدد الرجال من خريجي الجامعات وتزايد أيضاً عدد النساء اللواتي يعملن أكثر من أي وقت مضى، ولكن ظلت هناك عقبة متكررة؛ ففكرة العمل بدوام كامل من أجل المستقبل المهني صاحبها بالتبعية فكرة الاستعانة بآخرين للمساعدة في أعمال المنزل ورعاية الأطفال.

فاليوم نجد أن متوسط عدد ساعات عمل الخادمات في الولايات المتحدة يبلغ 14 ساعة وغير مسموح لهن أبداً بمغادرة البيت دون إذن مسبق، لدينا أيضاً نصف عدد المهاجرين في العالم من النساء وحياتهن أضحت عبارة عن أيام عمل طويلة وأجور متدنية، لقد نجحت المرأة في الالتحاق بسوق العمل وتمكنت من تحرير نفسها من الأعمال المنزلية؛ ولذلك حان الوقت لإثبات ذاتها، جاء وقت الأنانية والعقلانية والحرية!! ولكن مهلاً أين رأينا هذه الصفات من قبل؟ نعم إنها صفات الرجل الاقتصادي.

وبالتالي لم يعد أمام المرأة خيارات؛ إما أن تكون مضحية وغير مرئية وإما أن تكون حرة ومستنزفة والأمر برمّته عائد إلى نفس الأساس الخاطئ" فكرة الرجل الاقتصادي" وعليه فقد دخلت المرأة سوق العمل الذي ارتكز بالأساس على استبعادها وليس أمامها مفر سوى الخضوع لنظرياته وقوانينه المرسومة مسبقاً ومفصلة على مقاس الرجال.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء رمضان
كاتبة مصرية
تحميل المزيد