منذ سنة 2012، وتحديداً حين أسهمت رفقة تلفزيون قطر في إنتاج المسلسل التاريخي الضخم "عمر"، لا تبالي شبكة MBC بالأعمال المصنفة تحت الإطار التاريخي، وانصرفت عن إنتاجها، بعيداً نحو اهتمامات أخرى أكثر إغراء، على غرار قصة الحب الوطيدة التي جمعت الشبكة مع المسلسل الشامي ذائع الصيت "باب الحارة" وعرّابه الراحل بسام الملا، وكذلك "الانغماس" المتزايد واللهث وراء الأعمال التركية و"تعريبها" في نسخ جديدة بميزانيات فلكية، وموسم الهجرة نحو دراما الأناضول لا يزال متواصلاً، بل أضحى في ذروته هذه الأيام.
غير أن المثير للاهتمام هذا العام وفي ظل النشاط الملحوظ للشبكة وشركات الإنتاج المنضوية تحت لوائها، فجأة ودون سابق إنذار، تقرّر إنهاء مرحلة الجفاء الذي طال لسنوات، بل امتدّ لعقد كامل من الزمن، وتعيد ربط الوصال مع الدراما التاريخية وبشكل قوي وغير مسبوق، فما الذي استجدّ يا ترى؟ وما هو السر الكامن وراء هذا الحنين الجارف؟
نعم، فالشبكة تقف حالياً خلف إنتاج مسلسل جديد يحمل اسم "معاوية"، وخصصت له ميزانية تتجاوز 75 مليون دولار أمريكي في رقم غير مسبوق عربياً، ويجري تصويره الآن في تونس، بقيادة المخرج المصري طارق العريان، وبطولة نخبة من الفنانين السوريين والتونسيين والمصريين والخليجيين؛ لكن النقطة التي لا ينبغي تجاوزها بسهولة حقاً تكمن في اسم كاتب السيناريو، ذلك أن الغموض ما زال محيطاً بتفاصيل العمل، وهناك أخبار متضاربة عن التعاقد مع هذا الفنان أو ذاك، على غرار انسحاب الفنان الفلسطيني علي سليمان من تجسيد الدور الرئيسي، وتعويضه بالسوري لجين إسماعيل، وغيرها من التفاصيل الأخرى.
غير أن هناك إجماعاً مصرياً على أن كاتب المسلسل هو الصحفي خالد صلاح، في أولى تجاربه بكتابة السيناريو، وهذه مسألة مثيرة للريبة بالفعل، وكأن الوطن العربي من محيطه إلى خليجه يفتقد لكتاب متخصصين وأصحاب تجربة بإمكانهم تقديم نص متماسك وجذاب، لاسيما أننا نتحدث عن مرحلة مهمة في التاريخ، ولا ينبغي أن تتحول لحقل تجارب مع أسماء بهذا المستوى.
على خطى إبراهيم عيسى
ربما صار أغلب الصحفيين في المحروسة منبهرين بتجربة زميلهم إبراهيم عيسى، بعد سلسلة من الأفلام السينمائية، ومسلسله الأخير مع النجمة نيللي كريم "فاتن أمل حربي"؛ لكن "المغامرة" في عمل تاريخي بهذا الحجم لن تكون من مصلحة العمل على الإطلاق، ولن يكون مسلسل "معاوية" الوحيد الذي تنتجه شبكة MBC، بل ستحتضن الفنان السوري تيم حسن في أولى تجاربه الإخراجية، من خلال فيلم "الزير سالم"، الذي كان مشرفاً عليه الراحل الكبير حاتم علي، وأسند دور البطولة لتيم، وحينها كان النص لزياد عدوان، نجل المبدع ممدوح عدوان، الذي كتب قبل 22 عاماً الرائعة التلفزيونية "الزير سالم"، وحينها جسد الدور الرئيسي سلوم حداد، رفقة رفيق علي أحمد، والراحل خالد تاجا، والبقية التي يحفظها المشاهد العربي عن ظهر قلب.
نسخة الفيلم الجديدة من كتابة بشار عباس، وستكون تحدياً كبيراً لتيم حسن، وهو يحمل إرثاً ثقيلاً، لاسيما أن أستاذه ومكتشفه حاتم علي هو من كان يقف خلف المشروع، العديد من التساؤلات تُطرح عن جدارة بطل مسلسل "الانتظار" بالتصدي لإخراج فيلم بهذا الحجم، وأيضاً كونه البطل الرئيسي، وهي مهمة لن تكون باليسيرة قطعاً، وتحتاج عملاً مضاعفاً وتركيزاً كبيراً، والأهم فريق عمل خبير يساند تيم في التجربة، بعيداً عن المجاملات، فهل سيكسب تيم حسن ومعه شبكة MBC الرهان الكبير، لاسيما في ظل المقارنات الجاهزة مع نسخة المسلسل التي حصدت نجاحاً كاسحاً، وبالتالي ننسى دور "هجرس" ونرتبط بتيم "الزير سالم"؟
نقطة أخرى مهمة في هذا الصدد، وهي لطالما تبنت شبكة MBC مشروع الفيلم السالف الذكر، فلماذا لا نراها تكمل سلسلة رباعية الأندلس التي بدأها حاتم علي والدكتور وليد سيف، ورأينا من خلالها "صقر قريش" و"ربيع قرطبة" و"ملوك الطوائف"، وظل "سقوط غرناطة " الحلقة المفقودة التي لم يتمكن الراحل من بلورتها؟
صدقاً نتمنى أن يحدث ذلك، ويكتمل حلم المبدع حاتم علي ويُسند الإخراج لأحد تلاميذه، وما أكثرهم في الوسط الفني السوري والعربي، وقبل أن نختم لا بد أن نشير إلى أن المستجدات الحالية، وعودة الدراما التاريخية في رمضان المقبل بحول الله قد ذكرتني شخصياً بمقال سابق في هذا المنبر، وتحديداً في رمضان الماضي، وتساءلت من خلاله عن إمكانية التأثير الإيجابي لمسلسل "فتح الأندلس"، والأصداء التي خلّفها في تحريك المياه الراكدة، ودفع عجلة الإنتاج للدوران مجدداً في هذا المجال المهم جداً.
وكخلاصة لما سبق، يمكن ربط تحول MBC بذلك، في انتظار التحاق باقي المنصات وشركات الإنتاج بها، لاسيما أننا سنكون على موعد مع جزء ثانٍ من "فتح الأندلس" أيضاً، بالإضافة إلى عودة الفانتازيا التاريخية وعرّابها الكبير هاني السعدي في مسلسل "ذئاب الليل"، فهل تستعيد الدراما التاريخية ألقها وتوهجها قريباً جداً؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.