لقد ارتبط دخول الإسلام في سريلانكا بالحركات التجارية للمسلمين العرب، وليس هناك دليل مؤكَّد على تاريخ أول وصول للمسلمين إلى سريلانكا، فاختلف المؤرخون في هذا الأمر، ومن المعروف أن جزيرة سريلانكا كانت تعدُّ مركزاً للنشاط التجاري منذ أقدم العصور، لما اشتُهرت به من إنتاج التوابل والأخشاب والجواهر، وكانت للعرب قبل الإسلام علاقات تجارية مع سريلانكا، فاتخذوها موطناً لهم، وأطلقوا عليها اسم "سرنديب" أو "جزيرة الياقوت"، فكانت البضائع تُنقل من سريلانكا إلى اليمن، ومنها بالقوافل إلى أنحاء الدول العربية، وذلك لأن موقع سريلانكا استراتيجي، بوقوعه في الوسط بين إفريقيا والهند والصين، فأصبحت مركزَ لقاء السفن التجارية لتوزيع البضائع إلى أنحاء العالم.
وحين ظهر الإسلام في الجزيرة العربية، وانتشر في جميع أنحائها، دخل العرب في دين الله أفواجاً، وكان منهم التجار والبحّارة العرب من الحضارمة وغيرهم، فحملوا معهم دينهم الجديد إلى البلاد التي يتعاملون معها، فكان من الطبيعي أن يتحدث هؤلاء بحماس وإيمان عن دينهم الجديد، وعن الرسول الذي ظهر في بلادهم، يدعون الناس إلى التوحيد والإخاء.
ويرجع اهتمام المسلمين ببلاد الهند إلى عهد الخلفاء الراشدين، فقد شنوا عدة حملات على أطراف هذه البلاد، ولكن أول حملة منظمة على بلاد الهند بدأت في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، إذ أذن للحجاج بن يوسف الثقفي الذي كان عامله في بلاد العراق بإيفاد حملة إلى الهند، فأرسل عدة حملات لم تصل كلها إلى نتيجة حاسمة، فأعدَّ جيشاً أسند قيادته إلى ابن أخيه محمد بن قاسم الثقفي سنة 92هـ.
وبهذا وصل الإسلام إلى السند ومالتان. وفي العهد العباسي نشطت الحركات التجارية للعرب المسلمين من بغداد متجهة نحو آسيا والصين.
وفي القرن التاسع أصبحت الحركات التجارية في سريلانكا أكثر نشاطاً، بسبب كثرة وفود التجار العرب المسلمين من الجزيرة العربية. ويؤكد المؤرخون أن هذه الحركات امتداد لما كانت عليه سابقاً من العلاقات التجارية بين العرب وسريلانكا قبل الإسلام، وبعده في عهد الخلفاء الراشدين. وبسبب المعاملات الحسنة من العرب المسلمين أسلم عدد من أهل سريلانكا، تزوج عدد منهم من أهل البلاد، واستوطنوا في المناطق الساحلية التجارية.
ويذكر بعض المؤرخين أن المسلمين بدأوا السكنى في سريلانكا في القرن الأول الهجري، يقول أبو الحسن البلاذري في كتابه الشهير "فتوح البلدان" في بيان أسباب فتح السند: كان التجار العرب يذهبون إلى سيلان للتجارة، واستوطن هناك بعض التجار المسلمين مع أسرهم، وقد لقي بعضهم حتفه فيها، فلما أصبحت الأسر بدون عائل أرسلهم الملك الذي كان يحكم سيلان إلى الحجاج بن يوسف الثقفي بالكوفة عن طريق البحر، وزوّدهم بهدايا قيّمة، ولما وصلت السفينة التي تقلهم إلى بلدة ديبل أغار عليها جماعة من القراصنة، فأخذوا السفينة بما فيها، فنادت امرأة منهن "يا حجاج! وبلغ ذلك الحجاج، فقال: يا لبيك! فأرسل إلى داهر ملك السند يطالبه بتخلية النسوة، فلما رفض أرسل الحجاج جيشاً يقاتله حتى أطاح بملكه، وفتح السند وضمها إلى رقعة البلاد الإسلامية.
وتؤكد كتب التاريخ اهتمام أهل سيلان بالإسلام منذ عهده الأول، حينما سمعوا عنه من التجار العرب. وذكر الرحالة بزرك بن شهريان الرامهرمزي، في كتاب "عجائب الهند": لما سمع أهالي سيلان عن خروج النبي صلى الله عليه وسلم أوفدوا رجلاً فطناً منهم إلى جزيرة العرب، فيعرف أمره وما يدعو إليه، فعاقت الرجل عوائق، ووصل إلى المدينة بعد أن قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي أبو بكر رضي الله عنه، ووجد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فسأله عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فشرح له وبيّن، ثم عاد إلى سيلان، ولكن فاجأه الموت في الطريق وهو في "مكران"، وكان معه خادم هندي، فعاد إلى سيلان، وبلغ أهلها ما وقف عليه من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، وأنهم وجدوا صاحب النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووصف لهم أنه رجل متواضع تقي شجاع، يلبس الثوب المرقع، وينام في المسجد.
ولا شك أنه كان لهذا الحديث نتائجه في إقبال الناس على الإسلام.
وكل ما تقدم من الخلفية التاريخية للإسلام في سريلانكا يدل على أن الإسلام قد دخل سريلانكا في القرن الأول الهجري. ولا شك أن التجار العرب لهم دور عظيم في تبليغ الإسلام لأهل سريلانكا، لأنهم لم يأتوا فقط ببضائعهم التجارية، بل حملوا معهم عقيدتهم وأخلاقهم الفاضلة التي تعلموها من دينهم الإسلام، كما تقول الكاتبة لورنا ديواراجا: "تشير أدلة كثيرة على أن العلاقة بين سريلانكا والتجار العرب لم تنحصر في التجارة فحسب، بل امتدت إلى العلاقة الدينية والثقافية أيضاً".
وأهل سريلانكا أنفسهم حاولوا معرفة حقيقة أمر الإسلام ونبيه الجديد صلى الله عليه وسلم. فعلاقة المسلمين بسريلانكا قديمة، إلا أنهم بدأوا يستوطنونها في القرن التاسع إلى العاشر. وتاريخ الإسلام ليس طارئاً جديداً في سريلانكا كما يدعي بعض أعداء المسلمين في سريلانكا، بل هو قديم مثل تاريخ الديانات الأخرى، وأكثر من ذلك، يقول الباحثون مثل أمير علي: "هناك كثير من الآثار التاريخية والجغرافية ظهرت مؤخراً، تدل على أن المسلمين من السكان الأصليين مثل أصحاب الديانات الأخرى".
انتشار المسلمين في سريلانكا
بدأ المسلمون العرب السكن في المناطق الساحلية من سريلانكا من القرن التاسع أو قبله قليلاً، وكان عدد الساكنين قليلاً في بداية الأمر، ولكن ازداد هذا العدد تدريجياً مع نمو التجارة العالمية في سريلانكا، وهناك بعض العوامل التي ساعدت هذا النمو، منها وجود معظم السنهاليين الفلاحين، وعدم رغبتهم في التجارة، فأصبح المجال التجاري مفتوحاً أمام المسلمين، ثم إن الملوك السنهاليين رحَّبوا بإسكان المسلمين ليجدوا ربحاً جيداً للبضائع التي يبيعونها للعرب المسلمين، ويشترون منهم الأشياء التي يريدونها بثمن رخيص، وكذلك من ناحية التجارة العالمية استفاد منها الملوك السنهاليون للعلاقات الخارجية بالدول الأخرى، ومن أهم تلك العوامل أن المسلمين وجدوا من السنهالييين روح التسامح والمعايشة السلمية وقبول الآخرين، هذه العوامل كلها شجعت المسلمين نحو الرغبة الشديدة لنشر دعوة الإسلام بينهم.
وسكن المسلمون في كثير من المناطق الساحلية بكثافة، ووجود "شارع المسلمين الجديد" و"شارع المسلمين القديم" في وسط العاصمة كولومبو خير دليل على قوة نفوذ المسلمين في مدن سريلانكا منذ قرون.
واستطاعت المجموعة الإسلامية في سيلان أن تحظى بنفوذ كبير، إلا أن الدول الاستعمارية التي احتلت سريلانكا قلصت نفوذ المسلمين في سريلانكا، حتى إن هذه الدول أبادت بعض القرى المسلمة بأكملها، وحاولت إزالة الوجود الإسلامي من الجزيرة.
فبدأ المسلمون ينتقلون من مناطقهم السواحلية إلى مملكة كاندي، التي تقع في وسط سريلانكا، والتي كانت لا تزال تحت حكم الملوك السنهاليين، ولم يلجأوا إليهم كَلَاجِئين فحسب، بل وجدوا من الملوك ترحيباً، ووفَّر الملوك لهم الأراضي وغير ذلك من الاحتياجات الأساسية. وقد عيَّن الملوك من المسلمين للمناصب الإدارية المهمة في المملكة، وجعل منهم كبار المستشارين لهم في العلاقات التجارية الخارجية والعلاقات السياسية الخارجية وغير ذلك من الوظائف المهمة.
وبعد استقلال سريلانكا من الاستعمار في عام 1948م، حدثت تغييرات واسعة النطاق في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية وغير ذلك من المجالات الأخرى في الدولة.
ورغم أن الدستور السريلانكي يعطي للديانة البوذية الميزة والمكانة العالية بين الديانات الأخرى، أعطى للديانات الأخرى الحرية الكاملة، والحكومات المتتالية عاملتها باحترام وعدالة.
وتتمتع الأقلية المسلمة في سريلانكا بِحُرية ممارسة الشعائر الإسلامية، وبناء المساجد ومؤسسات لتعليم الإسلام لأبناء المسلمين للمحافظة على الهوية الإسلامية، وبناء المراكز الإسلامية مسموح به للأقلية المسلمة في سريلانكا.
وفي مجال الإعلام، خصّصت الحكومة ساعات معينة لإذاعة البرامج الإسلامية في الإذاعة، وبثها في القناة الحكومية الرسمية، كما أن طباعة الكتب الإسلامية وإصدار الجرائد الإخبارية والمجلات المتنوعة التي يعبر المسلمون من خلالها عن آرائهم ووجهات نظرهم، وأفكارهم ونظرياتهم الإسلامية مسموح بها كذلك.
وفي السنوات الماضية، واجه المسلمون تحديات من الجماعات المتطرفة البوذية، في ظل حكومة غوتاباي راجاباكسا المخلوع.
وتقدر الحكومة كل المناسبات الإسلامية، مثل عيد الفطر وعيد الأضحى ويوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلتها أيام إجازة رسمية في الدولة. كما أنها جعلت شهر رمضان كاملاً إجازة لمدارس المسلمين الحكومية، حتى تسهل صيام هذا الشهر للطلاب والمدرسين، ويوم الجمعة ينتهي وقت دوام المدارس بنصف اليوم، حتى تتسنى فرصة الحضور للجمعة.
وبالإضافة إلى ذلك، كانت تعمل الجماعات الإسلامية التي تدعو المسلمين وغير المسلمين إلى الإسلام، والمؤسسات الخيرية والخدمية، التي توفر الخدمات الاجتماعية للمسلمين وغيرهم بحرية كاملة. وهذا الوضع أيضاً تغير في السنوات الأخيرة الماضية إثر تفجيرات عيد الفصح.
ومن الجدير بالذكر أن المسلمين يُسمح لهم بتطبيق الأحكام الإسلامية في مجال الأحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق، بقانون رقم 13 لسنة 1951م، المسمَّى قانون الزواج والطلاق لمسلمي سريلانكا. وقد أُسست من أجل ذلك المحاكم الشرعية في أنحاء البلاد التي يعيش فيها المسلمون، وعُين القضاة المسلمون، وذلك كله يتم تحت إدارة وإشراف المحكمة العليا. وأما المساجد والأوقاف فتدار بمجلسي الأوقاف والمساجد، بقانون رقم 33 لسنة 1983م، المسمى "قانون المساجد والأوقاف"، وتحت إدارة وإشراف قسم الشؤون الإسلامية والثقافية في وزارة الديانة البوذية والشؤون الدينية.
رغم محاولات المتطرفين لإلغاء كثير من حقوق المسلمين وحرياتهم في مجال التدين والالتزام، كلها باءت بالفشل بإذن الله تعالى. حفظ الله الإسلام والمسلمين في كل مكان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.