يعتبر مصطفى دحلب أحد أساطير الكرة الجزائرية، والذي لم ينل حظه من اهتمام الإعلام المحلي والعربي، على الرغم من كونه أحد أبرز النجوم الذي صنعوا تاريخ نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، وقد كان في وقت من الأوقات قريباً جداً من الانضمام لبرشلونة الإسباني لولا وفائه لفريق العاصمة الفرنسية وجماهيره الكبيرة التي كانت تدلله بلقب "موموس".
ولد مصطفى دحلب يوم 8 فبراير/شباط 1952، بمدينة بجاية بجبال القبائل الصغرى بشرق الجزائر، وانتقل للعيش بفرنسا، رفقة عائلته، لما كان يبلغ من العمر سنتين، حيث استقر والده للعمل بمنطقة الأردين.
بدأ مصطفى ممارسة الرياضة من خلال سباقات الدراجات الهوائية، ولكن موهبته كانت بشكلٍ أفضلٍ في لعب كرة القدم، فانضم لفريق "فلوهيمون سيدان" الصغير في سن العاشرة، قبل أن يجلب انتباه المدرب الأسطوري لنادي سيدان، لويس دوغوغيز، الذي ضمه لفريق الشباب وهو في سن الـ14 ثم للفريق الأول في سن الـ17.
وفي موسمه الأول كلاعب محترف ( 1969- 1970) احتل رفقة سيدان المركز الثالث في ترتيب الدوري الفرنسي، كما بلغ معه الدور نصف النهائي لمسابقة كأس فرنسا، فيما كان الموسم الثاني (1970- 1971) كارثياً للنادي الذي سقط إلى دوري الدرجة الثانية.
قطع الاحتراف بفرنسا لأداء الخدمة العسكرية بالجزائر
ولما بلغ الفتى الـ19 من عمره، تلقى استدعاء من الجزائر لأداء الخدمة الوطنية العسكرية، فلم يتردد في تلبية الدعوة وطلب تسريحه من نادي سيدان، الذي رفض التخلي بسهولة عن جوهرته فاكتفى بإعارة اللاعب الشاب لنادي شباب بلوزداد الجزائري لمدة الخدمة الوطنية المقدرة بسنتين.
وبالموازاة إذاً مع أدائه للخدمة العسكرية الإجبارية، نشط مصطفى دحلب موسمين اثنين مع نادي شباب بلوزداد، الذي كان في ذلك الوقت أقوى فريق بالجزائر، ففاز رفقته بلقب بطولة المغرب العربي، في سنة 1972، إثر الفوز في اللقاء النهائي على نادي النجم الصفاقسي التونسي بمدينة الدار البيضاء المغربية.
وخلال فترة أدائه للخدمة الوطنية، انضم دحلب للمنتخب الجزائري العسكري، كما تم استدعاؤه للمنتخب الأول للمشاركة في مسابقة كأس فلسطين لكرة القدم (التسمية السابقة للبطولة العربية للأمم، التي جرت دورتها في يناير/كانون الثاني 1972 بالعاصمة العراقية بغداد، واحتلت خلالها الجزائر المرتبة الثالثة، فيما توجت مصر باللقب بعد فوزها في اللقاء النهائي على العراق.
انضم لباريس سان جيرمان في صفقة قياسية
عاد مصطفى دحلب إلى نادي سيدان، في سبتمبر/أيلول 1973، حيث تألق بشكلٍ لافتٍ في دوري الدرجة الأولى الفرنسي، بتسجيله 17 هدفاً في 27 مباراة خلال موسم (1973- 1974)، ما جعل نادي باريس سان جيرمان يصرّ على ضمّ اللاعب الجزائري الواعد، في صيف 1974، فدفع مبلغ 1.35 مليون فرنك فرنسي للاستفادة من خدماته، وهي القيمة المالية، التي كانت تشكل، في ذلك الوقت، أكبر صفقة في تاريخ انتقالات اللاعبين بفرنسا.
ولم ينتظر دحلب كثيراً ليفرض نفسه كأحد أبرز نجوم باريس سان جيرمان، بحيث سجل 19 هدفاً في 33 مباراة رسمية في موسمه الأول (1974-1975) ثم 12 هدفاً في 37 مباراة في الموسم الثاني (1975- 1976).
وفي الموسم الثالث (1976- 1977)، أصبح النجم الجزائري قائداً لفريق العاصمة الفرنسية، وزادت فاعليته الهجومية، مُسجّلاً 26 هدفاً في 42 مباراة رسمية.
واستمر تألق دحلب طيلة المواسم السبعة الأخرى التي قضاها في صفوف "بي إس جي"، وقاد الفريق للتتويج بكأس فرنسا لكرة القدم في سنتين متتاليتين، الأولى في 1982 بعد الفوز في اللقاء النهائي، على فريق سانت إيتيان ونجمه الكبير ميشال بلاتيني، بفضل ركلات الترجيح (6-5)، والمرة الثانية في 1983 بعد الانتصار، في المباراة النهائية على نادي نانت (3-2).
لعب مصطفى دحلب إذاً 10 مواسم كاملة مع فريق باريس سان جيرمان، جعلت منه أحد أساطير النادي، وعلى الرغم من أنه لم يكن مهاجماً صريحاً، بل متوسط ميدان هجومي، فإنه سجل 98 هدفاً في 310 مباريات بكل المسابقات المحلية والقارية، منها 85 هدفاً في دوري الدرجة الأولى الفرنسي ( ليغ1)، كما صنع 80 هدفاً لزملائه.
ولتوضيح أهمية هذه الأرقام، فإنّها تُصنّفه كثالث صانع أهداف في تاريخ النادي بعد الأرجنتيني أنخل دي ماريا (112) والبوسني (اليوغسلافي سابقاً) سافيت سوزيتش (103). ورابع أفضل هداف في تاريخ النادي بالدوري الفرنسي، بعد الأوروغوياني أديسون كافاني ( 138 هدفاً) والفرنسي كيليان مبابي (124) والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش (113). وخامس أفضل هداف في تاريخ النادي بكل المسابقات بعد كافاني (200 هدف) ومبابي (176) وإبراهيموفيتش (156) والبرتغالي بيدرو ميغيل باوليتا والبرازيلي نيمار (109) والفرنسي دومينيك روشتو (100).
ريمون دومينيك شبّهه بليونيل ميسي
وبغض النظر عن هذه الأرقام، فإنّ بعض النقاد والاختصاصيين يعتبرون مصطفى دحلب أفضل لاعب في تاريخ الفريق الباريسي، على غرار المدير الفني السابق لمنتخب فرنسا، ريمون دومينيك، الذي قال في أكتوبر/تشرين الأول 2015، لقناة Ma Chaîne Sport الفرنسية: "أميل كثيراً لمصطفى دحلب الذي ترك بصمته في الفترة التي كان فيها لاعباً، لقد كان يملك موهبة استثنائية، فهو فنان يملك نفس الخصائص التي يتميز بها اللاعبون الذين نتحدث عنهم في الوقت الحالي، مثل ميسي".
وتابع دومينيك ممتدحاً النجم الجزائري: "كان دحلب عبقرياً قبل كل شيء، فقد كان قادراً على القيام بكل الحركات، إنه أفضل لاعب في تاريخ باريس سان جيرمان".
أما ميشال كولار، مؤرخ نادي باريس سان جيرمان، فقد أفصح لمجلة "فرانس فوتبول" الشهيرة، يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أنّ مصطفى دحلب كان على وشك التعاقد مع نادي برشلونة الإسباني لما كان في أوج عطائه، ولكنه ظل وفياً للبي إس جي، مفضلاً الإسهام في تطور نادي العاصمة الفرنسية.
ومن جهته، بقصد التعبير عن مدى أهمية دحلب بالنسبة لفريق سان جيرمان، فإنّ الرئيس السابق للنادي، فرانسيس بوريلي، قال في إحدى المناسبات: "عندما يغيب دحلب عن مباريات الفريق بملعب بارك دي برانس، فإنّ برج إيفل ينحني حزناً عليه".
خيانة بوريلي جعلته يعتزل بعيداً عن باريس
ولكن رغم هذا الوفاء الكبير من دحلب لفريقه وعلى الرغم من هذه الشهادة الخالدة لبوريلي، فإنّ هذا الأخير كان السبب في رحيل "موموس" عن باريس سان جيرمان في صيف 1984، بحسب ما كشفه اللاعب الدولي الجزائري السابق لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2003، عندما قال: "كنت أحضر عقداً جديداً لمدة 5 سنوات مع التحول إلى منصب جديد بالنادي عند الاعتزال، كنت دائماً أتعامل بثقة كاملة، ولكن بوريلي ارتكب خطأً، حيث لم يفِ بوعده، فلم أسامحه، وطلبت مستحقاتي ورحلت".
وبعدما حطّ الرحال بجنوب فرنسا، وبالضبط بنادي نيس، في يوليو/تموز 1984، لعب دحلب موسماً واحداً فقط مع فريقه الجديد بدوري الدرجة الثانية، وأسهم في صعود النادي إلى دوري الدرجة الأولى، قبل الاعتزال عن اللعب في صيف 1985 ، والعودة للعيش بباريس، حيث بات يركز اهتمامه على العمل الخيري.
وقبل الاعتزال رسمياً عن اللعب مع الأندية، كان مصطفى دحلب قد اعتزل اللعب دولياً مع منتخب الجزائر في العام 1983، بعدما شارك رفقة منتخب "محاربي الصحراء" في 20 مباراة رسمية، سجل خلالها 6 أهداف، وكان ضمن التشكيلة التي شاركت في مونديال إسبانيا 1982، وفازت على منتخب ألمانيا الغربية (2-1) فيما سُمي حينها بـ"ملحمة خيخون".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.