الشح المائي.. لماذا قد تعاني المنطقة العربية من تناقص كبير في مخزون المياه في السنوات القادمة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/04 الساعة 10:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/04 الساعة 10:38 بتوقيت غرينتش


مع تزايد سكان العالم  بشكل عام وسكان الوطن العربي بشكل خاص؛ ثمة معطيات خطيرة تشير إلى تفاقم أزمة المياه خلال العقود القادمة، حيث أشارت تقارير دولية ودراسات متخصصة في تنمية الموارد المائية واستخداماتها بشكل أمثل، إلى أنه  من  المتوقع أن يؤدي التناقص المتزايد في مخزون المياه العالمي في عام 2050 إلى معاناة (5.7) مليار إنسان في العالم من شحّ المياه، ومن بينهم الشعوب العربية، ومردّ ذلك إلى زيادة الطلب على المياه للاستخدامات المختلفة.

عوامل جوهرية

يعتبر العامل الديموغرافي من أهم العوامل الضاغطة على المجتمعات العربية؛ نظراً إلى الزيادة الطبيعية السنوية ومن ثم زيادة الطلب على الموارد المتاحة والغذاء. لقد أدى التفاوت بين معدل نمو الإنتاج الزراعي والطلب على السلع الزراعية في الدول العربية إلى بروز ظاهرة الفجوة الغذائية الكبيرة الآخذة في التفاقم مع اتساع ظاهرة التصحر، وازدياد الطلب على المياه في الاستخدامات المنزلية، والزراعية والصناعية، ويكمن السبب في ذلك كله في ارتفاع معدلات النمو السكاني التي تصل إلى 3% في غالبية الدول العربية سنوياً.

وتشير المصادر الجغرافية والتقارير الاقتصادية الصادرة عن الجامعة العربية والمؤسسات ذات الصلة إلى أن مساحة الوطن العربي تصل إلى نحو (1.4) مليار هكتار، حيث تشكل 10% من مساحة العالم، وتقدر المصادر نفسها حجم الموارد المائية العربية المتاحة في الوطن العربي بنحو 295 مليار متر مكعب سنوياً، ولا يستغل منها سوى 193 مليار متر مكعب، أي نحو 75% من الموارد المائية، منها 87% هي من نصيب قطاع الزراعة بالوطن العربي، في حين يستحوذ القطاع المنزلي والصناعة على النسبة الباقية من إجمالي الموارد المائية العربية المتاحة. وفي هذا السياق يذكر أن متوسط نصيب الفرد من مجموع السكان في الوطن العربي من الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي يصل إلى 890 متراً مكعباً سنوياً.

واللافت أن المساحة المرويّة في الدول العربية تشكل نحو 15.7% فقط من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة في الدول العربية، ويتسم الاستخدام الحالي للمياه في الزراعة المروية، بكفاءة متدنية، إذ يبلغ فاقد المياه في أثناء النقل والتوزيع بالحقول ما يقارب 80 مليار متر مكعب، ويرجع ذلك أساساً إلى أن الأسلوب السائد في الري بالدول العربية، هو الري السطحي التقليدي الذي يشمل 90% من الأراضي المروية في الوطن العربي؛ وتقدر كمية الأمطار التي تتساقط على الوطن العربي بنحو (2286) مليار متر مكعب سنوياً، في وقت تتفاقم فيه ظاهرة التصحر واتباع سياسات مائية غير متطورة، ولا تتجاوز مساحة الأراضي القابلة للزراعة 197 مليون هكتار، تمثل نحو (14.1%) من إجمالي المساحة العامة للوطن العربي.

وتتسم الموارد المائية المتاحة في الوطن العربي بظاهرة لها دلالات إستراتيجية غاية في الأهمية للأمن المائي، وهي أن نحو نصف هذه الموارد ينبع من خارج الوطن العربي، لذلك فإنه وبجانب الأسباب الطبيعية، فإن هذا الأمر يجعل هذه الموارد عرضة للنقص والتدهور في النوعية نتيجة عوامل إستراتيجية، أو استخدامات جائرة؛ كما فعلت وتفعل إثيوبيا من مشاريع على حساب حصة الشعب المصري من مياه النيل، مما يؤكد أهمية العمل على وضع التشريعات الدولية التي تتضمن حقوق الدول العربية، وحسن تنفيذها من قبل جميع الدول المعنية. ويبرز التحدي الإسرائيلي أيضاً بكونه أحد التحديات التي يواجهها الأمن المائي العربي أيضاً، حيث استطاعت إسرائيل السيطرة على نحو 81% من إجمالي الموارد المائية المتاحة للفلسطينيين والبالغة 750 مليون متر مكعب سنوياً.

الأمن المائي

هناك عدة مخاطر حقيقية تواجه الأمن المائي العربي، فإضافة إلى اعتماد الوطن العربي على أنهار تنبع من خارج حدوده، تشكل الزيادة السكانية الطبيعية المرتفعة عاملاً آخر يضاف إلى تلك المخاطر مع غياب أي تنسيق وتخطيط عربي لمواجهة التحديات؛ ومع احتمالات ارتفاع عدد سكان الوطن العربي بناءً على معدلات النمو السكاني السنوية من (423) مليون نسمة خلال العام الحالي 2022 إلى (720) مليون نسمة في عام 2030، سيصل العجز المائي العربي إلى نحو (313) مليار متر مكعب بحلول العام المذكور، الأمر الذي بات يتطلب اتباع خيارات لمواجهة شح المياه واتساع ظاهرة التصحر والفجوة الغذائية العربية، ومن تلك الخيارات رفع كفاءة استخدام المياه من خلال تطوير نظم وأساليب الري الحالية، والقيام بترشيد استخدام المياه سواء مباشرة أو بصفة غير مباشرة من خلال التسعيرة، وضرورة اتباع سياسات من شأنها التوسع في المحاصيل الزراعية ذات القيمة العالية والمستخدمة لأقل كميات من المياه، والأهم من ذلك فإن التنسيق بين كافة الدول العربية بمجال تطوير البحث العلمي في استخدامات المياه، والتفاوض بشأنها في كافة المحافل الإقليمية والدولية، وهذا أضعف الإيمان في ظل تحولات المشهد السياسي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نبيل السهلي
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
تحميل المزيد