وفقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تقع في مصر حالة طلاقٍ كل دقيقتين. هذه حقيقة مفزعة ودليل دامغ على أن السُّلم المجتمعي بمصر في خطر. ومع ذلك، لا تتوقف قوى عديدة عن محاولات الدفع في اتجاهين: تسويق الطلاق على أنه حرية، والتخويف من الزواج.
تأتي هذه المحاولات في صورة أعمال درامية، وبرامج تلفزيونية لا تظهر فيها غير "الفيمنست" المتشددات، وصحافة تفرد مساحات كبيرة لأخبار ضرب وسحل وقتل زوجات لأزواجهن أو أزواج لزوجاتهم، إلخ. كل هذا مفهوم، لأن كل هذه المحاولات تأتي من جهات تسعى للشهرة والترندات، لكن أن تتوسع دائرة هذه المحاولات لتشمل رجال دين يمثلون مؤسسات دينية يفترض فيها- بحكم دورها الاجتماعي- حض الأسر على الاستقرار وتشجيع الشباب على إكمال دينهم صيانةً لأعراضهم فهذا أمر جديد يجب التحذير منه.
لو تصفحت الصحف المصرية على الإنترنت بحثاً عن فتوى أو رأي فقهي في علاقات الأزواج، فسترى عناوين لافتة للنظر لا تهدف إلى شيء غير تفتيت عروة الزواج والدفع بالأزواج للطلاق. وهذه الآراء والفتاوى منسوبة في أغلبها لدار الإفتاء المصرية أو لأساتذة فقه بجامعة الأزهر، وهذا يعني أننا أمام فتاوى رسمية أو شبه رسمية لا مجرد فضفضة على وسائل التواصل من أناس غير متخصصين.
وتشمل هذه الآراء الفقهية أو الفتاوى الحكم بأن خدمة الزوجة لزوجها ليست واجباً عليها وإنما من باب تفضُّلها عليه، وأن مرتب الزوجة جزء من ذمتها المالية المستقلة؛ وبالتالي لا يحق للزوج أن يجبرها على الإنفاق منه على البيت، لأنه هو القيّم على بيته والمسؤول عن الإنفاق عليه، وأن خدمة الزوجة لأم زوجها (حماتها) ليست واجبة عليها، وأن للمرأة التي ساعدت زوجها في تكوين ثروة حقَّ الكد والسعي في تركة زوجها وهذا يخول لها الحصول على جزء من ثروته يتناسب مع جهدها، إضافة إلى نصيبها الشرعي في تركته.
وإذا قرأت هذا المشهد كله جملة واحدة، فستخرج بسؤال واحد: ما الذي يدفع الشاب إلى الزواج؟ ما الذي يدفعه للعمل في عدة وظائف أو يقترض من البنك أو يأخذ كل مدخرات والده ووالدته ليوفر مالاً كافياً لشراء أو استئجار شقة وفرشها وشراء شبكة وهدايا وذبح ولائم وعقد قَرَان وحفل زواج؟ بالطبع، يفعل الشاب كل هذا للحصول على شيء في مقابله.
أما إذا كان المقابل هو أن يقوم الزوج بخدمة نفسه، وألا يمس مرتب زوجته التي يُطالَب- من الناحية الشرعية بوصفه القيّم عليها- بالإنفاق عليها من كل الوجوه، وأن يتحمل مصاريف إضافية نتيجة غيابها عن البيت وتعبها في العمل وعدم وجود الوقت الكافي عندها لرعاية الأطفال، فالنتيجة هي عزوف الشاب عن الزواج بالكلية؛ لأن الزواج بالنسبة له استنزاف مادي وبدني.
أما بالنسبة لحالات الزواج القائمة بالفعل والمستقرة تماماً أو إلى حد ما، فتأتي هذه الفتاوى والآراء الفقهية لتخرجها عن إطار الاستقرار وتؤلب الزوجات على أزواجهن؛ فيحدث خلل ومطالبات بالطلاق تحت مسمى المطالبة بالحقوق الشرعية في ظل ظروف اجتماعية لا يستطيع فيها الرجال تلبية كل ما يُطْلَبُ منهم.
لا يعني هذا إنكار أن هناك الألوف من الزوجات يحملن هموم أسرهن بالكامل بعد وفاة أزواجهن أو أثناء حياتهن مع أزواج ذكور لا رجال. ولكن هذا ليس القاعدة وإنما استثناء لا يستحق أن تصدر بسببه كتائب من الفتاوى والآراء الفقهية التي تُحَمِّل الرجالَ كلَّ الهموم المادية وتحرمهم حتى من "لقمة وهدمة نظيفة".
ولا يعني هذا كذلك أن تصير المرأة أَمَةً في بيتها، وخادمة لا قيمة لها في النهار، ومكاناً لقضاء شهوة الرجل بالليل؛ فالزوجة هي السكن لزوجها، والزوج هو الأمان لزوجته، أو هكذا يجب أن يكون كل منهما للآخر. والزوج والزوجة هما جبهة أمان وحنان للأبناء، أو هكذا يجب أن يكونا كذلك. أقول "يجب أن يكون"، لأننا- في الغالب الأعم- فقدنا هذه الأحاسيس والمشاعر وصار كل منا ينتظر من الآخر ما يمكن أن يفيد به فقط.
وفي مثل هذه الظروف، يجب على كل من يتصدر للفتوى أن يبحث في الفقه عن آراء تُقِيم الزواج على أساسه الوحيد السليم، وهو أن يكون مودة ورحمة وسكناً؛ حتى ينصلح حال المجتمع، لا على الفتاوى المحرضة والأسانيد الواهية التي قد تكون خاصة بزمن معين، والتي تجعل من الزواج "بيعة وشَرْوة" يحرص كل طرف فيه على أن يكسب منه ولا يقدم أي تنازلات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.