أصدرت 330 شبكة حقوقية فلسطينية وعربية ودولية، تضم 1800 من منظمات المجتمع المدني، الأسبوع الماضي، بياناً يرفض الهجمة الإسرائيلية ضد المؤسسات الفلسطينية، واقتحام جيش الاحتلال ومصادرة وتدمير محتويات سبع منظمات فلسطينية تعمل في مجال حقوق الإنسان، ودعم صمود المجتمع الفلسطيني بفئاته المختلفة في الضفة الغربية.
البيان أشار إلى نقاط أساسية ومنهجية تتعلق بعدم مشروعية ما يقوم به الاحتلال، والدعوة لأوسع درجة ممكنة من التضامن المحلي والعربي والدولي مع تلك المؤسسات، من أجل خوض معركة مفتوحة متعددة المستويات مع الاحتلال، لإفشال وهزيمة مخططاته التي لا تستهدفها فقط، وإنما الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
القصة باختصار أن وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس، أعلن في نهاية العام الماضي، عن 6 منظمات من المجتمع المدني الفلسطيني كإرهابية، ويتعلق الأمر بمؤسسات الضمير والحق وبيسان واتحاد المرأة ولجان العمل الزراعي "والصحي"، والجمعية العالمية لدعم الطفل، فرع فلسطين.
غانتس كان قد استند إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي سنّه الكنيست في العام 2016، لتبرير الهجمة ضد المنظمات الفلسطينية، حيث بدأ الأمر مع الصندوق القومي الفلسطيني في العام 2017، ثم أربع جمعيات أهلية في العام 2020، ثم المنظمات الست، علماً أن السيف لا يزال مسلطاً على رؤوس منظمات ومؤسسات حقوقية وأهلية أخرى.
تحفّظ الاتحاد الأوروبي الذي يموّل أو يُسهم في تمويل تلك المؤسسات على الاتهامات الإسرائيلية، عند إعلانها نهاية العام الماضي، وطالب بأدلة ملموسة عليها، وارتفع الصوت أكثر مع مداهمة مقرّاتها وإغلاقها، كما انضمت الولايات المتحدة إلى طلب توضيحات وتفاصيل إضافية من الحكومة الإسرائيلية، علماً أن الاتحاد كان قد تلقى أصلاً أدلة عن دعم مزعوم للإرهاب، واعتبر أنها غير كافية وليست صلبة وراسخة، بينما قال تقرير لوكالة رويترز، منذ أيام، نقلاً عن مصادر مقربة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إن الأدلة الإسرائيلية التي حلّلتها الوكالة أكدت ضعفها، وعدم إمكانية الاعتداد أو الأخذ بها.
مبدئياً، لا يملك الاحتلال الشرعية لاتهام مؤسسات فلسطينية بالإرهاب، ولا يملك الحق في التدخل بنمط حياة الشعب الفلسطيني الذي يملك حق المقاومة بكافة الأشكال والأساليب الممكنة، بينما الاحتلال نفسه إرهابي وغير شرعي حسب المواثيق والشرائع الدولية كافة.
إلى ذلك تمثل الممارسات الأخيرة ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة تعبيراً عن المزاج السياسي الحاكم الآن في الدولة العبرية، والذي ما فتئ ينحاز إلى اليمين المتطرف خلال السنوات الأخيرة، مع تقرّب وتزلّف إلى المستوطنين من قبل بيني غانتس والمؤسسة الحاكمة بشكل عام.
ورغم ذلك كله فقد استند اتهام المؤسسات الفلسطينية بالإرهاب إلى أدلة واهية ومفبركة، وإسرائيل تعرف ذلك بالتأكيد، ولكنها تسعى من ورائه إلى تحقيق عدة أهداف، أولها فرض سطوة الاحتلال وفق قاعدة الأمر لي، عبر التحكم التام في حياة الفلسطينيين، وتحديد ما هو مسموح لهم وما هو ممنوع عليهم.
ثاني الأهداف يتمثل في وضع تلك المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الفلسطينية كلها تحت الضغط والابتزاز، وإجبارها على التموضع في خانة الدفاع عن النفس، وبالتالي منعها من القيام بمهامها الأساسية، المتمثلة في فضح جرائم الاحتلال، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، خاصة الشرائح الضعيفة في مواجهتها.
لا شك أن إسرائيل تسعى كذلك إلى استنزاف قدرات الشعب الفلسطيني وإشغاله في معارك وجبهات متعددة، لمنعه من التفرغ للحرب الأساسية، المتمثلة في كنس الاحتلال، ونيل السيادة والاستقلال وتقرير المصير.
لا يجب تجاهل البعد الخاص بسعي الاحتلال لمنع الشعب الفلسطيني من امتلاك مؤسسات رسمية وغير رسمية قوية وفاعلة، يفترض أن تمثل نواة للدولة المستقبلية، بحيث تزعم إسرائيل أن الفلسطينيين لا يملكون القدرات والمؤهلات والبنى التحتية للاستقلال، وحكم أنفسهم بأنفسهم في دولة مستقلة كاملة السيادة.
وبالعموم، تمثل الممارسات ضد المؤسسات الفلسطينية دليلاً إضافياً على سياسة الفصل العنصري، مع دعم إسرائيلي رسمي متنامٍ ومتسع للمستوطنات، وبعضها غير قانوني، حتى وفق الاحتلال نفسه، كما هو الحال فيما تسمى البؤر العشوائية وغير القانونية، ومن ناحية أخرى التضييق على المؤسسات الشرعية الفلسطينية وفق القانون الفلسطيني والمواثيق والشرائع الدولية ذات الصلة، وهذا بالتأكيد دليل صارخ وموصوف لا يقبل الشك على نظام الفصل العنصري "الأبارتهايد"، الذي تتبعه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، كما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمات حقوقية مرموقة أخرى، بما فيها منظمة بيت سيليم الإسرائيلية نفسها.
أما فيما يخص الرد على الهجمة الإسرائيلية، فلا بد أولاً من دعم المؤسسات المستهدفة، وخوض المعركة المفتوحة معها ضد الاحتلال، وفضحه، على قاعدة أن خطواته غير قانونية وغير شرعية، خاصة مع العجز عن تقديم أدلة واضحة وملموسة على اتهاماته الصورية، علماً أن المقاومة ليست إرهاباً بأي حال من الأحوال ووفق مواثيق الأمم المتحدة والشرائع الدولية ذات الصلة.
في هذه المعركة ثمة دور مهم يجب أن تلعبه السلطة في رام الله – على علاّتها- بوصفها القيادة المعترف بها للشعب الفلسطيني، ولا يقتصر الأمر فقط على ضرورة حماية تلك المؤسسات وتمكينها من ممارسة عملها وأداء رسالتها، وإنما نقل القضية للدفاع عنها خارجياً، بما في ذلك نقل الملف إلى المحاكم الدولية ذات الصلة، لتجريم الاحتلال، وإنهاء إفلاته من المحاسبة والعقاب.
ثمة دور مهم ومركزي لمؤسسات المجتمع المدني نفسها، في ضرورة الصمود والمضي في مقاومة الاحتلال وتجلياته، بما فيها ممارساته غير الشرعية ضدها، ومخاطبة المؤسسات الدولية لخوض معركة متعددة الأبعاد قضائياً وسياسياً وإعلامياً وجماهيرياً أمام الرأي العام، لنزع الشرعية عن الاحتلال وممارساته وجرائمه، بما في ذلك الدليل الساطع على ذلك في هجمته ضد المؤسسات الشرعية المستهدفة.
هناك دور مهم أيضاً للجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية في الشتات، المطالبة ببذل جهود حثيثة لدعم دور تلك المؤسسات ضمن مهامها وواجباتها، لجهة دعم صمود الشعب الفلسطيني بشكل عام، وفضح إسرائيل، ونزع الشرعية عنها.
قال السيد عبد الحق شعوان، مدير عام مؤسسة الحق، في لقاء مع موقع عرب 48، السبت الماضي 27 أغسطس/آب، إن هجمة الاحتلال تعود إلى ثلاثة أسباب مركزية، تتمثل بسعي مؤسسته ورفيقاتها إلى محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، وجهودها لنزع الشرعية عن المستوطنات، ومحاسبة الشركات الدولية العاملة فيها، والسبب الثالث والأهم يتمثل بفضح نظام الفصل العنصري الذي تتبعه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي أصبح دارجاً على لسان منظمات حقوق الإنسان الدولية.
هذه تمثل ولا شك الخطوط العريضة لمعركتنا جميعاً في مواجهة الهجمة التي تستهدف مؤسساتنا الفلسطينية، والتي تحتاج إلى عزيمة وإرادة للمضي فيها قدماً، والانتصار فيها يبدو مضموناً وبمتناول اليد، ما يقدم مزيجاً من الأمل والتفاؤل في الانتصار كذلك بحرب التحرير الماراثونية الطويلة ضد الاحتلال نفسه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.