المسألة أكبر من بيع أصول!.. هل تتجه الدولة المصرية نحو خصخصة قطاع الرياضة أيضاً؟

عدد القراءات
750
تم النشر: 2022/09/01 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/01 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش

 بسبب الصدمات الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية وازدياد الضغط على الاقتصاد المصري، لجأت الحكومة إلى انتهاج سياسة تهدف إلى زيادة مشاركة القطاع الخاص وتخارج الدولة من بعض الأنشطة والقطاعات الاقتصادية.

وتسعى الحكومة المصرية إلى توسيع قاعدة الملكية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، لرغبتها في توفير عملة أجنبية، وتعويض أزمة هروب الاستثمارات الخارجية من مصر، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي وارتفاع الدين الخارجي إلى مستويات غير مسبوقة، والتزامها بدفع مستحقات الديون وفوائدها.

 وبعد إعلان الحكومة خطة لبيع أصول تمتلكها الدولة من قطاعات اقتصادية وشركات كبرى للاستثمار الخارجي بهدف جذب رؤوس الأموال، حصلت على أكثر من 22 مليار دولار من الودائع والاستثمارات من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.

وتركزت تلك الاستثمارات في القطاع المالي والمصرفي وشركات مدرجة في البورصة في مجال العقارات والأسمدة وتداول الحاويات.

هل تتجه الدولة نحو خصخصة قطاع الرياضة

وتأتي هذه التطورات أيضاً في ظل الحديث المتزايد عن تدهور المنظومة الرياضية المصرية، بما يستدعي البحث عن حلول للنهوض بها، وإمكانية استغلال الأندية التي تملكها الدولة وتحويلها من عبء لمصدر للدخل والاستثمار، وعن طريق تحويل ملكية الأندية الرياضية إلى القطاع الخاص، وتوسيع الملكية الخاصة بها، ومنح القطاع الخاص دوراً أكبر في الاقتصاد الرياضي.

 ونفترض هنا إمكانية أن تتجه الدولة نحو خصخصة القطاع الرياضي، وطرح الأندية الرياضية التي تملكها للاستثمار، سواء عن طريق بيع جزء من ملكيتها أو طرحها في البورصة، هل يمكن أن تطال الخصخصة القطبين الكبيرين في الرياضة المصرية، الأهلي والزمالك؟

جذب الأنظار إلى الخصخصة

في 12 يونيو/حزيران الماضي اقترح رجل الأعمال نجيب ساويرس، خصخصة الأندية وإبعاد الدولة عنها من أجل إصلاح منظومة الكرة في مصر، مشيراً إلى تجربة الدوريين الإنجليزي والإسباني، ووجود رجال أعمال يملكون الأندية مثل تشيلسي ومانشستر سيتي.

رجل الأعمال نجيب ساويرس

وأضاف ساويرس: "يجب خصخصة الأندية في مصر وتحويلها إلى شركات مدرجة في البورصة، وهناك جمعية عمومية تراقب"، وقال إن الأندية المصرية تعاني مزيجاً من تدخل الحكومة والفساد الإداري.

وبالطبع فلا يمكننا التعامل مع ما قاله نجيب ساويرس على أنه حديث عابر، فمن المعروف أنه يتمتع بعلاقات تعاون مع النظام المصري في مشاريع اقتصادية كبرى، ويحظى بثقة من قبل دوائر الاستثمار الخارجي.

ومن المرجح أن يكون حديث رجل الأعمال التي تتخطى ثروته، 3,4 مليار دولار، أتى في إطار استشراف المستقبل بشأن خصخصة الأندية المصرية، أو ربما توجيه صُناع القرار وأصحاب الاستثمارات إلى هذه الخطوة المهمة والقادمة لا محالة.

ماذا تعني خصخصة الأندية؟

تعني خصخصة الأندية الرياضية أن تُعاد ملكيتها للأفراد بدلاً من الدولة، أو تحويل النادي لشركة قطاع خاص تستثمر في مجال الرياضة، وأن تخرج الأندية من تحت عباءة المؤسسات العامة، إلى مظلة المؤسسات الخاصة، من شأن هذا أن يسهم بشكل فعال في جذب الاستثمارات، ويخفف العبء على خزانة الدولة.

والواقع أن فكرة الاستثمار من خلال امتلاك الأندية الرياضية، ليست حديثة، وهي فكرة شرعت فيها الكرة الأوروبية منذ وقت طويل لدرجة أصبحت معها الأندية الكبرى الغنية في أوروبا تشكل تجمعاً قوياً منذ عام 2000 يسمى مجموعة الـ14 الكبار أو G14 للدفاع عن مصالحها وحقوقها في مواجهة السلطات الرياضية الدولية والقارية.

وبدأت الاستثمارات العربية في مجال شراء أندية كرة القدم في الانتشار بشكل سريع، وتزايد الاستحواذ على ملكية الأندية العالمية، و بأندية بلغت قيمتها المليارات، وأهمهم نادي مانشستر سيتي الإنجليزي المملوك لمجموعة أبوظبي المتحدة للاستثمار والتطوير التي يمتلكها الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، كما تمتلك المجموعة 9 أندية في 5 قارات بالوقت الحالي.

 وتمتلك شركة قطر للاستثمارات الرياضية (QSI) التي تملكها العائلة المالكة في قطر، نادي باريس سان جيرمان التي تبلغ قيمته حوالي مليار و120 مليون يورو، ومنذ شهور قليلة استحواذ صندوق الاستثمار السعودي على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، ضمن خطة مستقبلية، لشراء مزيد من الأندية الأوروبية، ومنها إنتر ميلان الإيطالي، وأولمبيك مارسيليا الفرنسي.

 وتعني خصخصة الأندية بُعدين، سياسي واقتصادي، فمن الناحية الاقتصادية تسعى لاستغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى بالنسبة للقطاع الرياضي،  وتساهم الأندية الرياضية في بناء الاقتصاد، باعتبار الرياضة إحدى ركائز تنويع الاقتصاد، والتي تسهم بأداء أفضل للنادي الرياضي بما يحقق له نتائج وأرباح هائلة، كما أن الأندية تعتمد على ما تنتجه مستوى الفريق الفني ونتائجه، وما تأتي به إلى خزائنها نتيجة عملها ونجاحاتها وجماهيريتها.

 أما من الناحية السياسية فالخصخصة تدعو لاختزال دور الدولة ليقتصر على الخدمات الاجتماعية والأمن الداخلي فيما يتعلق بالفضاء الرياضي، لذلك تتجاوز فكرة الخصخصة مسألة بيع أصول أو نقل ملكية لتكون بمثابة نقلة اقتصادية واجتماعية وسياسية كبرى، وفلسفة جديدة لدور الدولة في الرياضة، يقابلها تضخم لدور رجال الأعمال والشركات في القطاع الخاص التي تستطيع استغلال الأندية الحكومية وقاعدتها الجماهيرية الكبرى في النفوذ السياسي.

ومن الحالات التي ينطبق عليها هذان البُعْدَانِ من الخصخصة، هما النموذجان الأبرز في الساحة الرياضية العالمية: "مانشستر سيتي – باريس سان جيرمان".

وكانت الحالة العابرة لتركي آل شيخ، كرئيس شرفي للنادي الأهلي في سنة 2018 نموذجاً لما يمكن أن يحدثه توجه الخصخصة في الكرة المصرية سياسياً، ولك أن تتخيل الوضع الذي كان يمكن أن يحدث لو كانت ملكية النادي الأهلي أو غيره من الأندية الجماهيرية متاح الاستثمار بها وتملكها، لاختلف حينها نهج رئيس هيئة الترفيه السعودي، وما كان ليلجأ إلى شراء نادي الأسيوطي وتغيير اسمه لنادي بيراميدز من أجل فرض وجوده في الرياضة المصرية، وهو ما أثبت أن الاستثمار في الرياضة كما قلنا ربما يحمل أبعاداً أخرى غير البعد الرياضي والاقتصادي، حيث إن نادي بيراميدز الذي أصبح النادي الأكثر إنفاقاً على الصفقات في إفريقيا في العقد الأخير كما يشير تقرير اقتصاد الشرق، لم يحقق الأرباح المالية أو النجاح الرياضي الذي يتناسب مع حجم إنفاقه.

نادي بيراميدز

اتجاه نحو الخصخصة

وبدا أن الدولة المصرية تحاول أن تتحرر من مسؤوليتها تجاه الأندية الحكومية بعد إقرار قانون الرياضة رقم 71 لعام 2017 والذي سمح للأندية الحكومية أن تصنع شركاتها الخاصة الاستثمارية للرياضة، والتي تستطيع من خلالها أن تحقق استثمارها الخاص من خلال العديد من المشاريع.

وكجزء من برنامج الطروحات الحكومية في البورصة ولزيادة مشاركة القطاع الخاص، في 12 يونيو/حزيران الماضي، طرحت وزارة قطاع الأعمال أسهم نادي غزل المحلة لكرة القدم في البورصة المصرية، وأعلنت فتح الاكتتاب العام لشركة غزل المحلة لكرة القدم، ليصبح أول نادٍ مصري وعربي في البورصة، ويدخل مجال الاستثمار كشركة مساهمة.

وتم تأسيس شركة "غزل المحلة لكرة القدم" في يناير/كانون الثاني 2021، تحت مظلة "مؤسسة مصر للغزل والنسيج" التابعة لوزارة الأعمال، والتي كان النادي تابعاً لها منذ تأسيسه عام 1936، وتم إطلاق الشركة، تماشياً مع استراتيجية الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا بخصوص "المنافسة المالية العادلة" Financial Fair Play.

ويتكون رأس مال الشركة من حصة عينية لشركة مصر للغزل والنسيج، قيمتها 65 مليون جنيه، مقابل حق الانتفاع بالاسم والاستاد لمدة عشرين سنة. وتم زيادة رأس المال بمقدار 37 مليون جنيه، بمشاركة مستثمرين ومؤسسات مصرية وخليجية، في اكتتاب خاص، ليصبح رأس المال المدفوع 102 مليون جنيه، قبل طرح الزيادة بمبلغ 98 مليون جنيه للاكتتاب العام.

ويمكننا أن نعتبر هذه الخطوة بمثابة تجربة لجس نبض ذلك التوجه الاقتصادي الذي أصبح يغلب على السياسة الاقتصادية للحكومة المصرية، ولقياس مدى النجاح والفشل، والقبول أو الرفض. 

وفي حديثنا مع أحد  المحللين الاقتصاديين في شؤون أندية كرة القدم، والذي رفض ذكر اسمه، قال: "من الصعب  في الوقت الحالي خصخصة الأندية في مصر بسبب تعدد أنواع الأندية سواء أهلية أو أندية مؤسسات منها العسكرية".

 ويضيف: "ما زال العائق القانوني هو ما يقف أمام أي محاولة للخصخصة أو الاستثمار، فالقانون يشترط عدم أحقية المستثمرين، سواء أفراد أو شركات في ملكية أكثر من 49%؜ من حصة النادي، وبالتالي فإن الحصة الأكبر هي ملك للنادي، وهو ما يعني أن مجلس إدارة أي نادٍ هو صاحب القرار، وهو ما لا يشجع أي مستثمر للإقدام على أي خطوة لا يستطيع التحكم من خلالها في إدارة الأموال التي يضخها وينتظر منها جني الأرباح".

ولكن رغم كل ذلك يرى المصدر أن إمكانية خصخصة أندية كرة القدم في مصر ليس أمراً بعيداً أو مستحيلاً، وأن الأمر يمكن أن يحدث مع إجراء تغييرات هيكلية في بنية وقوانين كرة القدم في مصر، ويقول: إنه "لو تم تعديل القانون ووجدت بيئة الاستثمار المناسبة سيكون هناك ملاك للأندية ورؤوس أموال كبيرة، ومزيد من الإدارات ذات الكفاءة في الأندية صاحبة القاعدة الجماهيرية، وأن الكرة المصرية تملك أنديتها شعبية ضخمة، هي بلا شك تُعد عاملاً مهماً وجاذباً للاستثمارات، إذا هيأت الحكومة البيئة والقوانين المناسبة لذلك.

بالأرقام ودونها

حين يتعلق الأمر بلغة الأرقام الإحصائية لعدد جماهير كرة القدم المصرية، يتسم الأمر بالادعاءات بين جماهير ناديي الأهلي والزمالك حول الأكثر شعبية، أكثر من الإحصائيات الصادقة، بل ربما تغيب أي إحصائيات دقيقة على الإطلاق، ولكن يمكننا الاستدلال بأداة قياس سهلة من خلال الاستخدام اليومي للسوشيال ميديا.

فيكفي أن يعرف المرء أن النادي الأهلي المصري تحظى حساباته على تطبيقات التواصل الاجتماعي بنسبة المتابعة الأعلى في الوطن العربي وقارة إفريقيا وداخل مصر بواقع 35 مليون متابع، أما نادي الزمالك فيأتي في المرتبة الثالثة بواقع 14 مليون متابعاً، وحتى نادي بيراميدز المؤسَّس حديثاً في الكرة المصرية استطاع أن يصنع شعبيته الخاصة على السوشيال ميديا بواقع 3 ملايين متابع.

وتلك الإحصائية البسيطة والتي تشوبها بالطبع بعض الشوائب، مثل أنه يمكن لشخص أن يتابع ناديه من خلال حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي الخمس: "يوتيوب\فيسبوك\إنستغرام\تيك توك\تويتر" فيشكل نسبة خمسة متابعات محسوبة، ولكن وراءها شخص واحد، إلا أنها ما زالت إحصائية تعبر عن رقم كبير واهتمام، وذلك فيما يتعلق بمستخدمي الإنترنت فقط في مصر.

وحالة محمد صلاح أيضاً، الذي تزيد نسبة متابعة الأندية التي يلعب عليها على السوشيال ميديا كلما انتقل من نادٍ إلى الآخر، دليل على الكتلة التشجيعية الكبرى في مصر.

وفي الواقع، يمكننا أن نستعيض عن لغة الأرقام تلك ببعض الملامح من الحياة في مصر التي تعبر عن شعبية كرة القدم الجارفة، فقد استطاعت كرة القدم أن تمرر الكثير من الكوارث السياسية خلال السنوات الماضية ولعل أبرزها كارثة غرق عبارة السلام المصرية في الثالث من فبراير عام 2006، والتي شفعت لها صورة الرئيس مبارك وأسرته الحاضرين في نهائي كأس الأمم الإفريقية في استاد القاهرة الدولي في السادس من فبراير/شباط 2006م ليشارك شعبه الذي لا يترك مكاناً لقدم في الاستاد، فرحته بتحقيق منتخب مصر للبطولة.

وقد وعت روابط المشجعين "الأولتراس" لذلك التأثير الذي يمارسه الساسة، مستغلين القاعدة الشعبية الكبيرة لمشجعي كرة القدم في مصر لتمرير أمور كثيرة، وتغييب وعي الشعب، فمنذ عام 2007 حفلت أغاني روابط المشجعين تلك بكلمات تشرح ذلك الوضع، وقد كانت روابط الأولتراس تلك نفسها بأعداد المنتمين لها من مشجعي كرة القدم مؤثرة في صناعة الحدث السياسي في مصر في ثورة يناير وما بعدها، حتى أن الدولة صادرتها في النهاية بتهمة أنها جماعات إرهابية.

ولا يزال أمام القائمين على النشاط الرياضي في مصر العديد من الخطوات، والأمور الواجب العمل عليها للوصول إلى خصخصة الأندية، ومنها تغيير القوانين والهيكل الإداري الحاكم لها، وتنويع مصادر الدخل لدعم ميزانيات الأندية، من تذاكر المباريات، والبث التليفزيوني، وزيادة مستوى الحضور الجماهيري، وغيرها من المجالات ومصادر الدخل التي يمكن استغلالها لتوفير العائد المالي المناسب الذي يمكن أن يجذب الاستثمارات.

ولكن، ما يواجه اتجاه الخصخصة هو مسألة سياسية أكثر منها اقتصادية، فبالتحول إلى الخصخصة ستفقد الدولة سيطرتها على إدارة دفة الأندية الجماهيرية الكبرى المؤثرة مثل الأهلي والزمالك والمصري والإسماعيلي والاتحاد السكندري، إلا إذا كان مشروع الخصخصة في مصر سيتجه إلى صوغ علاقات كريولية مع رجال أعمال من الباطن، مثلما نفذت الدولة ذلك المشروع في الإعلام والإنتاج الفني على مدار السنوات الماضية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عادل
كاتب وباحث مصري
مصطفى علي
كاتب مصري
مدون مصري، مهتم بالسينما والتاريخ والمجتمع، حاصل على بكالريوس كلية إعلام القاهرة.
تحميل المزيد