ربط الأطفال بالفراش وتعميد المرضى قسراً قبل الموت.. الوجه الأسود للأم تريزا “ملاك الجحيم”!

عدد القراءات
3,194
عربي بوست
تم النشر: 2022/08/31 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/31 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
القديسة والراهبة الهندية الأم تريزا / تويتر

في يوليو 2018، تفجّرت فضيحة كبرى في الهند، بعدما اكتشفت السُّلطات قيام ملجأ ببيع الأطفال مقابل أسعار تتراوح بين 550 و1400 دولار لقاء الطفل الواحد.

أكثر ما زاد من اشتعال تلك الفضيحة هو أن ذلك الملجأ جزء من "إمبراطورية دُور الرعاية" التي دشنتها القديسة الكاثوليكية الشهيرة الأم تريزا، وهو ما أعاد الجدل مُجددًا حول حقيقة دورها الخيري حول العالم، وهل تستحق تلك المكانة التي وصلتها أم لا.

بسبب تلك الواقعة -وعشرات أخرى غيرها- فالتناقض يحضر هنا في أبلغ صوره؛ لأنها تتعارَض مع الصورة الكلاسيكية التي تبارت وسائل الإعلام العالمية على تقديمها للناس عن القدّيسة الكاثوليكية تريزاهو جهودها الجمّة لرعاية الفقراء وتقديم الخدمات الصحية للمحتاجين في أكثر الأماكن بؤسًا في العام.

هذه الأنشطة كفلت لها مجداً لم تحققه امرأة في القرن الـ20 تُوّج في حياتها بمنحها جائزة نوبل للسلام، وبعد موتها بمنحها ترقية كنسية ضخمة؛ فخلال الاحتفال بالذكرى الـ19 لوفاتها عام 2016م، أعلن فرانسيس، بابا الفاتيكان، أمام مليون فردٍ من أتباعه الكاثوليكيين المتجمّعين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان اعتماد الأم تريزا قديسة.

على الرغم من الوضع "الأيقوني" للأم تريزا كمُرادف للخير المُطلق والرغبة الخالصة في مساعدة الفقراء والمرضى حول العالم، فإن تلك الصورة الوردية لم تكن على هذا النحو من المثالية؛ فالثوب الكاثوليكي الأبيض للأم تريزا لطّخته عدة شوائب لم يعتنِ الكثيرون في التركيز عليها حرصًا على عدم إفساد صورة القديسة الأشهر في تاريخ الفاتيكان.  

ملاك الجحيم

الأم تريزا

الطبيب البريطاني أروب تشاترجي (Aroup Chatterjee) الذي وُلِد في مدينة كلكتا الهندية، المدينة التي شهدت أغلب النشاط الخيري لتريزا، وألّف كتابًا عن نشاط الأم تيريزا في المدينة بعنوان "الأم تريزا: الحُكم النهائي"، صرّح بأنه يعتقد بأنها تسبّبت بضررٍ أكبر للناس أكثر من نفعهم.

يقول تشاترجي: اعتنقت تريزا أيديولوجيا مسيحية ظلامية شديدة السلبية لا تختلف كثيرًا عمّا كان سائدًا في العصور الوُسطى.

في عام 1994، خرج إلى النور الفيلم الوثائقي "ملاك الجحيم" Hell's Angel، ناقش الفيلم الذي تبلغ مدته 23 دقيقة العديد من المقاطع الصوتية للأم تريزا التي تستعرض فيها آراءها شديدة المُعارضة لحق النساء في الإجهاض وفي منع الحمل، وكلها آراء مُخلصة لنهج الكنيسة الكاثوليكية في هذا الصدد.

كما سلّط الفيلم الضوء على علاقتها الوطيدة مع جون كلود دوفالييه رئيس هاييتي، الذي ورث الحُكم عن والده، واتُّهم طيلة فترة حُكمه بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان حتى اضطر إلى التنحي عن الحُكم إثر انتفاضة شعبية عام 1986، رغم أن تريزا وصفته يومًا نظامه بأنه "صديق للفقراء".

وهناك صديق آخر لتريزا هو رجل الأعمال تشارلز كيتنج الذي تسبّب في أزمة مدخرات وقروض كبرى في الولايات المتحدة كلّفت الأمريكيين قرابة 124 مليار دولار. خلال محاكمته راسلت القديسة الكاثوليكية القاضي للرأفة بدعوى أنه "لطيف وكريم ويُساعد الفقراء"، فردَّ عليها القاضي بأن أغلب الضحايا المتأثرين بسياسات كيتنج هم الفقراء، وضرب لها مثلاً بنجارٍ بسيط خسر كل مدخراته خلال الأزمة، وفي النهاية حكم القاضي على صديق تريزا بالسجن 12 عامًا.

تمجيد المعاناة

الأم تريزا

في سياق استعراضه لمسيرة الراهبة الكاثوليكية، أكد فيلم "ملاك الجحيم" أنها كانت تُمجِّد دور المعاناة في تطهير الناس من الخطايا لذا كانت تمتنع عمدًا عن توفير الرعاية المناسبة لهم!

ونقل الكاتب كريستوفر هيتشنز عن الأم تريزا، أن تريزا كانت تعتقد أن المرضى والفقراء يجب أن يعانوا مثلما عانَى المسيح على الصليب، معتبرة أن "العالم يستفيد كثيرًا من تلك المعاناة".

هذا الادعاء الخطير لم يُبنَ على تلك الأقاويل بكل تأكيد، ففي عام 1994م أكدت دراسة إنجليزية أن الكثيرين من المرضى لم يتم إسعافهم كما يجب بعدما لجأوا إلى مؤسسات الأم تريزا، وأن أدوية أساسية حُجبت عنهم كانت ستُنقذ حياتهم لو ذهبوا إلى مستشفى طبيعي.

قدمت تلك الدراسة رقمًا مخيفًا للدلالة على صحة وجهة نظرها تمثّل في أن 40% من "مرضى تريزا" يموتون.

وفي دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة مونتريال عام 2003 فحصوا خلالها قرابة 300 وثيقة تخصُّ أعمال تريزا الخيرية، أكد الباحثون في تقريرهم عنها "طريقتها مشبوهة في رعاية المرضى، وإدارتها مشبوهة للكميات الهائلة من الأموال التي تدفقت عليها، كما أنها اعتنقت آراء متشددة بخصوص قضايا الطلاق ومنع الحمل والطلاق"، وهو ما دفع الباحثون للقول بأن تيريزا تمتلك "رؤية مزعجة للعالم".

قال يرج لاريفي، أحد الباحثين في تلك الدراسة: الأم تريزا كانت متسقة تمامًا مع عقيدتها الكاثوليكية، بعدما اعتبرت أن مهمتها الأساسية ليست رعاية المرضى بل في مساعدتهم لأن يصلوا بسرعة وسلام إلى الآخرة. لذا فإنها كانت ترحب بالمحتضرين وترافقهم في لحظاتهم الأخيرة رغم أنها كانت تستطيع مساعدتهم عبر ملايين الدولارات التي تدفقت عليها، لكنها بدلاً من ذلك أرسلتها إلى الفاتيكان.

وفي عام 2005، تخفّى الصحفي الاستقصائي دونال ماكنتاير وعمل أسبوعًا داخل دارٍ تابع لمؤسسة تريزا لرعاية الأطفال المعاقين في كولتكا، أكد في مقاله أنه "رأى مشاهد مثيرة للشفقة، وأن الرعاية المُقدمة كانت قاسية وخطيرة".

حكى الصحفي أن ما يجري في تلك الدور هو "وصمة عار في تاريخ المسيحية"، بعدما رأى الأطفال المرضى وهم يُربطون في الفراش لإعطائهم الأدوية عنوة، وكيف أن الموظفين كانوا يحشرون الطعام في أفواههم من دون عناية.

نشأ هيتشنز في مدرسة كاثوليكية علّمته أن الأم تريزا هي أقدس نساء العالمين تأتي في المرتبة الثانية بعد مريم العذراء مباشرة، إلا أنه صُدم بما رآه في منظماتها الاجتماعية، وينقل عن بعض العاملين عدم بذلهم أي جهود حقيقية لرعاية المرضى لاعتبار الممرضين أن الشفاء سيكون من عند الله وحده، وأنه لو اختار للمريض الوفاة فتلك إرادته وحده!

عقب نشر ذلك التحقيق -المدعوم بالصور- تفقدت قوة من شرطة كولكتا المكان للتثبُّت من الوقائع التي تحدث فيه، لكنها لم تكن قادرة بالطبع عن اتخاذ أي إجراء ضد مؤسسة تحمل لقب الأم تريزا وإلا لحاربهم العالم الكاثوليكي كله. 

في الفيلم التسجيلي، أكد صحفي هندي أن كثيرًا من المرضى الذين لجأوا لمؤسسات تريزا عاشوا في ظروف جعلتهم أكثر مرضًا، وهو ما دفعه لتشبيه مستشفياتها بمعسكرات النازية!

لاحقًا، كشفت شهادات أحد العاملين في تلك المنظمة التبشيرية أن المسؤولين عن الرعاية الطبية ارتكبوا أخطاءً مروعة خلال تقديمهم الخدمات الطبية، إذ يقول: "كانوا يغسلون الإبر بماء الصنبور ثم يُعيدون استخدامها، كما أن الأدوية كانت تُعطى للمرضى رغم انتهاء مدة صلاحيتها".

وأضاف: أحيانًا كان يُعهد بمتطوعين قليلي التدريب -أو لم يتلقوا تدريبًا على الإطلاق- برعاية مرضى في حالات خطرة.

تثير هذه الأساليب علامات استفهام جمّة في ظِل أموال الضخمة التي كانت تتدفق على مؤسسات تريزا، فلماذا إذن أحجمت عن استخدامها في تحسين تقديم خدماتها الطبية كما يجب؟

يرجع ذلك إلى قناعتها بأن المرضى في الحالات الخطرة لا يحتاجون إلى رعاية طبية مناسبة، وإنما إلى تغذية إحساسهم الإيماني -الكاثوليكي طبعًا- حتى يموتوا بسلام في معية الله!

حتى النخاع، اعتنقت "مؤسسات تريزا" عقيدتها في الاستمتاع بالألم، فوُضعت تعليمات للراهبات العاملات في المنظمة بجلد أنفسهن وارتداء أسلاك ذات مسامير لتحقيق أكبر أذى ممكن باعتباره الطريق المزعوم لصفاء النفس!

المثير للدهشة -وللسخرية المريرة ربما- أن الأم تريزا نفسها حينما عانت من مشاكل في القلب لم تلجأ لأيٍّ من مؤسساتها العلاجية، وإنما سافرت إلى أمريكا وتلقّت الرعاية الصحية هناك.

دوافع خفية.. كاثوليكية!

الأم تريزا

القناعة الراسخة عند الأم تريزا هو أنها يجب أن تحوّل أكبر قدرٍ ممكن من الناس إلى الكاثوليكية بأي وسيلة كانت. وفي المناطق الفقيرة في الهند -مثل كلكتا- فإن الكنيسة اهتمّت بتقديم الخدمات الطبية للناس، ليس فقط بدافع مساعدتهم ولكن لجرِّهم إلى الكاثوليكية باعتبارها الوجه الخيّر الوحيد في العالم.

في هذا المضمار لعبت الأم تريزا دورًا أساسيًا، وهو ما يُفسّر لاحقًا حالة الاحتفاء المُبالغ بها من قِبَل الكنيسة حيّة وميّتة بسبب تفانيها في الإخلاص لنشر الكاثوليكية!

وهو ما يمكن فهمه أكثر إذا صدّقنا ما عرضه فيلم "الأم تريزا =: من أجل حُب الله" بأنها تستّرت على خطايا رجال الكنيسة في الهند، المتمثلة في إساءة القساوسة معاملة الأطفال، ولعبت دورًا في تحجيم تلك الأزمة.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو القس جون ماجواير، الذي اشتُبه في التحرش بالأطفال لكن تم التراجع لاحقًا عن احتجازه بسبب رسالة كتبتها تريزا أكدت فيها أنها "تثق به". تُرك القس ماجواير حرًّا لعقدٍ كامل ارتكب فيه مئات من جرائم الاعتداء على الأطفال حتى قُبض عليه عام 2005.

وفي كتابه "الموقف التبشيري: الأم تريزا بين النظرية والتطبيق"، أكد كريستوفر هيتشنز أن الهدف الأساسي للراهبة الكاثوليكية لم يكن التخفيف من معاناة الناس بل نشر قناعة دينية قائمة على تقبُّل الموت والمعاناة والخضوع للمرض والألم.

خلال مراحل إعداده للكتاب، أجرى هيتشنز لقاءً مع سوزان شيلدز، إحدى الموظفات السابقات في منظمة تريزا، أكدت في المقابلة أن القليل جدًا من أموال التبرعات -عادةً كانت تُودع في بنك الفاتيكان- كان يُنفق على الرعاية الطبية.

كما كشفت سوزان أن الأم تريزا كانت تقوم بعمليات تعميد على المحتضرين سرًّا، بينما كانت تستغل حالة المريض المتداعية وتطالبه بتكرار ما تقوله من كلمات للحصول على "تذكرة دخول إلى الجنة".

هذا النشاط استدعى انتقادات محلية هندية، مثل تلك التي صدرت عن موهان بهاجوات، الزعيم الهندوسي، الذي صرّح بأن عمل الأم تريزا له "دافع خفي"، مضيفًا: "أُجريت الكثير من عمليات تغيير الديانة إلى المسيحية الكاثوليكية مقابل تلقّي الخدمات الطبية".

وفي أكثر من مناسبة، تكرّر التعبير عن الامتعاض الهندوسي من ممارسات تريزا في بلادهم حتى أنهم منحوها لقب "حاصدة الأرواح".

بشكلٍ عام، مثّلت الأم تريزا أنجح حملة دعائية في التاريخ، بعدما أصبحت صورتها وهي ترتدي زيها الديني مرادفًا للخير، وهو ما صبَّ بلا شك في صالح تبييض سُمعة الكنيسة الكاثوليكية المتداعية إثر الفضائح المالية والجنسية التي تعرضت لها في العقد الأخير.

حرص الفاتيكان على استغلال "أيقونة تريزا" إلى أقصى درجة خلال حياتها وحتى بعد وفاتها؛ ففي المعتاد فإن متوسط الفترة بين وفاة الشخص وبين إعلانه قديسًا كان 181 عامًا تقريبًا، أما في حالة تيريزا فكانت 18 شهرًا فقط. فقد كسر البابا يوحنا بولس الثاني قواعد الفاتيكان بضرورة الانتظار مدة 5 سنوات قبل التحقيق في الوقائع التي ادّعى أبطالها مرورهم بمعجزاتٍ، أمر يوحنا ببدء تلك التحقيقات فورًا وهو ما سرّع عملية إعلانها قدّيسة.

معجزات وهمية

في سياق تبرير الفاتيكان لقراره بمنح القداسة للأم تريزا اعترف لها بمعجزتين تتعلّقان بشفاء رجلٍ برازيلي من ورمٍ دماغي كاد يودي بحياته عام 2008م، وبامرأة ريفية هنديّة ادّعت أنها شُفيت من السرطان بمجرد الصلاة أمام صورة تريزا!

حتى هاتان المعجزتان "المزعومتان" لم تمرّا بلا تشكيك، بعدما كشف زوج المرأة أنها شُفيت باستخدام الأدوية وليس بسبب صلاة تريزا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد متاريك
باحث في التاريخ وعلوم اللغة
باحث في التاريخ وعلوم اللغة، صحفي مصري، عمل محرراً في عدد من دور النشر.
تحميل المزيد