شردت 45 مليوناً وأغرقت 4 ملايين فدان زراعي.. كارثة سيول باكستان التي أعادتها 11 عاماً إلى الوراء!

عدد القراءات
652
عربي بوست
تم النشر: 2022/08/29 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/29 الساعة 08:57 بتوقيت غرينتش
سيول باكستان / الأناضول

قبل أيام صدمت سيول وفيضانات باكستان العالم، وظن الكثير أن هذه السيول والفيضانات وليدة اللحظة، أو أنها بسبب أمطار مكثت أياماً، ورمى البعض بالتهمة على الحكومة متهماً إياها بالتقصير في التعامل مع هذه الكارثة، فهل كان هذا الاتهام صحيحاً؟ وهل بالفعل صدقوا في ظنونهم؟

الحقيقة أن الأمطار لم تتوقف عن الانهمار على باكستان لمدة شهرين كاملين تقريباً، ولم يكن منسوب الأمطار التي سقطت متوقعاً أساساً، بل ولم يدُر بخلد أشد المتشائمين أن تتحول الأحداث بهذه الطريقة الفظيعة، ما جرى هو أن السدود فشلت في استيعاب كمية المياه المنقولة، إما بسبب الأمطار، أو حتى المنقولة من الهند وأفغانستان، وتسببت المياه المنقولة من أفغانستان إضافة إلى الأمطار بغرق إقليم بلوشستان، إذ بدأت عمليات الإنقاذ في الإقليم منذ شهرين تقريباً، وقد زار رئيس الوزراء شهباز شريف الإقليم قبل ثلاثة أسابيع للوقوف على ما يجري هناك، ولكنه لم يتخذ أي قرار تجاه السيول والفيضانات في الإقليم بعد عودته من زيارته.

بدأت الكارثة الفعلية قبل أسبوع تقريباً، حين بدأت الانهيارات الصخرية في إقليمي كلكت بلتستان وكشمير الحرة بسبب الأمطار، ومعها بدأت السدود الباكستانية بالامتلاء، إضافة إلى سقوط الأمطار بلا توقف على البنجاب وخيبر بختون، وحينها بدأت هذه السيول والفيضانات في التهام ما يأتي أمامها لتصحو باكستان على كارثة إنسانية لا مثيل لها في تاريخ باكستان.

 سيول باكستان
سيول باكستان / الأناضول

ينبغي ألا ننسى الانقسام السياسي الذي ألقى بظلاله على الوضع، إذ انشغلت الأحزاب السياسية بالمناكفات، وهو الأمر الذي لعب دوراً كبيراً في وصول الوضع إلى ما هو عليه، ففي حين يدعو الشعب الباكستاني سياسييه إلى الوحدة والتكاتف في هذه المرحلة الحساسة، تظهر الأنا وحب الذات جلية على الجميع، وهو ما كان واضحاً في تصريحات حزب الإنصاف على لسان زعيمه عمران خان، أو في اجتماع شهباز شريف مع القيادات الحزبية المختلفة لكنه لم يدع حزب الإنصاف، وهنا نقطة جديرة بالذكر، الحكم في باكستان فيدرالي، بمعنى أن كل إقليم يتمتع بصلاحياته وقوانينه الخاصة، بل وميزانيته الخاصة، ويمكن لهذا الإقليم الاقتراض من صندوق النقد الدولي دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، ولو نظرنا بهذه الطريقة، فسنجد أن لدى حزب الإنصاف ثلاثة أقاليم هي البنجاب وخيبر وكلكت وحكومة كشمير، لكن حزب الإنصاف تأخر جداً في التعامل مع السيول وبالذات في منطقة البنجاب وتحديداً جنوب البنجاب، ويعتبر إقليم السند الأكثر تضرراً بسبب وجود حزب الشعب الفاسد فيه، والذي أخذ يبتز المتضررين بمنحهم المساعدات، ولكن بشرط التصويت له في الانتخابات القادمة.

 عودة إلى الفيضانات والسيول، وصلت الأضرار حتى لحظة كتابة هذا المقال:

– غرق أكثر من 1100 شخص

– تدمير أكثر من مليون منزل، سواء كان ذلك بشكل كلي أو جزئي

– تشريد أكثر من 45 مليون شخص أضحوا بلا مأوى ولا مسكن

– نفوق أكثر من  مليوني رأس من الأنعام والماشية

– غرق أكثر من أربعة ملايين فدان زراعي

– تدمير أكثر من 80% من المحاصيل الزراعية لإقليمي السند والبنجاب

– تدمير أكثر من 38% من المحاصيل الزراعية لباكستان

– تدمير أكثر من 5000 كم من الطرق

– تدمير أكثر من 135 جسراً

– تدمير أكثر من 45 سداً صغيراً

لتبدأ الحكومة الباكستانية في مناشدة العالم من أجل إغاثة باكستان والشعب الباكستاني، وقام رئيس الوزراء شهباز شريف الخميس بعقد اجتماع مع ممثلين للمنظمات العالمية والأمم المتحدة، ما نتج عنه منح باكستان 500 مليون دولار على هيئة مساعدات إغاثية عاجلة، واجتمع شهباز بسفراء الدول والجمعيات العاملة في باكستان، الجمعة، من أجل بحث سبل إغاثة باكستان وشعبها.

كانت الصين الحليف الاستراتيجي لباكستان من أوائل الدول التي تبرعت بمساعدات عينية وإمدادات إغاثية، ولم تألُ المملكة العربية السعودية جهداً، إذ قامت بإرسال إمدادات عاجلة إلى إقليم السند مباشرة، تلا ذلك إعلان الهلال الأحمر الإماراتي بدء عملياته في باكستان، وكذلك قطر الخيرية والهلال الأحمر القطري، لتعلن دولة الإمارات عن بدء عمليات الإغاثة لباكستان وإمدادها الفوري بأكثر من 3000 طن من المساعدات الغذائية والطبية للمتضررين من السيول والفيضانات، تركيا كذلك أعلنت تضامنها مع باكستان، وأعلنت عن جسر جوي إغاثي وإرسال فريق عمل إغاثي لمساعدة باكستان، وقد وصلت شحنة تركية ثانية اليوم تحمل على متنها مساعدات للمتضررين.

لكن السؤال الأهم: هل هذه المساعدات كافية؟

الحقيقة أن الأضرار الناجمة عن السيول والفيضانات كارثية وبكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ أعادت هذه السيول والفيضانات باكستان 11 عاماً إلى الوراء، وقامت بتدمير البنية التحتية، وهو ما يجعل من الصعب الوصول إلى المتضررين، وحتى إيصال المساعدات اللازمة لهم.

لم تتوقف الآثار عند هذا الحد فحسب، إذ تكمن المشكلة في ما ستخلفه الفيضانات والسيول من أمراض وأوبئة، والأدهى من كل هذا هو أن باكستان الآن مشرفة على مجاعة لا مثيل لها، فهلاك 38% من إجمالي المحاصيل الزراعية حتى اللحظة ينبئ بكارثة، وموسم البرد الذي يطرق الأبواب الآن سيجعل من هذا المصاب مصائب كثيرة.

باكستان ليست بحاجة إلى مساعدات لحظية وآنية، بل هي الآن بحاجة إلى إعادة إعمار، فقد دمرت السيول البنية التحتية، وتركت أكثر من 45 مليون شخص مشرداً في العراء، وإعادة إسكان هؤلاء وتأهيلهم من جديد يتطلب جهوداً كبيرة لا قبل لباكستان بها في الوقت الحالي، فلذلك باكستان بحاجة إلى حزمة من المساعدات الإغاثية لحل الأزمة اللحظية، إضافة إلى حزم أخرى من المساعدات لتخطي موجة البرد القادمة، وحزم خاصة بالغذاء وذلك بعد غرق نصف محاصيل البلاد الزراعية، إضافة إلى حزم أخرى تليها لإعادة الإعمار وبناء البنية التحتية، وإصلاح ما دمرته السيول والفيضانات.

وهنا لا ننسى وضع باكستان الاقتصادي المزري، إذ إن الدولة تعاني اقتصادياً، إذ تهاوت العملة وقل الاحتياطي الأجنبي، ولا ننس أن باكستان كانت على وشك الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي من أجل إخراج البلاد من أزمتها الخانقة، وستلقي الأوضاع الحالية بظلالها على الاتفاقية مع صندوق النقد، وكذلك على ما يترتب من حصول باكستان على هذا القرض، إذ إن عبء السداد سيأتي على ظهر المواطن الباكستاني المسكين، الذي أساساً يعاني من تضخم وصل لأعلى نسبه التاريخية بـ42.3%.

أمام باكستان سنوات عصيبة، وليس أشهراً فقط، وينبغي العمل من الآن على وضع خطة محكمة تسير عليها الحكومات القادمة حتى تعود باكستان إلى الطريق الصحيح، ولن يتأتى هذا دون تظافر الجهود الداخلية، وكذلك العمل مع الدول الصديقة والشقيقة من أجل التعاون سوية لإخراج باكستان من محنتها وكارثتها، إضافة إلى التفاهم مع صندوق النقد لتأجيل مستحقاته وجدولتها لفترة حتى تتعافى باكستان وتخرج من غرفة الإنعاش بسلام.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حذيفة فريد
كاتب وباحث باكستاني
تحميل المزيد