يبدو أن فكرة اللجوء إلى اقتناء الهواتف العادية لم تعد حبيسة اهتمام الأشخاص البسطاء ذوي الدخل المنخفض، أو الذين لا يمتلكون المعرفة بخبايا التعامل مع تكنولوجيا الهواتف الذكية، فذلك أصبح أمراً متجاوزاً في يومنا الحاضر، فواقع الأمر أثبت أيضاً وجود توجه لدى فئة جديدة من المستخدمين يتميزون أحياناً بمستوى علمي واجتماعي وسياسي رفيع المستوى.
ولعل أشهر مثال على ذلك قضية رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، وعلاقته بهاتف نوكيا من الطراز القديم الذي يصاحب الرجل في معظم مناسباته الرسمية، والذي كان محل جدل واسع أمام خصومه، بشأن مدى استيعاب هاتف نوكيا لمستوى المسؤولية التي يحملها على عاتقه، وواقع الأمر أن اختيار الرجل في الأصل يجسد فكرة الميل نحو الاستقلالية والبساطة في تدبير أسلوب حياته؛ إذ يعيش أيضاً في شقة متواضعة، ويتنقل عبر دراجة هوائية بين المواطنين.
ومن ناحية أخرى، فإن موضوع فكرة التحول من نمط استعمال الهواتف الذكية نحو جيل الهواتف العادية، يرتبط في نهاية المطاف بحرية الإرادة الحرة التي يتمتع بها كل إنسان انطلاقاً من توجهه الخاص الذي يطمئن إليه حسب اعتبارات نفعية خاصة.
فما الذي يستطيع الهاتف العادي أن يقدمه إلى حياتنا؟
انطلاقاً من تجربتي الخاصة، أستطيع أن أصف لكم أن أهم الفوائد التي يمكن ملامستها من الناحية الشخصية تتجلى فيما يلي:
الخروج من العزلة الاجتماعية
ستتعود على مواجهة المواقف التي تتواصل فيها مع الآخرين بدلاً من التظاهر بانشغالك بالهاتف، ستتمتع بمزيد من الاحترام، ستزداد ثقتك بنفسك وستبني شخصية منفتحة قادرة على ربط العلاقات مع الآخرين في عالم غير افتراضي، دون خوف أو قلق من المجهول.
الابتعاد عن ضوضاء التواصل الاجتماعي
ستتحسن مزاجيتك ولن تعود مهتماً بالأشياء التي يتم مشاركتها على منصات هذه المواقع، فأغلبها يحتاج إلى التمحيص وتوخي الحذر من تأثيرها على أنفسنا، ستعود شخصاً انتقائياً في التعامل مع هذه الأمور من خلال الاعتماد على المصادر التي تزودك بالمعلومة التي تحتاجها، والدخول إلى هذه المنصات من أجل هدف محدد.
يشجع على التنظيم الشخصي
مشتتات الهاتف الذكي تسقطك في العشوائية وتستهلك الكثير من الوقت، ستعود مهتماً بفكرة تطوير شخصيتك، وستستفيد من ساعات التأمل مع نفسك في أوقات الفراغ، ما سينعكس بلا شك على طريقة تركيزك ورفع مستوى إنتاجيتك في مهامك.
يحافظ على ميزانيتك
لن تدفع المزيد من المال من أجل شراء آخر نسخة متطورة في السوق، أو الحصول على لوازم إلكترونية مدعمة لهاتفك، فأغلبها يتقادم من طرف الشركات المصنعة بهدف جني المزيد من الأرباح، وهو ما سيخلف نفقات إضافية يمكن احتياجها لتمويل أولوياتك الخاصة.
يشجع على القراءة من الورق
ستسير عكس التيار، الذكاء الاصطناعي يقدم لنا الجاهز، ما يسبب لنا الجمود والسطحية، فسيعود الوضع مختلفاً حين تضيف إلى جعبتك الكثير من الأفكار، ستقرأ الجرائد والكتب، وستبادر في أن تكتب شيئاً للآخرين، وستعود صاحب رأي يتفاعل به مع محيطه.
يجعل من المرء بسيطاً
البساطة تجعل اهتمامك موجهاً نحو أشياء ذات قيمة مضافة إلى حياتك، عوض التأثر بثقافة الاستهلاك التي تختزل قيمة المرء فيما يملكه من أشياء مادية، فضلاً عن أن الأسلوب البسيط يعد فرصة للحصول على مرتبة من الرضا والوصول إلى النضج الذاتي.
في الختام إذا كان وجود التكنولوجيا مسألة تفرض وجودها في عالمنا المعاصر، فإن طبيعة الأسلوب في التعاطي معها تبقى العنصر الجوهري، الذي من خلاله يمكن للإنسان أن يحقق أفضل النتائج لكي يرتقي بمستواه، وكما تقول القاعدة القرآنية: (إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.