فيلم الكراهية.. كيف صوَّر الوجه القبيح لأوروبا وواقع المهاجرين في الأحياء الفقيرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/24 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/24 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش

من يعيش على ضفة البحر الأبيض المتوسط لن تخطئ عيناه أعداد المهاجرين، الذين يحاولون تسلق الأسيجة كل يوم، معظم هؤلاء أو جلهم هم قادمون من أعماق إفريقيا، كلهم يطمحون يوماً للوصول إلى جنة الخلد التي وعدها الفارون من جحيم بلدانهم، إنها أوروبا، كما يصورها لهم الإعلام، ويؤكدها العائدون منها بسياراتهم الفارهة، غير أن رؤية ذوي البشرة السمراء هم من يتسلقون الأسيجة، لا يعني أن سكان دول شمال إفريقيا، لا يسكنهم هاجس الهجرة أيضاً، فقط هؤلاء تختلف طرق محاولتهم للهجرة، بل معظم هؤلاء السكان هاجسهم الوحيد، هو الرحيل إلى بلاد الأنوار، حيث فيها تحقق لهم كل الأحلام، ويمكن استشفاف هذا الأمر، فقط من كلام عامة الناس الذي يتداولونه، حيث إنه لا يخلو موقف من تعليق، لو كنت في أوروبا لكان كذا وكذا، أو لوقع كذا وكذا، هذا هو واقع الناس اليوم، ويزداد في بلد لآخر حسب الظروف المعيشية، وقد يختلف كذلك حتى من أسرة لأخرى، في هذا المقال، لا أنوي الحديث عن واقع الهجرة المر الذي يذوق عذابه أغلب الفارين من العالم الثالث، لكن سنحاول الحديث عن فيلم، هو قليل التداول، لكنه صوَّر واقع المهاجرين بعمق، وبشكل خاص في فرنسا، إنه فيلم الكراهية، هل يعرف هؤلاء الحالمون بالهجرة إلى هناك، واقع المأساة التي يعيشها المهاجرون؟

قصة الفيلم

فيلم الكراهية

الفيلم أنتج عام 1995، لمخرجه ماثيو كاسوفيتز، يروي الفيلم قصة ثلاثة شبان، يعيشون في ضواحي باريس الفقيرة، الشبان هم كالتالي: فينز وهو فرنسي ذو أصول يهودية، أوبير شاب إفريقي هاجر إلى فرنسا، سعيد شاب مغربي، كل هؤلاء الشباب رغم اختلافهم العرقي والديني، إلا أنهم يجمعهم مصير واحد، المعاناة التي يعيشونها كل يوم داخل الأحياء الفقيرة، انعدام الأمل، وانسداد الأفق، يجعل كل الأشياء مباحة بالنسبة لهم، صراعهم اليومي مع الشرطة، ونظرتهم التمييزية لهم، كل هذه الأمور، هي التي ولدت في نفوسهم الكراهية، وروح التمرد على كل شيء، على قواعد المجتمع، على القانون، على المبادئ، والتمرد كذلك على واقعهم اليومي، بغية التغير، الشاب اليهودي مزاجي حاد الطبع، يحلم بأن ينتقم لصديقه من رجل شرطة قتل صديقه، الشاب الإفريقي هادئ شيئاً ما، بينما سعيد الشاب يمثل الشاب المغربي المسلم، الفيلم يحكي يوماً واحداً من معيشة هؤلاء الشباب الثلاثة في هذا الحي الفقير، لكنه ينقل لنا واقعهم الذي يعيشونه كل يوم، ومن خلالهم ينقل واقع معيش الكثير من المهاجرين الذين يقطنون هذه الأحياء، واقع للأسف لا تنقله قنوات الأخبار، ويتناوله القليل من الكتاب والمخرجين، إنه واقع المهمشين، والذي هو المسؤول عن الكثير من أعمال الشغب أو العنف الذي يقوم بها الكثير من الشباب بدافع الكراهية.

ثلاثة شبان يروون واقع ثلاث أقليات مضطهدة عبر التاريخ

أعجبتني رواية ربعي المدهون مصائر، الصادرة عام 2015، حيث إنها قاربت واقع ثلاثة شعوب كانت مصائرها متشابهة: الفلسطينيين، الأرمن، واليهود، لا يمكن الغوص في مضامين الرواية، وقضاياها، لكني أستعير فقط الاسم مصائر، وهو الذي ينطبق على هؤلاء الشباب أبطال فيلم الكراهية، والذين يتشابهون في مصائرهم أيضاً، كلهم عانوا تاريخياً من الاضطهاد، وهذا ما اضطرهم إلى البحث عن ملاذ آمن، ومكان يضمن لهم كرامتهم، غير أن الواقع لم يكن كما كانوا يتخيلون، المخرج أراد تسليط الضوء على هذه الفئات التي وحسب رأي الكثيرين فإن أصحابها لم يستطيعوا أن يلجوا عالم اليوم، بل ظلوا في الهامش يستهلكون ما ينتجه الغير، وبالتالي فهم حتى وإن هاجروا، فإن مكانهم يظل في الهامش، لا يهم إن كانوا متعلمين، أكفاء، لا يهم حتى وإن كانوا عباقرة، ما يهم هو من أين قدموا، قد تبدو هذه الكلمات غريبة، لكنها للأسف لن تستطيع أن تنقل الحالة النفسية لهذه الفئات، وما تعانيه، جراء نظرة العنصرية، التي تواجهها كل يوم في ذاك العالم، والجدير بالذكر في هذا السياق، أن رحلات الهجرة كانت في بدايتها تتم على يد المستعمرين، حينما كانوا في حاجة إلى يد عاملة رخيصة، غير أنهم ومع استغنائهم عن خدمات تلك الفئات أصبحت تمثل بالنسبة لهم عبئاً لم يستطع كاهلهم تحمله، خاصة ومع صعوبة اندماج الكثيرين منهم، وهذا يقودنا للحديث عن أمر آخر، وهو سؤال الهوية والاندماج.

الاندماج وسؤال الهوية في المجتمعات الغربية

لا تستغرب إن كنت تجد أن المهاجرين، أو المهجرين إلى البلدان الأخرى، هم أكثر الناس تشبثاً بهويتهم، بل في بعض الأحيان قد يقودهم ذلك إلى التطرف والغلو، ولمَ لا في بعض الأحيان ممارسة العنف باسم الدفاع عن هويتهم، خاصة وإن كانت المجتمعات الحاضنة لهم، تعادي هويتهم، أو تصر على إدماجهم قسراً ومسخهم من أي علامة تميزهم عن المواطنين الأصليين، الكثيرون حينما ينظرون إلى هذا الواقع الذي يعيشونه كل يوم، يقومون برد فعل عكسي، ويبالغون في إبراز هويتهم، صحيح أن سؤال الهوية هو اليوم سؤال شائك، وخاصة في ظل الوضع الذي نعيشه، والذي أطلق عليه زيجمون باومانت، عصر الحداثة السائلة، حيث إنها تتسرب عبر قنوات لا مرئية إلى الشباب والشابات، بل وحتى من أخذ منهم الدهر كل مأخذ، غير أن الفرق بين الفئات التي تعيش داخل أوطانها، وأولئك الذين يعيشون في المهجر، أن هذه الفئة لا تستشعر خطورة ما تقدم عليه، بل يحدث تحول سلس داخل المجتمع، بخلاف أولئك الذين يعيشون في أحضان المجتمعات الغربية، حيث إنهم يشاهدون زيف تلك الحقيقة الكاذبة التي تصور العالم في الضفة الأخرى، على أنه جنة نعيم، ولذلك فهم يرون أنهم هم المستهدفون، كما أنهم مقصيون، ومواطنون ربما من درجة ثانية أو ثالثة، وبالعودة إلى الفيلم نجد أنه جسد هذه النقطة بالكثير من الإسهاب، بل حتى إن الفيلم ينتمي إلى تيار سينمائي كان رائجاً في أواخر الثمانينات وبدايات التسعينات من القرن المنصرم، أطلق عليها أفلام البور.

غيتوهات العالم الثالث

كان تشكُّل تلك الأحياء الهامشية في الدول الصناعية الكبرى بمثابة غيتوهات لأولئك الذين لا ينتمون إلى العالم المتقدم، إلا بخدماتهم فقط، ولا يستحقون العيش فيه مثل غيرهم، ولذلك كان قطونهم تلك الأحياء الهامشية هو بمثابة إعلان الإقصاء بالنسبة لهم، كما أن الصورة التي ينقلها عنهم الإعلام، أنهم همج، وأن معظم المجرمين هم ينحدرون من هذه المناطق، وأن هذه المناطق كانت تعج بالفساد والجريمة، وخير دليل ما صوره الفيلم في التسعينيات كما سبق، إلا أن ما بات يلفت الانتباه اليوم هو الواقع الجديد المشابه الذي بدأ يتشكل في العالم الثالث، حيث بدأنا نرى وجود أحياء راقية، في المركز، يقطنها أصحاب المصانع والشركات والاستثمارات، وفي الهامش تقطن تلك الفئة التي توفر اليد العاملة بأبخس الأثمان، لكنها في المقابل تعاني، من نفس الأمراض التي تعاني منها تلك الدول، التهميش، شيوع الجريمة، ونمو سلوكيات الحق، والدافع إلى الانتقام، في رأيي صحيح أن الفيلم كان يشخص واقعاً في حقبة معينة، غير أننا إذا ما غيرنا التاريخ والمكان، فإن الفكرة والطرح يصبح غير متحيزين في زمن أو مكان معينين، بل يصبح هو كذلك سائلاً بدوره، يمكن أن نجده في كل مكان، أما بخصوص هويات الأفراد، صحيح أنه أتى بثلاثة أشخاص ينتمون إلى عرقيات وديانات مختلفة، لكننا نجد نفس المعاناة، قد يعيشها أبناء العِرق الواحد، إذ فيهم أصناف وطبقات أيضاً. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سفيان الغانمي
كاتب رأي مغربي
تحميل المزيد