ذات عام خاطب "نابليون بونابرت" القائد الفرنسي يهود آسيا وأوروبا قائلاً: "أيها الإسرائيليون انهضوا، فهذه هي اللحظة المناسبة، إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملةً إرث إسرائيل، سارعوا للمطالبة باستعادة مكانتكم بين شعوب العالم". إنه خطاب جاء لاستعادة طموحه الذي تحطم على أسوار عكا عام 1799 ومحاولاً استمالة اليهود إلى صفه وكسب دعمه في الحملات العسكرية التي يقودها نحو الشرق، التي واجه من خلالها عقبات كبيرة على الشواطئ الفلسطينية.
وقد استمرت النوايا الفرنسية في إقامة دولة الكيان الإسرائيلي وتجلت من خلال عدة مواقف، ولعل "وعد كامبو" كان من المواقف الأكثر وضوحاً، إلا أن وعد بلفور الذي جاء بعد أشهر قليلة من صدوره حجب الحقائق التاريخية المتعلقة بدور فرنسا ودسائسها الاستعمارية التي أسهمت في تجسيد الأحلام الصهيونية.
حيث إنه في شهر يونيو/حزيران من عام 1917 بعث سكرتير وزارة الخارجية الفرنسية "جول كامبو"، بخطاب رسمي إلى ممثل الحركة الصهيونية "ناحوم سكولوف"؛ إذ نص على: "…سيكون من العدل والإنصاف أن نساهم، من خلال الدول المتحالفة، في إحياء الجنسية اليهودية على أرضها الخاصة بها…"، و"…إننا موافقون على مشروعكم الذي ستكرسون الجهود فيه لبناء الدولة اليهودية في فلسطين، إنما لابد من توفير استقلالية الأماكن المقدسة وتحرير مصالح فرنسا في المنطقة".
من خلال هذا الوعد يمكن فهم السياسة الفرنسية على أنها تتبنى تنفيذ حلم الدولة الصهيونية، وتقاطع الفكر الصهيوني والأجندات الاستعمارية الفرنسية منذ تاريخ طويل على قواعد وأهداف مشتركة.
وعلى هذا النحو من الفكرة، وتماشياً والمواقف الفرنسية في إسناد وتعزيز أركان الكيان الإسرائيلي فإننا نستحضر من التاريخ التعاون النووي الفرنسي مع الكيان الإسرائيلي الذي كانت بداياته منذ الأعوام الأولى من إعلان تأسيس الكيان الإسرائيلي 1948، وجاء هذا التعاون نتيجة تضافر جملة من العوامل والأهداف التي دفعت نحو تجسيده على الأرض على رغم السرية التي كانت تكتنفه ومحاطة به، بالإضافة إلى عدم قبول بعض الحلفاء كالولايات المتحدة الأمريكية في البداية بتنفيذ البرنامج النووي، وامتلاك إسرائيل القوة النووية، والذي سعى القادة الأمريكيون لأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية تماماً من أي قوة نووية لدواعٍ جيوسياسية.
غير أنه، وفي عام 1952، تم تشكيل إطار تعاوني فني تقني بين لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية برئاسة البروفسور "إرنست برجمان"، هاته اللجنة التي أنشأتها حكومة "بن غوريون"، و نظيرتها الفرنسية، والتي مهدت إلى توقيع اتفاقية بين الحكومتين عام 1953، تتعلق بإنتاج الماء الثقيل الذي يستخدم في تبريد المفاعل النووي واستخراج اليورانيوم من الفوسفات الموجود في البحر الميت، وتبادل المعلومات والتكنولوجيا في المجال الطاقة النووية.
وبعد أزمة السويس والحرب التي دارت وقتئذ عام 1956، وغزو جيش الاحتلال الإسرائيلي لأرض سيناء، توطد التعاون بين الحكومة الفرنسية والكيان الإسرائيلي؛ إذ نفذت فرنسا وعدها السابق للحرب بإقامة مركز نووي "ديمونة"، الأمر الذي تم في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 1957، حيث وقَّعت والكيان الإسرائيلي اتفاقية بناء مفاعل نووي بقدرة 24 ميغاوات للثانية في صحراء النقب، بعيداً عن نظام التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحت إجراءات معقدة وبسرية تامة، وقد تم إيفاد مئات من المتخصصين الفنيين الفرنسيين لتنفيذ هذا المشروع، حتى بدء العمل في المفاعل عام 1960 وبلوغ طاقته الكاملة عام 1965.
بعد استكمال كل التجهيزات وتزويده بما يتطلبه من تقنية ومعدات، هل يحتاج المفاعل النووي إلى تجارب ميدانية؟
في تلك الحقبة من الزمن من المستحيل أن يتم تقييم القدرات النووية دون إجراء تجارب تطبيقية، ويشير موقع الأمم المتحدة من خلال استعراضه لموضوع إنهاء التجارب النووية أنه في الفترة بين 1945 و1966، تم إجراء ما يزيد عن 2000 تجربة نووية في جميع أنحاء العالم، ولذلك لنا أن نتصور أي الأمكنة أنسب لكل من فرنسا والكيان الإسرائيلي حتى يتمكنا من التطبيق الأمثل لتلك التجارب النووية، وقد يكون عند أول تفكير الصحراء الجزائرية، وليس صحراء النقب الفلسطينية.
ذلك أن الجزائر كانت تحت الاحتلال الفرنسي، ومنطقة الصحراء التي تشكل الجزء الأكبر هي المنطقة الأكثر مثالية لتنفيذ مثل هكذا تجارب؛ لأنها منطقة صحراوية خالية من الكثافة السكانية والعمرانية، وهي منطقة معزولة تسمح بعمليات سرية دون مراقبة أو ترصد من أي جهة كانت، وفكرة إجراء التجارب النووية في مناطق معزولة وغير مأهولة بالسكان هي فكرة مستقاة من تجارب سابقة قامت بها كل من الولايات المتحدة الأمريكية التي استحوذت على الجزء الأكبر من التجارب الدولية النووية والذرية؛ حيث جرّبت قنبلتها الذرية الأولى في شهر يونيو/حزيران من عام 1945 في صحراء ألاموغوردو، بنيومكسيكو، وأيضاً في صحراء نيفادا وجزر المحيط الهادي.
بالإضافة إلى تجارب كل من الاتحاد السوفياتي سابقاً، الذي أجرى بعضاً من تجاربه في منطقة كازاخستان.
وبهذا الصدد، وفي صباح يوم 13 فبراير/شباط 1960 تم تنفيذ عملية "اليربوع الأزرق" (لم يكن اليربوع الأزرق إلا لون علم كل من فرنسا والكيان) في منطقة رقان الواقعة بالجنوب الغربي الجزائري، وهي أول عملية نووية تبعتها سلسلة أخرى من التجارب 1960-1966(اليربوع الأبيض والأحمر والأخضر)، والذي جعل من المنطقة وكل من فيها حقلاً للتجارب النووية، وتحويل، حسب بعض التقديرات، حوالي 50 ألف مواطن ومجاهد جزائري، حكم عليهم بالإعدام، إلى فئران تجارب للقوى الاستعمارية الفرنسية والإسرائيلية.
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن اختيار منطقة الصحراء "رقان" لغرض إجراء تجربة نووية مشتركة بين الحكومة الفرنسية والإسرائيلية جاء متزامناً وبداية تنفيذ مشروع المفاعل النووي ديمونة، حيث وقع عليه الاختيار في يونيو/حزيران 1957 واشتغل عليه طيلة 3 سنوات متتالية، وقد تم تمويل تنفيذ التجربة النووية من الموازنة الإسرائيلية التي قدرت بمليار و260 مليون فرنك فرنسي، حسبما تشير إليه بعض المصادر.
من خلال استعراض بعض الأحداث نجد أن التعاون الفرنسي والإسرائيلي له جذوره عبر التاريخ، ويتجدد عبر كل فترة من الزمن حسب الضرورة الاستراتيجية لكلا الطرفين؛ نتيجة لدوافع وأهداف مشتركة؛ إذ إن التعاون في المجال النووي كأحد مجالات التعاون، جاء في حقبة من الزمن حساسة تتسم بذروة الصراع وشدة المقاومة، سواء فيما تعلق بالكيان الإسرائيلي الذي جوبه بتحالف عسكري عربي، أو فيما تعلق بالحكومة الفرنسية التي لم تتمكن من القضاء على الثورة الجزائرية التي زادت حدتها وانتشارها.
فمن الجانب الإسرائيلي كانت الحاجة إلى القوة النووية تندرج ضمن استراتيجية الكيان الإسرائيلي الذي يعزز أركانه في المنطقة المعادية له كما يراها، وبامتلاكه للقنبلة النووية سيتمكن من الردع اللازم في المنطقة وتأمين وجودها على المدى البعيد، وهو الأمر الذي كشف عنه منذ البداية رئيس الحكومة الإسرائيلي بن غوريون. واختيار إسرائيل لفرنسا جاء نتيجة عدة عوامل، منها أن الولايات المتحدة الأمريكية عارضت في البداية حدوث برنامج نووي في إسرائيل؛ ما دفعها للتوجه نحو فرنسا القوة النووية البديلة الأقرب في تلك الفترة، كما أن هناك مجموعة كبيرة من علماء الذرة والطاقة النووية في فرنسا يهود، أرادت إسرائيل أن تستغل وجودهم وخبراتهم بالإضافة إلى امتلاك فرنسا لطائرة ميراج التي يمكن إعدادها على حمل القنابل النووية والذرية، والتعاون العسكري في الصراع في صحراء سيناء وقناة السويس شكل أيضاً دافعاً لإسرائيل أن تتعاون في المجال النووي.
وفي الجهة المقابلة هناك دوافع وعوامل تحفز فرنسا بأن تتعاون والكيان الإسرائيلي وتجعلها دولة نووية، منها أن فرنسا تسعى إلى تخطي العتبة النووية تضاهي بها القوة الأمريكية، حيث قدمت المساعدة التقنية إلي إسرائيل المتعلقة بإنتاج الماء الثقيل وتنفيذ البرنامج النووي، مقابل حصولها على التكنولوجيا الأمريكية في مجال الكمبيوترات من إسرائيل، كما تحاول قطع التعاون والدعم المصري للثوار الجزائريين؛ فمن خلال امتلاك إسرائيل للقوة النووية سيؤدي ذلك إلى ردع الحكومة المصرية لاحقاً.
ويمكن القول إنه مهما كانت الأسباب والدوافع التي جسدها التعاون الفرنسي والكيان الإسرائيلي، وما تسبب في إبادة ووحشية على أيدي القوى الاستعمارية التي تتحمل مسؤوليتها بشكل كبير، وحدوث انتهاكات جسيمة سواء في فلسطين أو الجزائر، وهذا السلوك الذي لا يخرج عن نطاق تقوية وتعزيز صف القوى الاستعمارية في العالم، التي لها عقيدة واحدة استيطانية توسعية، وهي عقيدة كانت قائمة وما زالت تفعل ويتم تطبيقها كلما كانت الحاجة إليها، من هنا ومن خلال ما تمر به كل من فرنسا والكيان الإسرائيلي من تحديات لنفوذهما، فإنه لا يستبعد في تقديري وجود تعاون عسكري في مناطق مختلفة في العالم والمرجحة لتجسيد فعلي للتعاون، والذي من خلاله يتم تنفيذ تجارب عسكرية جديدة على الأرض، والسؤال ذاته يطرح لمرة أخرى: ما هي المناطق المرجحة لتنفيذ مشاريع محتملة لترسانة حربية جديدة من غير النووية؟ طبعاً لن يكون قطاع غزة لأنه مشمول برقابة عالمية ودولية، ويمتلك مقاومة تردع أية محاولة من هذا النوع، لذا تبقى مناطق أخرى أكثر ترجيحاً تتقاطع مصالح القوى الاستعمارية فيها.
ذات عام خاطب "نابليون بونابرت" القائد الفرنسي يهود آسيا وأوروبا قائلاً: "أيها الإسرائيليون انهضوا، فهذه هي اللحظة المناسبة، إن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملةً إرث إسرائيل، سارعوا للمطالبة باستعادة مكانتكم بين شعوب العالم". إنه خطاب جاء لاستعادة طموحه الذي تحطم على أسوار عكا عام 1799 ومحاولاً استمالة اليهود إلى صفه وكسب دعمه في الحملات العسكرية التي يقودها نحو الشرق، التي واجه من خلالها عقبات كبيرة على الشواطئ الفلسطينية.
وقد استمرت النوايا الفرنسية في إقامة دولة الكيان الإسرائيلي وتجلت من خلال عدة مواقف، ولعل "وعد كامبو" كان من المواقف الأكثر وضوحاً، إلا أن وعد بلفور الذي جاء بعد أشهر قليلة من صدوره حجب الحقائق التاريخية المتعلقة بدور فرنسا ودسائسها الاستعمارية التي أسهمت في تجسيد الأحلام الصهيونية.
حيث إنه في شهر يونيو/حزيران من عام 1917 بعث سكرتير وزارة الخارجية الفرنسية "جول كامبو"، بخطاب رسمي إلى ممثل الحركة الصهيونية "ناحوم سكولوف"؛ إذ نص على: "…سيكون من العدل والإنصاف أن نساهم، من خلال الدول المتحالفة، في إحياء الجنسية اليهودية على أرضها الخاصة بها…"، و"…إننا موافقون على مشروعكم الذي ستكرسون الجهود فيه لبناء الدولة اليهودية في فلسطين، إنما لابد من توفير استقلالية الأماكن المقدسة وتحرير مصالح فرنسا في المنطقة".
من خلال هذا الوعد يمكن فهم السياسة الفرنسية على أنها تتبنى تنفيذ حلم الدولة الصهيونية، وتقاطع الفكر الصهيوني والأجندات الاستعمارية الفرنسية منذ تاريخ طويل على قواعد وأهداف مشتركة.
وعلى هذا النحو من الفكرة، وتماشياً والمواقف الفرنسية في إسناد وتعزيز أركان الكيان الإسرائيلي فإننا نستحضر من التاريخ التعاون النووي الفرنسي مع الكيان الإسرائيلي الذي كانت بداياته منذ الأعوام الأولى من إعلان تأسيس الكيان الإسرائيلي 1948، وجاء هذا التعاون نتيجة تضافر جملة من العوامل والأهداف التي دفعت نحو تجسيده على الأرض على رغم السرية التي كانت تكتنفه ومحاطة به، بالإضافة إلى عدم قبول بعض الحلفاء كالولايات المتحدة الأمريكية في البداية بتنفيذ البرنامج النووي، وامتلاك إسرائيل القوة النووية، والذي سعى القادة الأمريكيون لأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية تماماً من أي قوة نووية لدواعٍ جيوسياسية.
غير أنه، وفي عام 1952، تم تشكيل إطار تعاوني فني تقني بين لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية برئاسة البروفسور "إرنست برجمان"، هاته اللجنة التي أنشأتها حكومة "بن غوريون"، و نظيرتها الفرنسية، والتي مهدت إلى توقيع اتفاقية بين الحكومتين عام 1953، تتعلق بإنتاج الماء الثقيل الذي يستخدم في تبريد المفاعل النووي واستخراج اليورانيوم من الفوسفات الموجود في البحر الميت، وتبادل المعلومات والتكنولوجيا في المجال الطاقة النووية.
وبعد أزمة السويس والحرب التي دارت وقتئذ عام 1956، وغزو جيش الاحتلال الإسرائيلي لأرض سيناء، توطد التعاون بين الحكومة الفرنسية والكيان الإسرائيلي؛ إذ نفذت فرنسا وعدها السابق للحرب بإقامة مركز نووي "ديمونة"، الأمر الذي تم في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 1957، حيث وقَّعت والكيان الإسرائيلي اتفاقية بناء مفاعل نووي بقدرة 24 ميغاوات للثانية في صحراء النقب، بعيداً عن نظام التفتيش التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحت إجراءات معقدة وبسرية تامة، وقد تم إيفاد مئات من المتخصصين الفنيين الفرنسيين لتنفيذ هذا المشروع، حتى بدء العمل في المفاعل عام 1960 وبلوغ طاقته الكاملة عام 1965.
بعد استكمال كل التجهيزات وتزويده بما يتطلبه من تقنية ومعدات، هل يحتاج المفاعل النووي إلى تجارب ميدانية؟
في تلك الحقبة من الزمن من المستحيل أن يتم تقييم القدرات النووية دون إجراء تجارب تطبيقية، ويشير موقع الأمم المتحدة من خلال استعراضه لموضوع إنهاء التجارب النووية أنه في الفترة بين 1945 و1966، تم إجراء ما يزيد عن 2000 تجربة نووية في جميع أنحاء العالم، ولذلك لنا أن نتصور أي الأمكنة أنسب لكل من فرنسا والكيان الإسرائيلي حتى يتمكنا من التطبيق الأمثل لتلك التجارب النووية، وقد يكون عند أول تفكير الصحراء الجزائرية، وليس صحراء النقب الفلسطينية.
ذلك أن الجزائر كانت تحت الاحتلال الفرنسي، ومنطقة الصحراء التي تشكل الجزء الأكبر هي المنطقة الأكثر مثالية لتنفيذ مثل هكذا تجارب؛ لأنها منطقة صحراوية خالية من الكثافة السكانية والعمرانية، وهي منطقة معزولة تسمح بعمليات سرية دون مراقبة أو ترصد من أي جهة كانت، وفكرة إجراء التجارب النووية في مناطق معزولة وغير مأهولة بالسكان هي فكرة مستقاة من تجارب سابقة قامت بها كل من الولايات المتحدة الأمريكية التي استحوذت على الجزء الأكبر من التجارب الدولية النووية والذرية؛ حيث جرّبت قنبلتها الذرية الأولى في شهر يونيو/حزيران من عام 1945 في صحراء ألاموغوردو، بنيومكسيكو، وأيضاً في صحراء نيفادا وجزر المحيط الهادي.
بالإضافة إلى تجارب كل من الاتحاد السوفياتي سابقاً، الذي أجرى بعضاً من تجاربه في منطقة كازاخستان.
وبهذا الصدد، وفي صباح يوم 13 فبراير/شباط 1960 تم تنفيذ عملية "اليربوع الأزرق" (لم يكن اليربوع الأزرق إلا لون علم كل من فرنسا والكيان) في منطقة رقان الواقعة بالجنوب الغربي الجزائري، وهي أول عملية نووية تبعتها سلسلة أخرى من التجارب 1960-1966(اليربوع الأبيض والأحمر والأخضر)، والذي جعل من المنطقة وكل من فيها حقلاً للتجارب النووية، وتحويل، حسب بعض التقديرات، حوالي 50 ألف مواطن ومجاهد جزائري، حكم عليهم بالإعدام، إلى فئران تجارب للقوى الاستعمارية الفرنسية والإسرائيلية.
وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن اختيار منطقة الصحراء "رقان" لغرض إجراء تجربة نووية مشتركة بين الحكومة الفرنسية والإسرائيلية جاء متزامناً وبداية تنفيذ مشروع المفاعل النووي ديمونة، حيث وقع عليه الاختيار في يونيو/حزيران 1957 واشتغل عليه طيلة 3 سنوات متتالية، وقد تم تمويل تنفيذ التجربة النووية من الموازنة الإسرائيلية التي قدرت بمليار و260 مليون فرنك فرنسي، حسبما تشير إليه بعض المصادر.
من خلال استعراض بعض الأحداث نجد أن التعاون الفرنسي والإسرائيلي له جذوره عبر التاريخ، ويتجدد عبر كل فترة من الزمن حسب الضرورة الاستراتيجية لكلا الطرفين؛ نتيجة لدوافع وأهداف مشتركة؛ إذ إن التعاون في المجال النووي كأحد مجالات التعاون، جاء في حقبة من الزمن حساسة تتسم بذروة الصراع وشدة المقاومة، سواء فيما تعلق بالكيان الإسرائيلي الذي جوبه بتحالف عسكري عربي، أو فيما تعلق بالحكومة الفرنسية التي لم تتمكن من القضاء على الثورة الجزائرية التي زادت حدتها وانتشارها.
فمن الجانب الإسرائيلي كانت الحاجة إلى القوة النووية تندرج ضمن استراتيجية الكيان الإسرائيلي الذي يعزز أركانه في المنطقة المعادية له كما يراها، وبامتلاكه للقنبلة النووية سيتمكن من الردع اللازم في المنطقة وتأمين وجودها على المدى البعيد، وهو الأمر الذي كشف عنه منذ البداية رئيس الحكومة الإسرائيلي بن غوريون. واختيار إسرائيل لفرنسا جاء نتيجة عدة عوامل، منها أن الولايات المتحدة الأمريكية عارضت في البداية حدوث برنامج نووي في إسرائيل؛ ما دفعها للتوجه نحو فرنسا القوة النووية البديلة الأقرب في تلك الفترة، كما أن هناك مجموعة كبيرة من علماء الذرة والطاقة النووية في فرنسا يهود، أرادت إسرائيل أن تستغل وجودهم وخبراتهم بالإضافة إلى امتلاك فرنسا لطائرة ميراج التي يمكن إعدادها على حمل القنابل النووية والذرية، والتعاون العسكري في الصراع في صحراء سيناء وقناة السويس شكل أيضاً دافعاً لإسرائيل أن تتعاون في المجال النووي.
وفي الجهة المقابلة هناك دوافع وعوامل تحفز فرنسا بأن تتعاون والكيان الإسرائيلي وتجعلها دولة نووية، منها أن فرنسا تسعى إلى تخطي العتبة النووية تضاهي بها القوة الأمريكية، حيث قدمت المساعدة التقنية إلي إسرائيل المتعلقة بإنتاج الماء الثقيل وتنفيذ البرنامج النووي، مقابل حصولها على التكنولوجيا الأمريكية في مجال الكمبيوترات من إسرائيل، كما تحاول قطع التعاون والدعم المصري للثوار الجزائريين؛ فمن خلال امتلاك إسرائيل للقوة النووية سيؤدي ذلك إلى ردع الحكومة المصرية لاحقاً.
ويمكن القول إنه مهما كانت الأسباب والدوافع التي جسدها التعاون الفرنسي والكيان الإسرائيلي، وما تسبب في إبادة ووحشية على أيدي القوى الاستعمارية التي تتحمل مسؤوليتها بشكل كبير، وحدوث انتهاكات جسيمة سواء في فلسطين أو الجزائر، وهذا السلوك الذي لا يخرج عن نطاق تقوية وتعزيز صف القوى الاستعمارية في العالم، التي لها عقيدة واحدة استيطانية توسعية، وهي عقيدة كانت قائمة وما زالت تفعل ويتم تطبيقها كلما كانت الحاجة إليها، من هنا ومن خلال ما تمر به كل من فرنسا والكيان الإسرائيلي من تحديات لنفوذهما، فإنه لا يستبعد في تقديري وجود تعاون عسكري في مناطق مختلفة في العالم والمرجحة لتجسيد فعلي للتعاون، والذي من خلاله يتم تنفيذ تجارب عسكرية جديدة على الأرض، والسؤال ذاته يطرح لمرة أخرى: ما هي المناطق المرجحة لتنفيذ مشاريع محتملة لترسانة حربية جديدة من غير النووية؟ طبعاً لن يكون قطاع غزة لأنه مشمول برقابة عالمية ودولية، ويمتلك مقاومة تردع أية محاولة من هذا النوع، لذا تبقى مناطق أخرى أكثر ترجيحاً تتقاطع مصالح القوى الاستعمارية فيها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.