في 15 أغسطس/آب 2021، نظر العالم بخوف نحو أفغانستان؛ حيث وصل الوضع هناك إلى منعطف حرج مع تولي طالبان السلطة في البلاد. وكان الاستيلاء سريعاً وسلمياً نسبياً، مع القليل من المقاومة من الجماهير، تلاه انسحاب مفاجئ للقوات الأمريكية.
وتمر أفغانستان حالياً بإحدى أهم مراحلها وأكثرها خطورة، حتى عندما نقارن ذلك بالعنف وعدم الاستقرار في العقدين الماضيين. فمنذ تولي طالبان السلطة، أدى الوضع داخل أفغانستان إلى أسئلة لم تعالج بعد فيما يتعلق بالتغييرات في الحكم المحلي، والحريات السياسية، وحقوق الإنسان، وضمانات مكافحة الإرهاب، والالتزام الشامل بالسلام والاستقرار الإقليميين.
ويصادف 15 أغسطس/آب 2022 مرور عام على تولي إدارة طالبان السلطة. وبينما، في البداية، كانت هناك شكوك بشأن حكم طالبان، فإن العام الماضي حدد نغمة التعامل إلى حد ما، وهو مؤشر على الكيفية التي تنوي بها الجماعة حكم البلاد. وحتى في حدود الإعداد المؤقت الحالي، فإن الاختبار الحقيقي لطالبان لا يقتصر بأي حال من الأحوال على تأمين السلطة، ولكنه يدور حول الشرعية والقبول والأداء وبالطبع الاعتراف.
وقد انخرطت الحركة بشكل مستقل وكذلك من خلال الدوحة مع المجتمع الدولي والبلدان الإقليمية، وبينما تسعى إلى الاعتراف، فإن المشاركة الحالية تنطوي على شبه اعتراف بحكم الأمر الواقع، لكنه ليس اعترافاً رسمياً بعد.
وعلى الصعيد المحلي، فإن أداء الحركة قابل للنقاش. ومع ذلك، شهد العام الأول لهم تحسناً عاماً في أمن البلاد باستثناء الهجمات التي تشنها الجماعات الإرهابية العابرة للحدود مثل ولاية خراسان التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. ولا تزال الجماعة تحاول ترسيخ مكانتها وقوتها داخل صفوفها وكذلك داخل البلاد. وتظل الحوكمة بلا شك تحدياً كبيراً، حيث يبدو أن الحركة لا تملك الخبرة اللازمة لإدارة الوزارات.
وتكافح المجموعة لصياغة سياسات تجاه المؤسسات الأفغانية مثل البيروقراطية والأمن والقوات المسلحة على سبيل المثال لا الحصر. وعلاوة على ذلك، لم ترث المجموعة مؤسسات ضعيفة فحسب، بل ورثت اقتصاداً غير موجود وأزمة إنسانية مستمرة وآثار كوارث طبيعية؛ بمعنى آخر إن العمل على الإصلاح قيد التقدم.
وفضلاً على ذلك، أدت الجزاءات المالية المفروضة على طالبان دوراً كبيراً في شل النظام المصرفي؛ مما أثر بالتالي على جميع جوانب الاقتصاد. وفي حين أن تقديم المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان من قبل بعض البلدان أمر مطمئن بالتأكيد؛ فمع ذلك لا يكفي تحقيق الاستقرار في الاقتصاد، ناهيك عن إعالة السكان الأفغان الذين يعاني حوالي 95% منهم من انعدام الأمن الغذائي.
هذه معضلة كبيرة للشعب الأفغاني ولا تزال واحدة من أكبر التحديات. وبالتالي، في ظل هذه الظروف القاسية، من المهم للمجتمع الدولي أن ينحي السياسة وأن يدفع باتجاه بذل جهد موحد لضمان ألا تشهد أفغانستان مزيداً من الانهيار نحو كارثة إنسانية.
وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية الخطيرة، اتخذت طالبان بقدرتها المحدودة تدابير لقمع الفساد، وتوليد إيرادات محلية من خلال الرسوم الجمركية والتعريفية. على سبيل المثال، بين سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول من عام 2021، جمعت حوالي 400 مليون دولار من خلال الإيرادات والضرائب وزيادة الصادرات من الموارد الطبيعية مثل الفحم.
وعلاوة على ذلك، حافظت الحركة على تدفق الإيرادات الرسمية، وحفنة من المتبقين من الحكومة السابقة تحتفظ ببرنامج إدارة مالية متطور أنشأه النظام المدعوم من الولايات المتحدة لإدارة أنظمة تحصيل الإيرادات الخاصة بهم. كما نشرت المجموعة ميزانية لمدة ثلاثة أشهر، مما أعطى بعض الأسباب للتفاؤل.
ومع ذلك، فإن أي تفاؤل مقيد بالضرورة أيضاً بالكثير من الاعتبارات الأخرى مثل عدم قدرة حكومة طالبان أو عدم وجود دليل على الوفاء بتعهداتها للإصلاح بخصوص الحقوق الأساسية جداً مثل تعليم المرأة ودورها في الحياة العامة. إنها عقبة رئيسية وحجر عثرة في طريق التقدم، حيث يستمر في إبعاد المجتمع الدولي عن أفغانستان.
فبينما كان الأطفال يعودون إلى المدارس، تراجعت حركة طالبان عن قرارها السابق بالسماح للفتيات الأفغانيات بالعودة إلى المدارس الثانوية، وكان هذا قراراً مؤسفاً.
وإن أكبر التهديدات التي تواجه أفغانستان هي القيود الداخلية مثل الاقتصاد والأزمة الإنسانية المحتملة، والأهم من ذلك القلق من أن البلاد ستقع فريسة لعناصر إرهابية عابرة للحدود. وبالفعل، ظهرت بعض المقاومة في الشمال حيث ظلت جبهة المقاومة الوطنية (NRF) برئاسة أحمد مسعود شديدة في معارضتها للحركة. وقد كانت تحاول حشد الدعم لقضيتها والضغط ضد الاعتراف الدولي المحتمل بحكومة طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان. وفي حين تحاول جبهة المقاومة الوطنية التوسع على الصعيدين الوطني والعالمي، فإنها فشلت حتى الآن في الحصول على الدعم اللازم لقضيتها.
ومع ذلك إذا لم تتمكن طالبان من تعزيز موقفها وضمان بعض مظاهر الاستقرار، فإن الخوف ليس من حرب أهلية من جماعات مثل جبهة المقاومة الوطنية فقط، بل من العناصر الإرهابية العابرة للحدود الوطنية التي تستغل الوضع وتملأ الفراغ.
والموجز هو أنه لا ينبغي التخلي عن أفغانستان أو تجاهلها كما كانت في الماضي؛ لأنها لن تبشر بالخير لأي صاحب مصلحة. وهذا هو الوقت المناسب للبقاء على اتصال مع أفغانستان- حيث يقع على عاتق جميع الأطراف المسؤولية- ومع ذلك لتحقيق هذا يتعين على جميع الأطراف التسوية والتكيف مع بعضها البعض، وبدلاً من النظر إلى أفغانستان على أنها قضية إقليمية، يجب أن يُنظر إليها على أنها مسؤولية مشتركة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.