أسباب إقالة محافظ البنك المركزي المصري

عدد القراءات
1,062
عربي بوست
تم النشر: 2022/08/18 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/18 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
محافظ البنك المركزي المصري السابق / الاناضول

توقع البعض منذ شهر فبراير/شباط الماضي، إقالة محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، بعد قراره بوقف العمل بمستندات التحصيل التي كان غالبية المستوردين يقومون بالاستيراد بواسطتها منذ سنوات طويلة، واستبداله بنظام الاعتمادات المستندية، الذي يتطلب من المستورد تدبير كامل قيمة البضاعة المراد استيرادها، وإيداع القيمة بالبنك حتى إتمام عملية الاستيراد، والتي قد تصل إلى شهرين مما يعطل حركة الأموال.

 بينما يسمح نظام مستندات التحصيل للمستورد بدفع جزء من قيمة البضاعة للمورّد، وسداد باقي القيمة بعد عدة أشهر، فيكون قد باع جزءاً كبيراً منها، ولهذا صدر بيان رافض للقرار من قِبل أكثر ثلاث تنظيمات لرجال الأعمال، وهي: جمعية رجال الأعمال واتحاد الصناعات واتحاد الغرف التجارية، والذين أشاروا إلى أن القرار سيرفع الأسعار على المستهلكين، وكان هذا أمراً غريباً وسط الأجواء البوليسية التي تهيمن على المجتمع، والقبض على بعض رجال الأعمال دون سبب واضح. 

وجاء توقع إقالة المحافظ بعد القرار، نظراً لتسببه في إقالة محافظ البنك المركزي محمود أبو العيون عام 2003، بسبب إصداره نفسَ القرار، رغم أنه ذكر وقتها أنه إجراء مؤقت لعدة أشهر، ومع تأثر النشاط الاقتصادي بقرار المركزي وطول إجراءات نظام الاعتماد المستندية الذي يحتاج لخبرات مصرفية متميزة، تم اللجوء إلى رئيس الجمهورية، الذي سمح بالعودة لنظام مستندات التحصيل مع مدخلات الإنتاج والمواد الخام.

 إلا أن شكوى الصناع قد استمرت من التأثير السلبي عليهم، ومن ذلك تراجع قيمة الصادرات المصرية، بشهر مايو/أيار، إلى 4 مليارات دولار مقابل 4.9 مليار بالشهر السابق، بل كانت قيمة صادرات مايو/أيار أقل مما كانت عليه خلال مارس/آذار وفبراير/شباط، وهو ما يتناقض مع رغبة الحكومة في زيادة الصادرات لجلب موارد دولارية، في ظل أزمة دولارية بدأت بوادرها منذ يوليو/تموز 2021.

محافظ البنك المركزي المصري
طارق عامر

الاعتماد على الأموال الساخنة رغم تكرار خروجها

السبب الثاني هو توسعه في الاعتماد على مشتريات الأجانب من أذون وسندات الخزانة المصرية، واستمراره في رفع الفائدة لجعل أدوات الدين الحكومية المصرية جاذبة لهم، ما أتاح مجالاً لتجار الفائدة بالخارج للإقبال على السوق المصرية، للاستفادة من فارق الفائدة المتسع كثيراً عن أسعار الفائدة المتدنية في بلادهم، رغم إضرار تلك الفائدة المرتفعة بالشركات المصرية، نتيجة زيادة تكلفتها، ما يقلل تنافسية منتجاتها بالداخل والخارج.

ورغم الخبرة المصرية في التعامل مع الأموال الساخنة التي تعددت مرات خروجها المكثف خلال السنوات الماضية، خاصة عامي 2008 و2009 مع الأزمة المالية العالمية، ومع ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011، وكان آخرها خروجها خلال غالب شهور عام 2018.

ثم خلال شهور أوج ظهور فيروس كورونا، من مارس/آذار وحتى مايو/أيار عام 2020، لكن المحافظ ظلّ معتمداً عليها لتسانده في تدبير تكاليف الواردات، والتمكن من دفع أقساط الدين الخارجي في مواعيدها، ومساندة الاحتياطي من العملات الأجنبية.

ليجيء الخروج المكثف لها خلال الربع الأخير من العام الماضي، والذي زادت حدته بالربع الأول من العام الحالي، محدثة فجوة دولارية كبيرة، دفعت مصر للاقتراض من دول الخليج والصين وبنك التصدير الإفريقي، مما زاد قيمة الدين الخارجي بعد استقطاع ما تم دفعه من أقساط وفوائد بنحو 20.4 مليار دولار خلال الربعين الأخير من العام الماضي، والأول من العام الحالي ليصل مجمل الدين الخارجي إلى 157.8 مليار دولار.

السبب الثالث جاء مع تسبب ظهور عجز دولاري بالبنوك العاملة بمصر، يوليو/تموز من العام الماضي، والذي تزايدت قيمته تدريجياً بلا انقطاع خلال الشهور التالية، وصعوبات تمويلها للواردات، في ظهور السوق السوداء للدولار والتي كانت قد اختفت عام 2017، وأصبحت غالبية المحلات التي تتعامل في السلع المستوردة تتعامل على سعر الدولار بالسوق السوداء، وليس السعر الرسمي، مثل معارض بيع السيارات ومحلات بيع الذهب ومنافذ بيع أجهزة التليفون المحمول وغيرها.

عودة السوق السوداء والطلب للاحتفاظ

ومع الإعلان عن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد وتعثر تلك المفاوضات لعدة أشهر زادت تعاملات السوق السوداء، والتي أضافت نوعاً جيداً للطلب على الدولار وهو الطلب للاحتفاظ، بجانب نوعي الطلب الشائعين، وهما الطلب المعتاد لشراء السلع والخدمات المستوردة، والطلب لتمويل شراء الممنوعات مثل تجارة المخدات والسلاح وغيرها.

 الأمر الذي دفع البنك المركزي لخفض سعر صرف الجنيه تدريجياً، منذ مارس/آذار، حتى تجاوز 19 جنيهاً للدولار، لكن الفارق مع سعر السوق السوداء كان قد وصل إلى أربعة جنيهات للدولار الواحد، وربما أكثر، مع وصول العجز الدولاري إلى البنك المركزي نفسه، حتى بلغ العجز في صافي الأصول الأجنبية -العُملات- بنهاية يونيو/حزيران الماضي 19.7 مليار دولار، منها 8.2 مليار دولار بالبنك المركزي و11.5 مليار دولار بالبنوك التجارية العاملة بمصر.

وكانت سياسة المحافظ عامر في تثبيت سعر الصرف منذ عام 2017 وحتى بدايات 2022 لأقل من 16 جنيهاً للدولار، سبباً في زيادة قيمة الواردات، وإرساله رسالة خاطئة للحكومة عن استقرار سعر الصرف، ما دفعها للمزيد من الاقتراض حتى زادت مدة سداد أقساط الدين الخارجي حتى عام 2071، وهو ما زاد من أعباء فوائد وأقساط الديون بالموازنة، حتى أصبح لهما النصيب الأكبر من الإنفاق الحكومي.

الفائدة السلبية تضر الحكومة والمودعين

أما السبب الرابع فهو تحول الفائدة الحقيقية بالبنوك إلى سلبية منذ شهر فبراير/شباط الماضي وحتى الآن، حيث زادت معدلات التضخم عن معدلات الفائدة السائدة، وإذا كان المتخصصون يقيسون الفارق بين نسبة التضخم حسب البنك المركزي والبالغة 15.6% بشهر يوليو/تموز، ومعدل العائد على الودائع لمدة ليلة بالمركزى البالغ 11.25% .

 ما يعني بلوغ نسبة الفائدة السلبية 4.4%، فإن المودعين المتعاملين مع البنوك من أفراد وشركات، غالباً ما يحصلون على فائدة تقل عن نسبة 8% ما يجعل نسبة سلبية الفائدة أكبر لديهم، وهو ما يتكرر مع المشترين لشهادات الاستثمار الحكومية لمدة عام، والتي يبلغ العائد عليها 6%.

 وكذلك المودعون بصندوق توفير البريد المنتشر بالأرياف بعائد 7%، تشير البيانات الرسمية للإحصاء إلى أن نسبة التضخم بالريف عادة أعلى منها بالحضر، والتي بلغت بالريف المصري 15.6% بشهر يوليو/تموز مقابل 13.6% بالحضر بنفس الشهر.

وبالطبع فإن وجود فائدة حقيقية سلبية سيدفع جانباً من المودعين سواء أكانوا أفراداً أو شركات إلى البحث عن بدائل خارج البنوك، ما يعزز ظاهرة المستريح المنتشرة بالأقاليم باللجوء إلى أفراد يستثمرون لهم أموالهم، بينما تمثل ودائع القطاع العائلي من أسر وأفراد الجانب الأكبر من موارد البنوك، والتي تعتمد عليها الحكومة في قيام البنوك بشراء أذون وسندات الخزانة لسد عجز الموازنة.

 كما تأثر دخول المودعين مما يقلل من إنفاقهم، وهو ما يطيل من فترة الركود التي تخيم على الأسواق المصرية خلال السنوات الأخيرة، حسب مؤشر مديري المشتريات بالشركات الخاصة الذي يُصدره أحد البنوك الإمارتية، ما يؤثر على نسب البطالة في ضوء تخلي بعض الشركات عن جانب من العمالة بسبب تراجع المبيعات.

وهكذا استنفد طارق عامر، الذي مكث بمنصبه ست سنوات وتسعة أشهر أدواته، لحل مشاكل الدولار والفائدة وكبر قيمة الواردات والتضخم، ما أدى إلى الإسراع في الاستغناء عنه قبل نهاية فترته بخمسة عشر شهراً، لإيجاد فكر جديد للتعامل مع المشاكل النقدية الحالية الحادة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد