هل تحفظ “القايمة” حقوق المرأة حقاً في الزواج؟

تم النشر: 2022/08/17 الساعة 12:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/17 الساعة 12:34 بتوقيت غرينتش

دعوني أبدأ بمقدمتين مهمتين جداً:

الأولى: "المهر حق خالص للزوجة"

من المعلوم من الدين بالضرورة، ومن الأمور الشرعية التي درسناها وتربينا عليها، أن "المهر حق خالص للزوجة"، تقبضه هي، وتتصرف فيه كيف تشاء، فتدخره أو تتصدق به، تشتري به ذهباً أو أرضاً أو متاعاً… هو لها، ولا يحق لأي أحد أن يسترجعه منها بغير طيب نفس منها، أو يملي عليها ماذا تصنع به.

وفوجئنا حين كبرنا أن مصر لا تمشي على هذا، وإنما على الزوجة أو أهلها أن يجهزوا بعض متاع البيت، ومن مهرها؟!

الثانية: "النفقة كلها على الزوج"

من الأمور الشرعية التي عرفناها وأكدها المفتون والمشايخ، وجرى العرف عليها، والتي تعلمناها من صغرنا، أن "النفقة كلها على الزوج"؛ وهي تشمل المأكل والملبس، والسكن، وما جرى به العرف من الضرورات، فالزوج يجهز بيت الزوجية بكافة لوازمه الضرورية. وأما الحاجية فحسب قدراته، لأن البيت له، وهكذا جرت العادات في سوريا وفلسطين وغيرهما…

إذن فلوازم البيت الضرورية على العريس إحضارها كلها، لأنها من القوامة ومن النفقة الواجبة عليه، ولأن الحياة لا تستقيم بدوونها (كسرير النوم ودولاب الملابس وأغراض الطبخ والثلاجة…)، وهذه الأمور من الباءة التي اشترطها الرسول صلى الله عليه وسلم للزواج: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج"، وإلا فلا يجوز له أن يأخذ فتاة من بيت أهلها ثم يقصر بحقها، وهذا ما أقر به الفقهاء المعاصرون ونقلته من موقع موثوق:

"من لا يملك ما ينفق به على الزوجة أو يكسوها به فلا يسن في حقه الزواج؛ بل نص بعض أهل العلم على أنه يمنع له.

 قاله الدردير في شرحه لمختصر الشيخ خليل المالكي عند كلامه على أحكام النكاح ما معناه: أن الراغب الذي يخشى العنت (الزنى) يندب الزواج في حقه ما لم يؤدِ إلى حرام فيحرم.

 وقال الدسوقي شارحاً لهذا الكلام: كأن يضر بالمرأة لعدم قدرته على الوطء أو لعدم النفقة. فإذا تقرر هذا عُلِم أن من لم يكن عنده من مؤن النكاح ما يؤدي الحقوق الواجبة عليه للمرأة لا يجوز له الزواج، إلا أن يخشى من تركه الزنى فيجب عليه أيضاً حينئذ، ولكن يخبر المرأة بحاله حتى تكون على بينة من أمرها وحتى لا يقع غش ولا خديعة".

إذن لا يجوز أصلاً زواج من لا يملك القدرة على النفقة، ولنناقش الآن ما يحدث في الواقع، فتسبب بمشكلة "القايمة"، ففي تقرير لقناة الجزيرة:

"تتحمل المرأة كثيراً من التكاليف التي قد تتساوى أحياناً مع نفقات الزوج بدءاً من "الشبكة"، وصولاً إلى أثاث منزل الزوجية، ويتجاوز نصيبها في النفقات أحياناً 150 ألف جنيه (8.5 آلاف دولار) تتساوى في ذلك العائلات الثرية والعاملين باليومية في الحقول، وفي حديثنا مع عائلات لمسنا أن ثمة تصاعداً سريعاً في تكلفة التجهيزات، على أسرة الفتاة شراء غسالة ملابس، وبوتاجاز وخلاط (وهذ ليس بقليل)… بعد تقديم العريس الشبكة للعروس يصبح لزاماً على أهل العروس في مدة أقصاها أسبوع القيام بـ"رد الشبكة"، وهي عادة مستحدثة في قرية أبو صير وفي كثير من القرى المجاورة.. إن الزواج بالطريقة الحديثة يكلف أهل العروس أكثر من 150 ألف جنيه، رغم أنهم لا يشترون الأثاث، بل ينفق ذلك المبلغ على الأجهزة الكهربائية والكماليات".

وهكذا نجد أنه وفي البلاد والأماكن -التي يسري فيها هذا العرف- كانت هناك مخالفة شرعية واضحة، وغُبنت الزوجة بسببها لعقود، وربما لقرون، ولا تزال، وقتها: كان الكل صامتاً (كما هي العادة). واليوم وحين جاؤوا -مشكورين مأجورين- لإصلاح الوضع، وحفظ حقوق الزوجة، اعترض كثيرون لأن بعض الرجال وقعوا بالغبن بسبب سوء بعض النساء وافترائهن؟!

ولأن القايمة تسببت بمشكلات كبيرة، وأدت لغبن بعض الرجال، (لاحظها بعضهم)، بدأ الحديث عن إلغائها والاتجاه لعدم التوثيق، فما ذنب المرأة المستقيمة؟ وعلامَ تضيع حقوقها بسبب ثلة معتدية من النساء؟!

إذن قديماً كانت تغبن الزوجة، فلما جاؤوا لإصلاح الوضع فشمل الغُبن الزوجَ قرروا إلغاءها، والسؤال: لماذا لا نلجأ للعدالة وللحل الشرعي؟! ولماذا "حقوق المرأة قابلة دوماً للتغاضي أو المساومة"؟!

فحقوق المرأة بالإسلام تنحصر في 3 أمور أساسية (وبالطبع تحتها تفصيلات كثيرة)، وهي:

1- المهر.

2- النفقة (وتشمل، الطعام والكسوة والسكنى).

3- المعاشرة بالمعروف.

إذن فالمهر أساسي ورئيسي، وقد جاء بالقرآن الكريم أنه نحلة، فلا يحق أخذه منها إلا عن طيب نفس كامل، ولكننا نجدها تجبر على إعادته للزوج لينتفع هو منه، وليس هي، بتجهيز بيت الزوجية.

وصحيح أنه يبقى ما تشتريه ملكها، ولكن الزوج سوف ينتفع منه أكثر منها لأنها تخفف عنه شيئاً من واجباته، في حين ستخسر هي الهدية "المهر" الذي قرره الله لها من السماء، والذي هو ثلث حقوقها، حين تقدمه للبيت الذي يعتبر بيت الزوج، وليس لها.

كما أن المهر -لو تحول لأثاث أو كهربائيات- فسيتقادم مع الأيام وسوف ينعدم مهما تم الاعتناء به، في حين لو استثمرته بتجارة أو بأي مشروع، حتى بشراء حلي لها، لبقي المال لها ولتنامى وكبر، فشراء الجهاز بكل حال تعطيل لمال الزوجة وتجميد له، ومنعها عن الانتفاع به؛ خاصة أن كثيراً من الفقهاء، بل الجمهور جعلوا بعض النفقات عليها هي، مثل "نفقة حجها" فأوجبوا أن تكون من مالها الخاص (وليس من زوجها!؟)، فمن أين تأتي الزوجة بالمال حين تحتاجه؟!

ونغبط الرجال لاستطاعتهم الذب عن أنفسهم (وعلى الفور)، حين يكون هناك ظلم لبعضهم أو شبهة تعدٍّ… في حين لا تستطيع كثير من النساء (ولقرون)، الدفاع عن أنفسهن عند وقوع الظلم الحقيقي؛ فاليوم وبدل البحث عن جذور المشكلة ومعالجتها من أساسها والعودة للشرع، هناك من بدأ ينبش أصلها، ويعتبرها عادة يهودية، وشاركهم كثير من المؤثرين وصاروا يستعملون نفوذهم للتحريض على إلغائها، ويلعبون خلال ذلك بعواطف العروسات قليلات الخبرة للتغاضي عنها؛ فيشيعون أنها عادة يهودية للتنفير منها، وينشرون أن "الأسر اليهودية اخترعتها لضمان حق بناتها في حالة زواجها من رجل مسلم؛ لأنه كان يتزوج من يهودية ثم يتركها أو يتزوج عليها فتاة مسلمة لينجب منها، فكان الأب اليهودي يوثق عفش البيت في ورقة ليضمن حق ابنته".

 ولا أدري ما المشكلة في أن يحفظ أب حق ابنته، وقد رأى أمامه من الوقائع ما يوجب عليه ذلك، فهل هذا عيب أو حرام، أو يخالف العدالة؟ وما دخله بكونه يهودياً؟! ألم يأمر الإسلام بالتوثيق؟

ولعل بعضهن تنبهت لبعض السلبيات فرفضت التخلي عن القايمة، ليس لتقهر خطيبها أو تحرجه، وإنما تحسباً للمستقبل الذي بات مخيفاً، ففي استطلاع على النت:

دينا طارق مخطوبة، وقالت: "كيف لا أكتبها ونصف ما في البيت ملكي؟ خاصة أن ليس هناك قوانين قوية تحميني، وفي ظل هذا الوضع، التي لا تكتبها عند زواجها هي فتاة بلهاء"، وإن قانون الأحوال الشخصية الذي لا يأتي في صف المرأة -غالباً- هو الذي يدفع كثيرات لكتابتها، مثل دينا، وميار زكريا، التي قالت: 

"ما دام القانون يمنح الزوج امتيازات أكثر عني فيجب أن أستثمر هذه التعويضات، وإن  قانون الأحوال الشخصية فيه بنود ليست من الشرع: فلا يُوثق الطلاق الشفهي، وبالتالي لا تستطيع المطلقة الزواج مرة أخرى، ولا تستطيع الاستمرار في الزواج؛ لأنها -شرعاً- باتت محرمة.

 ويمنح الرجال امتيازاً آخر هو الطلاق الغيابي الذي يجعل من الزوجة لعبة في يد زوجها، يطلقها متى أراد ويرجعها لعصمته دون أن تعرف.

 وحين تتزوج المطلقة مرة أخرى تذهب عنها حضانة الأبناء، بلا اعتبار لنفسية الأطفال، وكأنَّ الأم تُعاقب لأنها تزوجت مرة أخرى.

 وأمام كل هذه البنود غير المنصفة لماذا يجب أن تتخلى المرأة عن كتابة قائمة منقولات للأثاث والمفروشات والأجهزة والذهب؟ حتى وإن بلت قطع الأثاث، فهي بالتأكيد في حالة الطلاق ستكون بحاجة إلي شيء تستند إليه، وتبدأ بها حياتها المستقلة، حتى لو كان العفش "ملخلخ"، كيف يطالب العديد من أسر العرسان بعدم كتابة هذه الورقات؟".

هذا كان رأي بعض النساء، فما رأي الفقه بأصل المسألة:

وأما رأي المذاهب الأربعة بخصوص من يلزمه تجهيز بيت الزوجية هل هو الزوج أم الزوجة؟

فقد اختلف أهل العلم في ذلك، والتفصيل جاء في الموسوعة الفقهية:

فمذهب الشافعي: عدم إجبار المرأة على الجهاز، وهو المفهوم من نصوص الحنابلة، فلا تجبر هي ولا غيرها على التجهيز، فقد جاء في منتهى الإرادات: وتملك زوجة بعقد جميع المسمى، ولها نماء معين كدار والتصرف فيه. انتهى.

أما المالكية والحنفية فلا يلزمون الزوجة بتجهيز بيت الزوجية مطلقاً، بل عليها أن تتجهز بقدر المهر الذي أخذته، ولهم تفصيل في ذلك: فمذهب المالكية أن الزوجة لا يلزمها أن تتجهز إلا بقدر ما قبضته من المهر نقداً قبل الدخول، وتصرفه في شراء الجهاز الأكثر أهمية في عرف بلدها، قال المواق في التاج والإكليل: ابن عرفه: المشهور وجوب تجهيز الحرة بنقدها… ويشتري منه الآكد فالآكد عرفاً من فرش ووسائد وثياب وطيب وخادم إن اتسع لها. رواه محمد. قيل: وهو مذهب المدونة.

أما الحنفية فقالوا: على ولي المرأة تجهيزها بقدر المهر الذي أخذه، بحيث تأتي بجهاز يتخذ لمثل زوجها عادة، ففي الدر المختار على الفقه الحنفي: لو زفت إليه بلا جهاز يليق به فله مطالبة الأب بالنقد إلا إذا سكت. انتهى. وقال ابن عابدين في حاشية رد المختار: قوله: بلا جهاز يليق به- الضمير في عبارة البحر عن المبتغي عائد إلى ما بعثه الزوج إلى الأب من الدراهم والدنانير، ثم قال: والمعتبر ما يتخذ للزوج لا ما يتخذ لها.

إذن هناك من قال إن الزوجة تجهز، ولكن أين الدليل؟ وألا يخالف هذا القرآن وأن المهر نحلة وهبة خالصة لها؟

– ولو فرضنا أن الأمر جائز وله وجه شرعي، لماذا الزوجة تجهز المتاع الزائل، والزوج يتملك البيت أو السيارة؟ فالمتاع فانٍ ويستهلك، والعقار يبقى ويزداد ثمنه مع مرور الأيام ولو هرم وقدم، فالأرض لها قيمتها الكبيرة، في حين كل الأدوات الكهربائية تتعطل وتقل كفاءتها، واليوم ومع تحول كل شيء لتجارة أصبحت الكهربائيات لا تعيش وتخرب بسرعة كبيرة، أو يخترعون أدوات أجود منها فتصبح بلا قيمة… مما يزيد في غبن الزوجة.

– وهناك من استند لأنه عرف، وصحيح العرف بالشرع له اعتباره، ولكنه العرف الذي لا يخالف الشرع.

– كما أن البنت تستحي من الاعتراض، أو من طلب مهرها خشية أن يقال عنها طماعة أو مادية أو بلا حياء… وما أخذ حياء فهو حرام، فينبغي ترك الحرية لكل فتاة لتختار.

– واليوم الزمن تغير، والطلاق كثر… وحين يحدث الانفصال ماذا تفعل الفتاة بالعفش والأدوات الكهربائية؟ من أين تأتي بأجرة سيارة وعُمَّال لحملها ونقلها (وهي مكلفة جداً)؟ وإذا رجعت لبيت والدها أين تضعها والشقق صغيرة وهي كبيرة الحجم، وبيت والدها كامل العفش والفرش؟!

في حين لو بقيت الأدوات ملكاً للزوج وفي بيته لاستفاد منها بزواج آخر. ولأخذت الزوجة مهرها كاملاً واستفادت منه هي الأخرى بتدبر أمورها بعد الطلاق، ريثما يحدث الله لها أمراً.

والخلاصة:

نجدهم يناقشون العرَض "القايمة" لإلغائها أو إبقائها، ولا يرجعون لأصل المشكلة عدم جواز "التصرف بمهر العروس، وإنفاقه على متاع من واجبات الزوج إحضارها، فتوفر عليه المال، وتعود عليه هو وحده بالمنفعة"، فالأصل ألا تدفع المرأة أي شيء بالبيت، وعلى الزوج تجهيز كل شيء، وهذا هو الحل الشرعي، والمنطقي، والعادل، والذي ينهي المسألة كلها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد