فاجأت حركة الشباب الصومالية، المرتبطة بتنظيم القاعدة، الجميع بشن هجومٍ عسكري واسع النطاق أواخر الشهر الماضي على سلسلة من بلدات الإقليم الصومالي في إثيوبيا، المعروف سابقاً بـ"أوغادين"، إذ قامت الحركة بتوغلٍ غير متوقعٍ، واشتبكت مع قوات "ليو" الإقليمية في الصومال الإثيوبي لعدة أيام.
يقع الإقليم الصومالي (أحد الأقاليم الإثيوبية وعددها 10)، المعروف بـ"أوغادين"، في الجزء الغربي من الصومال، وفي شرقي إثيوبيا، ويخضع للسلطات الإثيوبية، وتبلغ مساحته نحو 279 ألف كيلومتر مربع، ويدين كل سكّانه بالإسلام.
وقد سلّمت سلطات الاحتلال البريطاني إقليم أوغادين إلى إثيوبيا في العام 1954، بموجب الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا مع إثيوبيا في عام 1897، وشكّل هذا الإقليم محور الصراع السياسي والعسكري بين الصومال وإثيوبيا، وشهد حربين عامي 1964 و1977، كما تشكلت فيه حركات نضالية صومالية أبرزها "جبهة تحرير الصومال الغربي"، التي تأسست عام 1960، والجبهة الوطنية لتحرير أوغادين، التي تأسست عام 1973.
اعتراف إثيوبي
إذا عُدنا إلى هجوم حركة الشباب، نجد أن الحكومة الإثيوبية اعترفت رسمياً بأنها تصدت له داخل أراضي الإقليم الصومالي، حيث قال مكتب الاتصال في إقليم الصومال الإثيوبي، في بيانٍ، إن مواجهات استمرت لمدة ثلاثة أيام انتهت بمقتل 100 مسلح من "حركة الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي، التي تقاتل في الجارة الصومال منذ عام 2007، وأشار البيان إلى أن وحدات عسكرية تابعة لـ"حركة الشباب" تمكنت من تجاوز الحدود الإثيوبية الصومالية وتسللت إلى مناطق في الداخل الإثيوبي، وتحديداً منطقة "أفدار".
لاحقاً، رفع رئيس الإقليم الصومالي في إثيوبيا، مصطفى محمد عمر، عدد ضحايا حركة الشباب إلى 6 أضعاف العدد الذي أعلنه مكتب الاتصال، حيث صرّح عمر في كلمة له أمام برلمان الإقليم، قائلاً: "إن المواجهات العنيفة التي شهدتها البلدات الحدودية مع الصومال أدّت إلى مصرع نحو 600 مسلح من حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة نتيجة المعارك الضارية المتواصلة منذ عشرة أيام"، لكنّه لم يفصح عن عدد القتلى والجرحى في صفوف القوات الإثيوبية الفيدرالية والإقليمية، فيما ذكر قائد عسكري إثيوبي مؤخراً أنهم قتلوا 800 عنصر من قوات الحركة التي هاجمت الإقليم الصومالي.
من جانبها، أعلنت حركة الشباب مسؤوليتها عن تنفيذ الهجمات العسكرية في الداخل الإثيوبي، وقالت إنها قتلت ما لا يقل عن 87 جندياً إثيوبياً، وحرقت ثكنات عسكرية تابعة للقوات الإثيوبية في إقليم الصومال الإثيوبي.
كما أظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي ما قيل إنها جثث جنود إثيوبيين منتشرة في إحدى المناطق التي دار على ما يبدو فيها القتال، ولقطات أخرى تظهر احتراق عشرات الأكواخ والمنازل المصنوعة من الصفيح، كذلك عرضت حكومة إقليم الصومال الإثيوبي صوراً قالت إنها لمعتقلي "حركة الشباب".
وقال اللواء تسفاي أيالو منسق الانتشار والقيادة الأمنية في قوات الدفاع الوطني الإثيوبية، خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية: "عاقب جيشنا قوات الشباب التي حاولت العبور إلى الأراضي الإثيوبية.. فشل هدفها لغزو إثيوبيا لأنها تواجه خسارة لا يمكنها تحملها".
وفقاً لمسؤولين في الإقليم الصومالي، تهدف غارات حركة الشباب إلى الوصول إلى الكير "Elkere"، وهو موقع في إقليم أوروميا، لأجل إنشاء قاعدة للمجاهدين الإثيوبيين (المعروفين أيضاً باسم قوات الله)، وElkere هي ثكنة طبيعية تقع بين إقليمي الصومال وأوروميا، يصعب مهاجمتها ولديها طقس غير موات للعيش فيه.
تفيد التقارير بأن معظم مقاتلي هذا الجناح "المجاهدون الإثيوبيون" هم من إقليمي الصومال وأوروميا، وفقاً لمسؤول حكومي إقليمي تحدث إلى The Reporter بشرط عدم الكشف عن هويته، مضيفاً أن "هدفهم هو إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة بالي بإقليم أوروميا لزعزعة استقرار إثيوبيا".
لكنّ رئيس إقليم الصومال الإثيوبي مصطفى عمر، زعم في مقابلة مع "صوت أمريكا" أن حركة الشباب قد كلفت بمهمة من قبل القوى الدولية لعرقلة سد النهضة الإثيوبي الكبير، وهذا الادعاء يعني أن مصر مسؤولة عن الهجوم الأخير الذي شنته حركة الشباب في إثيوبيا، رغم أنه لم يقدم دليلاً على هذا الاتهام.
تراجع أداء المخابرات الإثيوبية
تقرير لموقع "ذا ريبورتر" الإثيوبي المستقل، أرجع هجوم حركة الشباب على الأراضي الإثيوبية، إلى أنه علامة واضحة تشير إلى تراجع قوة المخابرات الإثيوبية، مضيفاً أن حركة الشباب طوال السنوات 20 الماضية كانت تتجنب المواجهة مع إثيوبيا، ويرجع ذلك جزئياً "بحسب الموقع" إلى أن إثيوبيا لديها مصادر استخباراتية داخل الحركة، المصنفة منظمة إرهابية.
لكن في أواخر الشهر الماضي، غزت الجماعة المتطرفة حدود إثيوبيا بأكثر من 1000 مقاتل "دون أن يعلم أحد"، دخل المهاجمون عبر "أتو"، وهي بلدة حدودية، بعمق يزيد على 100 كيلومتر قبل أن تتمكن القوات الخاصة الصومالية من إيقاف الهجوم، لكنّ الجيش الإثيوبي أصدر بياناً في 29 يوليو/تموز الماضي، اعترف فيه بأن القتال لا يزال مستمراً بين مقاتلي حركة الشباب الذين لا يزالون داخل الحدود الإثيوبية ومجموعات أخرى من المقاتلين الذين يحاولون عبور الحدود عبر خمس مدن حدودية بين إثيوبيا والصومال.
يعتقد كاتب المقالة أن تقرير الموقع الإثيوبي واقعي إلى حد كبير، لكنه تجاهل الإشارة إلى دور لعبه توتر علاقات إثيوبيا مع الولايات المتحدة في تراجع أداء مخابرات أديس أبابا، فقد أوقفت واشنطن معظم مساعداتها الأمنية (حجمها غير معلن) لإثيوبيا، والمساعدات التنموية أيضاً (تقدر بمليار دولار)، جاء ذلك رداً على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها الجيش الإثيوبي والميليشيات المتحالفة معه في إقليم تيغراي، وبسبب توتر العلاقات قلّ التواصل بين الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلدين، خاصة بعد أن سمحت الحكومة الإثيوبية للنشطاء المؤيدين لها بتنظيم مظاهرات مناهضة لواشنطن، كما تبنت حكومة آبي مواقف داعمة لروسيا في حرب الأخيرة على أوكرانيا، لذلك لم يستغرب الكاتب عدم تصدي القوات الأمريكية الموجودة في المنطقة (أفريكوم) لهجوم حركة الشباب، عبر شن ضربة استباقية جوية على حشود الجنود قبل قطعهم هذه المسافة الكبيرة ووصولهم إلى داخل إقليم الصومال الإثيوبي.
التكتيكات الجديدة لحركة الشباب
المؤكد حالياً إلى درجة كبيرة أن حركة الشباب استفادت جداً من حالة عدم الاستقرار التي شهدها الصومال في العامين الأخيرين، إثر محاولة الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو التمسك بالسلطة، فلا كان يكاد يمر يوم أو يومان إلا وكانت وسائل الإعلام تنقل خبراً عن تفجير انتحاري في داخل العاصمة مقديشو أو خارجها، هذا بخلاف هجمات الحركة على الأهداف العسكرية الصومالية أو الدولية.
تستخدم حركة الشباب حالياً تكتيكات جديدة لكسب السكان المحليين، بما في ذلك إنشاء المدارس المخصصة للإناث، والمرافق الصحية، والسياسات الصديقة للبيئة مثل تقييد استخدام البلاستيك، وبحسب بعض المطلعين، فإن الجماعة المسلحة لديها أتباع في مجلسي النواب والشيوخ (البرلمان الصومالي)، وتشكل أيضاً حكومة ظل إلى جانب الحكومة المنتخبة في البلاد، كما تسيطر أيضاً على قسم كبير من الاقتصاد الصومالي، بما في ذلك جباية الضرائب، والتجارة غير المشروعة، والاتجار بالبشر، وتجارة الفحم.
قُدّرت الأموال التي حصلت حركة الشباب عليها في عام 2021، بأكثر من 100 مليون دولار، بعد فرضها ضرائب وإتاوات على سكّان المناطق الخاضعة لسيطرتها في الصومال، وخصوصاً الأقاليم الجنوبية والوسطى، ما مكنها من تنفيذ هجمات كبيرة في كل من الصومال وإثيوبيا وكينيا، خصوصاً المناطق الحدودية.
انعكاسات أمنية وخيمة لحرب تيغراي
كما استفادت حركة الشباب من الحملة العسكرية التي شنّها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد وحلفاؤه على إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، منذ أواخر عام 2020، فقد تضرر الجيش الإثيوبي وأُنهِك من هذه الحرب الدموية رغم دخوله في تحالف عسكري مع الجيش الإريتري وقوات وميليشيات أمهرة الخاصة ضد جبهة تحرير تيغراي.
تركت حرب التيغراي انعكاسات أمنية وخيمة على معظم الأقاليم الإثيوبية، فقد وسّعت قوات دفاع تيغراي عملياتها في وقت سابق، وغزت إقليمي عفر وأمهرة، كما قويت شوكة جيش تحرير أوروميا حيث لا زال يخوض معارك ضارية مع الجيش الإثيوبي، ولا تزال الاشتباكات متقطعة وتتجدد بين الحين الآخر بين حركات مسلّحة في إقليم بني شنقول قوموز والجيش الإثيوبي.
وكذلك واصلت حركة الشباب إرسال تهديدات جديدة لإثيوبيا، حيث دعا القيادي البارز في الحركة فؤاد محمد خلف "شونغلي"، المئات من مقاتلي الشباب، مؤخراً، إلى الاستعداد لهجوم آخر ضد القوات الإثيوبية، زاعماً أن النصر سيكون حليفهم.
أكّد هذه المعلومة قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم" المنتهية ولايته، الجنرال ستيفن تاونسند، الذي أصدر تحذيراً من هجمات حركة الشباب على إثيوبيا.
وقدّم الجنرال ستيفن لوزارة الدفاع الأمريكية إحاطة عن الهجمات الأخيرة التي شنتها حركة الشباب في المنطقة الصومالية بإثيوبيا، قائلاً إن التنظيم لديه خطة للهجوم مرة أخرى في إثيوبيا خلال الأشهر المقبلة، مشيراً إلى أهمية التنبه إلى هذه الهجمات الجديدة.
إستراتيجية الرئيس الصومالي للتصدي للحركة
في خطاب تنصيبه، تعهد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بأن تخوض حكومته تجربة جديدة في حربها ضد الإرهاب، تختلف عن الحروب التي شنتها الحكومات السابقة على حركة الشباب، والتي كانت تقتصر على الجانب العسكري، حيث لفت إلى أنه يريد أن يحارب الحركة فكرياً وعسكرياً.
وهذا ما يمكن أن يفسر تعيين الرجل الثاني السابق في حركة الشباب، الشيخ مختار روبو أبومنصور وزيراً للشؤون الدينية في الحكومة الفيدرالية الصومالية، حيث تعد "الشؤون الدينية" هي الوزارة المعنية بمحاربة الأفكار المتطرفة بمعنى أن الحرب ضد هذه الحركة اتخذت منحى آخر يضرب جذورها العقائدية والفكرية وأيديولوجيتها، ويتوقع أن يساهم ذلك في نجاح الحملة العسكرية التي يتوقع أن تطلقها الحكومة الصومالية بمعاونة الشركاء الدوليين.
تحديات كبيرة تواجه إثيوبيا
أما جهود إثيوبيا للتصدي لتهديدات الشباب، فإنها تواجه تحديات كبيرة على الصعيد الداخلي تتمثل في كيفية التوصل إلى اتفاق سلام مع جبهة تحرير تيغراي بما يخفف الضغط على الجيش الإثيوبي الذي استُنزف بفعل الحرب الدموية، والصراعات الأخرى مع جيش تحرير أورومو والجماعات المسلحة في إقليم بني شنقول قوموز وغيرها.
خارجياً، تواجه إثيوبيا تحديات لا تقل صعوبة، أهمها تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، إذ علّقت الأخيرة تقديم المساعدات الأمنية والتنموية إلى إثيوبيا إثر انتهاكات حرب التيغراي واتخاذ رئيس الوزراء آبي أحمد موقفاً عدائياً من الولايات المتحدة، بسبب ضغوط الأخيرة لحث الحكومة الإثيوبية على إنهاء الحصار المفروض على إقليم تيغراي والدخول في مفاوضات السلام المرتقبة مع الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيغراي.
كذلك ستصطدم جهود الحكومة الإثيوبية للتصدي لحركة الشباب بالفتور الذي دخلت فيه العلاقات الصومالية – الإثيوبية منذ عودة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى منصبه في مايو/أيار 2022، وفي سياق المنافسة الإثيوبية – الكينية على النفوذ في الصومال، نجد أن الرئيس محمود كان تاريخياً يميل إلى نيروبي أكثر من أديس أبابا، حتى في عهد حكم جبهة تحرير تيغراي التي كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع شيخ محمود في فترة ولايته الأولى.
لم يقم الرئيس الصومالي الجديد حتى الآن بزيارة إثيوبيا، رغم أنه أجرى جولاتٍ إلى كل من أسمرة والقاهرة ونيروبي وتركيا والإمارات، ومع ذلك، فإنه من الممكن أن تكون الزيارة قد تأجلت بناءً على طلبٍ إثيوبي، حيث ظلّ رئيس الوزراء آبي أحمد بعيداً عن أعين الجمهور منذ شهر تقريباً في ظل شائعات متواترة "غير مؤكدة" عن خضوعه للعلاج في أحد المستشفيات الإماراتية.
في الأوقات السابقة، كانت إثيوبيا تستبق تهديدات حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة، من خلال نشر قوات داخل الصومال بالاتفاق مع حكومته، حيث تسيطر الجماعة المتطرفة على أجزاء ريفية لا يستهان بها في المناطق الجنوبية والوسطى من البلاد، لكن حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد وقواتها الأمنية ما زالت منشغلة بالتعامل مع جملة من الاضطرابات في الداخل منذ اندلاع صراع تيغراي في أواخر عام 2020 وما أفرزته هذه الحرب من انهيار اقتصادي وتوتر للعلاقات مع الغرب، ولذلك فإن مفتاح التصدي لهجمات الشباب على إثيوبيا يبدأ من إحلال السلام في الداخل الإثيوبي، إلى جانب تحسين العلاقات مع الصومال المجاور لإحكام التنسيق والتعاون، وكذلك تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والغرب عموماً لاستئناف المساعدات الأمنية، واستئناف التعاون المكثف مع أجهزة المخابرات الغربية بما فيها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.