إقالة خليلوزيتش قبيل كأس العالم.. لماذا هذا التوقيت الحساس للمنتخب المغربي؟

عدد القراءات
2,481
عربي بوست
تم النشر: 2022/08/15 الساعة 09:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/22 الساعة 09:39 بتوقيت غرينتش
مدرب المنتخب المغربي الذي تمت إقالته وحيد خليلوزيتش ورئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم فوزي لقجع (Getty images)

انتهى مسلسل الشد والجذب أخيراً بين جامعة كرة القدم المغربية ومدرب المنتخب الوطني وحيد خليلوفيتش الذي طال أكثر من اللازم بإعلان فوزي لقجع عن إقالة المدرب البوسني، بعد دعاية مكثفة حول هذا الموضوع كثرت فيها الشائعات بقرب مغادرة وحيد المنتخب وتعويضه بمدرب الوداد السابق وليد الركراكي؛ وهو ما حدث فعلاً، لكن في وقت متأخر جداً ونحن على مشارف انطلاق منافسات كأس العالم، حيث لن يباشر المدرب الجديد مهامه فيها رسمياً إلا في الأسبوع الثالث من سبتمبر/أيلول؛ ما يعني أن الركراكي مطالب بإعداد المنتخب للاستحقاق العالمي المرتقب في غضون شهرين فقط.

السؤال المطروح في هذا التغيير عن توقيته ما دام أن المغاربة قد تهيأوا لهذا القرار منذ مدة، فما الداعي لهدر الزمن في مفاوضات عبثية نتيجتها العاجلة أو الآجلة هي التراضي، فلو أن فسخ العقد أُنجِز بعد نهاية كأس إفريقيا السابقة مباشرة والتي فضحت مستوى المنتخب الهزيل ربما تم تدارك ما يمكن تداركه وليس الآن بعد أن أصبحت مهمة إصلاح أعطابه والبدء من الصفر مهمة عسيرة؛ على أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه في ظل خليلوفيتش الذي نسلم بعدم أهليته وعدم قدرته على بناء منتخب قوي بل عجزه في الحد الأدنى على الحفاظ على تركة رونار هو أفضل من اللااستقرار والتغيير السريع في وقت حرج يقبل عليه الفريق الوطني، والذي يهدد انسجامه وتجانس لاعبيه، حيث سيبقى الأمل منعقداً على استثمار الحافز الاستثنائي لللاعبين الذي يوفره كأس العالم والذي قد يتجاوز قصور وحيد، كما حدث بالنسبة للاعبي المنتخب الجزائري في 2014 بالبرازيل مع نفس المدرب.  

  الجامعة المغربية لكرة القدم تكرر سيناريو فسخ عقد الجامعة مع فيليب تروسي قبل موعد كأس إفريقيا في 2006 بأيام معدودات والاستنجاد بمحمد فاخر الذي ذهب إلى مصر في مدة تقارب المدة التي يطلب منها من الركراكي تجهيز المنتخب، ليعود بمشاركة مخجلة وإقصاء مبكر من الدور الأول، وقد وجد رشيد الطاوسي نفسه أمام وضع مشابه لفاخر في نهائيات أمم إفريقيا في 2013، كما نستذكر قصة المدربين المغاربة الأربعة التي تعد من غرائب التدريب الكروي الرسمي، والذي لا يعتمد على المدرب المحلي إلا في الوقت الميت من أجل إحراق ورقته، حتى إذا فشل سهل تهييج الجماهير الرياضية ضده وليس ضد الجامعة.

 ما يثير التحفظ أيضاً على قرار لقجع هو أن رصيد المدرب الجديد لا يؤهله لتدريب المنتخب الأول والذي سيجابه أجواء مختلفة عما ألفه في البطولة المغربية، فهو سيكون مطالباً بتصفية الأجواء واحتواء الحساسيات التي نمت بين اللاعبين في السنوات الماضية. الشيء الذي يستلزم قدرات تواصلية كبيرة يفتقدها الركراكي، فما صنعه مع اللاعب مراد باتنة حين كان يدربه في نادي الفتح الرياضي لا يستطيع أن يكرره في صفوف المنتخب، لأن التعامل مع اللاعب المحلي في الفتح أو الوداد يختلف قطعاً عن التعامل مع اللاعبين الدوليين. 

لا يمكن تبرير قرارات جامعة الكرة بداعي مصلحة المنتخب الذي يدفع ثمن سلسلة من الأخطاء تعالج بأخطاء أفدح منها، فلو أهمتها مصلحته لما تعاقدت مع المدرب البوسني من البداية ولجنَّبت المنتخب ما وقع لمنتخبات سابقة معه كالكوت ديفوار واليابان، وفي الحد الأدنى لم تكن لتوقع معه عقداً على بياض كله امتيازات دون الالتزام من طرفه بأي شيء، ذلك أن العقود التي توقعها جامعة الكرة المغربية هي المشكلة، فهي التي تجعل المدرب فوق المحاسبة وتجعله فاقداً للدافعية للاشتغال، فهو الرابح في كل الأحوال، فمع الشرط الجزائي التعجيزي تصبح الخسارة مغرية؛ حيث ينتقل المدرب معها إلى عطالة فخمة مؤدى عنها بالملايين دون حاجة لأي مجهود.

الواضح أن أولويات الدولة تختلف عن أولويات المغاربة، فلئن اشتركت معهم في البحث عن الإنجاز من أجل توظيفه سياسياً أو اقتصادياً، فهي لا تضعه على سلم اهتماماتها، ذلك أن ما يشغل بال المسؤول المغربي أولاً هو قدره وهيبته، وإن اقتضى الحال فهو قد يضحي بالإنجاز ويتسبب برعونته في إفشال المنتخب لقاء الحفاظ على كبريائه المصطنعة، ولعل المتأمل في تحركات رئيس الجامعة يلحظ هذا بشكل جلي، فالرجل يخالف عرف رؤساء الاتحادات الكروية بظهوره المبالغ فيه مع اللاعبين والمدرب وبمنازعته إياهم أضواء الكاميرات، وهذا هو جوهر صراع الرجل مع وحيد خليلوفيتش، وهو غير ما يقلق الجماهير الرياضية وإن بدت المعركة واحدة.

 لقد تأخر الإعلان عن إقالة المدرب البوسني من طرف جامعة الكرة في شخص رئيسها؛ لأنها كانت تمني النفس في أن يرضخ وحيد لتعليماتها بعد أن لخصت مشكلة تردي مستوى المنتخب في عودة حكيم زياش وعبد الرزاق حمد الله إلى صفوفه حتى تطور الأمر إلى مشاداة شخصية بين لقجع ووحيد، ومع ذلك لم توضح لنا جامعة الكرة لماذا لم تنجح قطعتا الغيار اللتان سبق تجريبهما في النهوض بالفريق، فقد سبق للاعبين المذكورين أن تسببا في تأزيم المنتخب في لحظات حاسمة. أما البعد المالي فآخر ما يُفكّر فيه ما دام أن مسؤولي الجامعة لن يدفعوا شيئاً من جيوبهم.

 استغرقت الجامعة الكروية المغربية وقتاً ثميناً في محاكاة الأساليب التي عفا عليها الزمان التي يستخدمها مسؤولو الأندية المحلية حين يعملون على تطويع المدرب فيقومون بتأليب قطاع من الجماهير عليه ويهيئون الأرضية لتمرد بعض اللاعبين عليه، فيضطر إلى الانصياع لإرادة إدارة النادي أو المغادرة من فوره متنازلاً عن جزء كبير من مستحقاته، لكن الرهان فشل فشلاً ذريعاً مع خليلوفيتش، رغم نشاط كتائبها الإلكترونية وإعلامها الموازي ضده، فغادر الفريق الوطني بشروطه بعد أن استنزف أموالاً طائلة من خزينة الدولة المفقر شعبها.

 لا نتشاءم هنا ولا نستبق الأحداث، ونتمنى أن تكون تقديراتنا خاطئة.. غير أن الواجب هو تسليط الضوء على مناورات الجامعة المغربية لكرة القدم التي وإن تغيرت الوجوه فلا تتغير ممارساتها، وذلك من أجل وضع الأصبع على مكمن الجرح، ومن أجل الارتقاء بمطالبنا من الخروج من دوامة إقالة المدربين إلى إقالة ومحاسبة مسؤولي الجامعة الذين يبددون أموال المغاربة دون حسيب أو رقيب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أنس السبطي
كاتب رأي مغربي
كاتب رأي مغربي
تحميل المزيد