يبدو أنّ علماء النفس والاجتماع سيطلقون قريباً مصطلحاً علمياً وطبياً جديداً تحت اسم "خاليوفوبيا"، يطلقونه على كل شخص يعيش في هوس وخوف من التعرض لنفس مصير المدرب البوسني وحيد خاليلوزيتش، الذي عاش 3 تجارب قاسية ومتشابهة، في مساره المهني، مع 3 منتخبات مختلفة.
ويتمثل هذا السيناريو الحزين، في قيادة المنتخبات إلى التأهل لنهائيات كأس العالم لكرة القدم، ثم إقالته، قبل شهور قليلة من بداية المونديال.
فبعد كوت ديفوار في سنة 2010 واليابان في 2018، جاء الدور على المغرب للتخلي عن المدرب خاليلوزيتش، وذلك قبل 100 يوم من انطلاق نهائيات مونديال قطر 2022، المقررة من 21 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 18 ديسمبر/كانون الأول القادمين.
وإذا كانت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم قد أعلنت الخميس 11 آب/أغسطس 2022 عن انفصالها بالتراضي مع وحيد خاليلوزيتش، فإن الأمر لا يعدو أن يكون سوى تأكيد للخبر الذي انتشر كالسهم في الهشيم، قبل يوم واحد من إعلان الطلاق، حول قرب إنهاء مهام المدرب البوسني على رأس الجهاز الفني لمنتخب "أسود الأطلس".
نية الإقالة كانت سائدة منذ نهائيات كأس أمم إفريقيا
وهي النية التي كانت سائدة أيضاً لدى اتحاد الكرة المغربي، منذ الدورة النهائية لكأس أمم إفريقيا لكرة القدم التي جرت بالكاميرون من 9 يناير/كانون الثاني إلى 6 فبراير/شباط من السنة الجارية، ولكن مسؤولي الجامعة الملكية فضلوا التريث وإقناع "الكوتش" وحيد بالتنازل عن بعض مبادئه لتفادي إقالته، حفاظاً على استقرار المنتخب.
وكان منتخب المغرب قد وصل إلى الدور ربع النهائي من دورة الكاميرون وأقصي على يد نظيره المصري (1-2 بعد الوقت الإضافي)، في مشوار اعتبرته شريحة واسعة من الجماهير الرياضية المغربية أنّه لا يشرف منتخباً مُقبلاً على المشاركة في نهائيات كأس العالم.
ولذلك، فإن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، كانت تفكر حينها، وتحت ضغط الشارع الرياضي، في إقالة خاليلوزيتش، وقد تسربت أخبار للصحافة المحلية بأن القرار قد اتخذ فعلاً.
ولكن رئيس الجامعة، فوزي لقجع، خرج بعد ذلك بعدة تصريحات، يؤكد فيها تجديد الثقة في المدرب ومُلمّحاً، في نفس الوقت، لقرب عودة اللاعبين الذين غابوا عن بطولة إفريقيا بسبب خلافات مع البوسني وحيد، على غرار حكيم زياش ونصير مزراوي، نجمي فريقي تشيلسي الإنجليزي وأياكس أمستردام الهولندي (قبل أن يرحل نصير إلى بايرن ميونيخ الألماني في الصيف الجاري).
المهم.. لقد برر الاتحاد المغربي لكرة القدم اتخاذ قرار التخلي عن خدمات المدرب البوسني، في بيانه الرسمي الأخير، بـ"الاختلافات وتباين الرؤى" مع وحيد خاليلوزيتش "على الطريقة المثلى لتهيئة المنتخب الوطني لنهائيات كأس العالم قطر 2022".
ولن أضيف شيئاً إذا قلت في مقالي هذا إن "الاختلافات وتباين الرؤى" في تحضيرات "أسود الأطلس" لمونديال قطر، التي أشارت إليها الجامعة المغربية لكرة القدم، هي متعلقة، بالخصوص، برفض خاليلوزيتش إعادة اللاعبين زياش ومزراوي إلى منتخب المغرب، على الرغم من مساعي رئيس اتحاد الكرة فوزي لقجع.
نقص التواصل.. نقطة ضعف "الكوتش" وحيد
ولكن ما يمكنني أن أضيفه أنّ خاليلوزيتش قد ذهب ضحية لشخصيته القوية المثيرة للجدل، فإذا كان قد أقيل من تدريب منتخب كوت ديفوار في فبراير/شباط 2010، لأسباب فنية بعد إقصاء "الفيلة" من طرف منتخب الجزائر ( 2-3 بعد الوقت الإضافي) في ربع نهائي كأس أمم إفريقيا لنفس العام بأنغولا، فإنّه أعفي من مهامه مع منتخب اليابان في أبريل/نيسان 2018 بسبب توتر علاقته مع بعض نجوم المنتخب.
فقد أوضح رئيس الاتحاد الياباني لكرة القدم، كوزو تاتشيما، أن إقالة خاليلوزيتش، قد تمت "بعدما أصبح تواصل المدرب والثقة من طرف اللاعبين مهزوزين"
نعم، لقد ذهب خاليلوزيتش ضحية لصرامته وانضباطه الكبيرين في العمل وأيضاً لنقص التواصل مع لاعبيه، والتي تعتبر نقطة ضعفه في تيسير المجموعة، وذلك باعترافه شخصياً في تصريحات سابقة قال فيها: "ربما أنا المخطئ، فأنا لا أحسن التواصل، لا أعرف استعمال لغة الخشب".
كوت ديفوار أقاله بـ"فاكس".. واليابان رمته في سلة المهملات
وربما ما قد يقلل من "صدمة" خاليلوزيتش هذه المرة أنّه قد سُرّح من تدريب منتخب المغرب بـ"احترام"، بحيث جاء في ختام البيان الرسمي: "تتقدم الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بالشكر الجزيل لما قدمه المدرب وحيد خاليلوزيتش، خلال الفترة التي أشرف فيها على قيادة المنتخب الوطني، في مقدمتها التأهل إلى نهائيات كأس العالم قطر 2022".
وإضافة إلى ذلك، فإنّ الأمر يتعلق بـ"انفصال بالتراضي"، وبعد عدة لقاءات بين رئيس اتحاد الكرة لقجع، والمدرب، وليس مثل ما حدث في المرتين السابقتين مع كوت ديفوار واليابان.
فقد سبق لخاليلوزيتش التعبير عن استيائه الكبير للطريقة التي تمت بها إقالته من تدريب منتخبي "الفيلة" و"الساموراي"، لما قال في أحد تصريحاته: "ما حدث مع كوت ديفوار لم يكن قلة احترام فقط بل أسوأ من ذلك بكثير، لقد أرسلوا لي فاكساً، قالوا فيه إني لم أفز بكأس إفريقيا؛ ولذلك فإن مهمتي قد انتهت، مستعملين كلمات قاسية، بدون أي لباقة".
وتابع متحدثاً عن إقالته من منتخب اليابان: "قد عاملوني مثل القرف، ألقوا بي في سلة المهملات، الطريقة المستخدمة لطردي هي عدم احترام تام لكل ما قدمته لكرة القدم اليابانية".
منتخب الجزائر صنع الاستثناء
ويبقى منتخب الجزائر هو الوحيد الذي شذّ عن تلك القاعدة، إذ واصل خاليلوزيتش مهمته مع "محاربي الصحراء" إلى غاية انتهاء عقده، فبعدما قاد الفريق للتأهل إلى نهائيات مونديال 2014 بالبرازيل، شارك معه في البطولة وبلغ رفقته الدور ثمن النهائي حيث خرج بشرف أمام البطل المستقبلي للمسابقة، منتخب ألمانيا (1-2 بعد الوقت الإضافي).
وقد طبق خاليلوزيتش نفس الانضباط المعهود عنه، عند إشرافه على المنتخب الجزائري، بداية من صيف 2011، بحيث قام بإبعاد بعض النجوم على غرار محبوب الجماهير الرياضية الجزائرية، كريم زياني، كما تسببت صرامته في الاعتزال الدولي المبكر لعدة نجوم كعنتر يحيى ونذير بلحاج وكريم مطمور.
ولكن ما ساعد البوسني وحيد في مهمته مع منتخب الجزائر، هو تلقيه الدعم الكامل لرئيس اتحاد الكرة، لذلك الوقت، محمد روراوة، الذي منحه الضوء الأخضر في التسيير الفني للفريق دون أي تدخل في صلاحياته.
مدرب محلي مرشح لخلافته
رحل وحيد خاليلوزيتش، إذاً، والأولوية الآن بالنسبة للجامعة الملكية المغربية هي تعيين الجهاز الفني الجديد الذي سيقود المنتخب في نهائيات مونديال قطر. وبحسب الصحافة المحلية، فإنّ المدرب الجديد "جاهز" وإن فوزي لقجع لم يكن ينتظر سوى إنهاء ملف البوسني بشكلٍ رسميِ للإعلان عن اسم "المحظوظ".
ويتعلق الأمر بوليد الركراكي، الذي قاد وداد الدار البيضاء المغربي للتتويج، في الموسم الماضي (2021- 2022) بلقبي الدوري المحلي ودوري أبطال إفريقيا لكرة القدم، قبل أن يستقيل من منصبه، الأسبوع الماضي، بعد خسارة فريقه نهائي كأس العرش لكرة القدم أمام نادي نهضة بركان.
كما نال لقب الدوري المغربي مع نادي الفتح الرباطي في سنة 2016، وتُوّج بلقب الدوري القطري، رفقة نادي الدحيل في العام 2020.
وسبق لوليد الركراكي اللعب في صفوف منتخب المغرب، حيث شارك معه في 45 مباراة دولية من 2001 إلى 2009، وكانت له عدة محطات احترافية بأوروبا كأجاكسيو وتولوز الفرنسيين وراسينغ ساتندير الإسباني، حيث كان ينشط في مركز المدافع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.