لن يكون الشهيد إبراهيم النابلسي، ورفيقاه إسلام صبوح وحسين جمال طه، آخر الشهداء الفلسطينيين الذين تغتالهم قوات الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، فهذه الجريمة هي امتداد لسلسلة جرائم الاحتلال القائم فكرياً على القتل والتهجير والتوطين منذ نشأته على يد عصابات اليهود وتعاون البريطانيين المحتلين.
تغيرت قيادات الاحتلال كثيراً ولم تتغير منهجيتهم التي يتخذونها في مواجهة الفلسطينيين، وفي الوقت نفسه بقي الشعب الفلسطيني صامداً في أرضه لا ترهبه عقلية الإجرام للاحتلال، والدليل هو تزايد إقبال الشباب على الانتماء لقوى المقاومة المعروفة، وهنالك أيضاً من يقاتل بشكل فردي بعيداً عن التنظيمات المعروفة، وقد سددوا ضربات موجعة في عمق الاحتلال هذا العام.
والولايات المتحدة الأمريكية شريك أساسي في ممارسات الاحتلال الإسرائيلي من خلال توفيرها للدعم القوي والكامل وبشكل مستمر لما تمارسه قوات الاحتلال، حيث يأخذ الدعم الأمريكي أشكالاً عديدة، منها توفير القدرات العسكرية، وكذلك الغطاء السياسي، خصوصاً في المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة، ولذلك سيكون لها حساب عسير يوماً ما، فالتاريخ يؤكد عدم استمرارية أي قوة مهما بلغت من عظمة.
لكن المؤلم هو الموقف الرسمي لذوي القربى والدين الغائبين عن توفير الدعم الحقيقي للشعب الفلسطيني باستثناء الكلام، وهل منع الكلام القتل والتدمير كما حصل مؤخراً في غزة؟ وهل أرهب الاحتلال بيانات الشجب والاستنكار المكررة؟ طبعاً لا، والمحتل يعلم جيداً عدم وجود أي دعم عربي حقيقي للفلسطينيين، ولذلك يستمر ويتوغل في منهجيته.
تعبت غزة كثيراً من الحصار الجائر المفروض عليها منذ أن نجحت حركة المقاومة الإسلامية حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وقد كان الحصار عقوبة لأهل القطاع على انتخابهم (حماس) في الانتخابات، وبسببها حصلت على أغلبية ساحقة في مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وبعد ذلك حصل الانقسام الفلسطيني نتيجة الاقتتال في القطاع بين حركتي حماس وفتح، وانتهى بسيطرة حماس السياسية والعسكرية على مقاليد الأمور في القطاع، يوم 14 يونيو/حزيران 2007، ولذلك أحكم الكيان الحصار لمنع حركة حماس من ممارسة الحكم رغم فوزها في الانتخابات.
لا يجب أن يبقى شعب غزة محاصراً أكثر من ذلك، خصوصاً من المنفذ العربي المصري، فقرار الحصار ليس قراراً دولياً، إنما هو قرار إسرائيلي غير ملزم لأحد، لا نتحدث فقط لدوافع إنسانية، وإنما من أجل الشعب الفلسطيني الذي يشكل مصدر قوة للعرب في حالة تعزيز وجوده على أرضه، وكلما زادت قوة الاحتلال على حساب الشعب الفلسطيني فإن الجميع سيدفع الثمن، لا الفلسطينيون فقط، هكذا يقول تاريخ اليهود.
لا بد من مواجهة الفكر الصهيوني بتعزيز عوامل الوحدة ونبذ الخلافات، فالدم الفلسطيني ليس رخيصاً، ولا يجب أن تستمر الصراعات الداخلية، بل يجب نبذها على المستوى الشعبي، وقد أحسن القائد الحمساوي يحيى السنوار عندما توعد الاحتلال بأن أول رشقة في الحرب القادمة رشقة القائد أبو عمار (ياسرعرفات) في رسالة ودعوة لوحدة الصف الفلسطيني، وكذلك أحسن القائد زياد النخالة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي عندما تحدث مؤخراً بوضوح عن أن حماس هي العمود الفقري لحاضنة المقاومة الفلسطينية، وقد قطع بذلك مخطط إسرائيل لإحداث شرخ جديد في النسيج الفلسطيني.
ولذلك وبناءً على أحاديث قادة المقاومة التي تدعو لتوحد الجميع في مواجهة الاحتلال فإن الخطاب الشعبي يجب أن يتوافق مع ذلك، وأن يقتدي بهذا النهج التوحدي، وقطع الطريق على الاحتلال الذي يبحث عن أي طريق لشق وحدة الصف، وهو ما يعزز من قوتهم.
استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة نابلس بعد أيام من توقف قصفها لغزة يؤكد أن كل أرض فلسطين وشعبها هي أهداف مستمرة مادامت هنالك مقاومة، بغض النظر عن انتماءاتها وتوجهاتها، مادامت مقاومة للاحتلال.
والدرس الأهم في قصة استشهاد إبراهيم النابلسي ورفاقه هو أن هؤلاء الشباب وحّدتهم مقاومتهم للعدو المحتل على الرغم من انتماءاتهم المختلفة، وأيضاً بالنظر إلى أعمار هؤلاء الشباب (لا يتجاوز أكبرهم 25 عاماً)، وقد شكلوا هاجساً لاستخبارات العدو على مدار فترة زمنية تم خلالها ملاحقتهم، وهذا يؤكد أن الأيام القادمة ستكون قاتمة السواد على الاحتلال في المعركة الكبرى، وهي قادمة لا محالة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.