لا تزال الرسالة التي وجهها العاهل المغربي محمد السادس للرئاسة الجزائرية، في خطابه في عيد العرش الأخير، تثير ردود الفعل في وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر منها في الأوساط السياسية ووسائل الإعلام الجزائرية والمغربية التي التزمت الحذر في قراءتها لمضمونها؛ لكن ذلك الصمت المشوب بالحذر لم يمنع عودة ملف العلاقات الجزائرية المغربية إلى الواجهة، حتى وهي تراوح مكانها منذ سنوات؛ بسبب ملفات بقيت عالقة، زادها تعقيداً تطبيع المغرب لعلاقاته الدبلوماسية وتكثيف تعاونه العسكري مع إسرائيل، الأمر الذي دفع الجزائر إلى غلق المجال الجوي وقطع العلاقات الدبلوماسية.
ما حدث ويحدث بين البلدين الشقيقين حالياً ليس بجديد، ففي عام 1994 تم إغلاق الحدود بين الدولتين، وفرضت تأشيرات الدخول على المواطنين المغاربة، بعد اتهام المغرب للجزائر بتدبير الهجوم الإرهابي الذي ضرب مدينة مراكش آنذاك، في وقت كانت فيه الجزائر تعيش أزمة أمنية وسياسية عويصة، وبحاجة إلى دعم المغرب في مكافحة الإرهاب والجريمة والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات التي ازدهرت آنذاك.
قضية تصفية استعمار
من حيث الشكل، العاهل المغربي وجه رسالته إلى الرئاسة الجزائرية، عوضاً عن مخاطبة الجزائر كدولة أو الرئيس الجزائري رمز السيادة، وهو الأمر الذي اعتبره الملاحظون في الجزائر محاولة لفصل الرئاسة عن باقي مؤسسات الجمهورية، وخاصة الجيش الجزائري الذي يعتبره النظام المغربي سبباً في تأزيم العلاقات مع المغرب، ويحمله مسؤولية دعم جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، علماً أن موقف الجزائر لم يتغير تجاه القضية الصحراوية منذ سبعينيات القرن الماضي رغم تغير الرؤساء وقادة الجيش.
والحقيقة أن موقف الجزائر لم يتغير تجاه كل قضايا التحرر، سواء في إفريقيا أو في باقي مناطق العالم، في السر والعلن، وفي كل منابر التنظيمات السياسية الدولية على مدى أكثر من أربعة عقود؛ انسجاماً مع لوائح وقرارات هيئة الأمم المتحدة التي تعتبر "القضية الصحراوية" قضية تصفية استعمار، وتدعو إلى إجراء استفتاء لتحديد مصير شعب الصحراء الغربية التي كانت مستعمرة إسبانية قبل أن تطالب المغرب وموريتانيا بتقسم الصحراء الغربية، ثم تتراجع موريتانيا بضغط من الجزائر.
المغرب من جهته يعتبر الصحراء مغربية منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو الذي لم يطالب بها عندما كانت مستعمرة إسبانية، بل كان يدعو إلى استقلالها رفقة الجزائر وموريتانيا، قبل أن يتهم الجزائر بتهديد وحدته الترابية، بعد أن كان من دعاة إجراء استفتاء تقرير المصير تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي زاد من تعقيد العلاقات بين الجزائر والمغرب أكثر مما كانت معقدة.
فبعد استقلال الجزائر وتحررها من الاستعمار الفرنسي مباشرة، أعلنت المغرب حرباً على الجزائر تطالب فيها بأجزاء من الصحراء الجزائرية، ليستمر التوتر بين البلدين رغم محاولات متبادلة لبناء ما سمي بـ"المغرب العربي الكبير" في ثمانينيات القرن الماضي، باءت بالفشل بفعل قوى غربية، يزعجها تقارب شعبين وبلدين يملكان من المقومات ما يجعلهما رفقة تونس وموريتانيا وليبيا قوة إقليمية في كل المجالات.
من حيث المضمون رحب المغاربة كعادتهم برسالة العاهل المغربي التي لم تختلف عن رسالة خطاب العرش للسنة الماضية التي دعا فيها الملك محمد السادس إلى فتح الحدود بين البلدين، وكأن المشكلة الأساسية بين البلدين تقنية وليست سياسية، أو كأن المشكلة بين الجزائر والمغرب هي غلق الحدود التي لم تكن في صالح الجانب المغربي من الجانب الاقتصادي والاجتماعي وحتى السياحي بسبب توافد ملايين الجزائريين على المغرب لقضاء عطلهم.
أما الجزائريون فقد اعتبروا رسالة الملك موجهة إلى العالم للظهور بمظهر البلد المسالم الذي يريد إقامة علاقات جيدة مع الجارة الجزائر، لكن من دون مناقشة أسباب التوتر وفتح ملفات الهجرة السرية وتجارة المخدرات، ودعم المغرب لما أسماه "جمهورية القبائل" عن طريق سفيره في هيئة الأمم المتحدة والتي كانت القطرة التي أفاضت الكأس، وأدت بالجزائر إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، ثم غلق المجال الجوي أمام الطائرات القادمة من المغرب، بعد التصريح المعادي للجزائر الذي أدلى به وزير الخارجية الإسرائيلي من الرباط أمام أنظار وأسماع نظيره المغربي والصحافة المغربية.
العشق الممنوع
التطبيع الرسمي للعلاقات المغربية الإسرائيلية لم يكن السبب الرئيسي ولا الوحيد في توتر العلاقات مع المغرب، لكنه أدى الى مزيد من الاحتقان، ودفع الجزائر إلى غلق مجالها الجوي وتحصين حدودها تجنباً لأي تواجد إسرائيلي في المنطقة، خاصة بعد أن وقع معه المغرب اتفاقات أمنية وعسكرية، تقول عنها الصحافة المغربية بأنها ضرورية لحماية المغرب من الجزائر، وتعتبرها الجزائر استفزازية تحولُ دون تطبيع العلاقات مع الجزائر.
لتلك الاعتبارات تجاهل الجانب الجزائري رسالة العاهل المغربي، أو لم يأخذها على محمل الجد، خاصة أنها تتكرر كل مرة بنفس المحتوى، ما جعل البعض يشبه العلاقات بمسلسل "العشق الممنوع"، حيث المحظورات كثيرة ومتزايدة تحولُ دون إقامة علاقات طبيعية بين الجارتين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.