أنا من الذين يؤمنون أن الحياة الزوجية تقوم على الود والمرحمة، وعلى التسامح والإيثار والتضحية من الطرفين، ولكن الذي يحدث اليوم في كثير من البيوت أن طرفاً واحداً يبذل ويعطي ويتفانى وينسى نفسه، والطرف الآخر يأخذ وينكر ويتصرف بأنانية وفوقية.
وكثيراً ما يتقاعس أحد الأطراف عن القيام بأهم واجباته وأخص أعماله، فلا يجد الطرف الآخر من يعينه على أعباء الحياة، وعلى تعويض النقص وقد أصبحت المسؤوليات كلها عليه.
ولذلك كثرت الشكاوى الأسرية والمشكلات الزوجية… وأصبح الظلم والهضم يتمدد ويتطاول ويتسبب بكوارث أخرى إضافية، فيؤدي للاكتئاب المرضي الحقيقي، وغالباً ما يقع الضرر الأكبر على الزوجة فتصبح نكدية وعصبية، وبالطبع ستؤثر مشاعرها السلبية على كل أفراد العائلة، وتتسبب بتهاوي الأسرة وتفككها، فكان ولا بد من رادع يوقف التعدي والتمادي.
ولأن الزوج عادة هو الذي يتسلط، ويتحكم بالزوجة، جاءت هذه المقالة؛ فالمرأة قد تحتاج لسلطة تعينها على الانتصار لنفسها في هذه الحالات:
أ – فقد ينشز الزوج ويخون، أو يهجر البيت ويغيب لأيام وليال! أو يُسمع زوجته عبارات النفور والكراهية، وقد يتزوج أو يسافر، وتبقى الزوجة في البيت معلقة، حيرانة لا تدري ماذا تفعل.
ب – وقد يصبح متكبراً متعالياً، وديكتاتوراً يجمع السلطات كلها في يده، بشكل لا تستطيع معه امرأته أن تقوم بأي عمل، صغيراً كان أم كبيراً، ويرفض طلبها دون مبرر واضح.
ج- وقد يهمل شؤون بيته وأولاده، ولا يسأل عن شيء، تاركاً مركب الأسرة تتقاذفه رياح الأيام، شاغلاً نفسه برفاقه مثلاً أو بسهراته أو غير ذلك.
د- ويتصف الزوج –أحياناً- بصفات قادحة في جبلته أو نشأته، تنعكس على سلوكه وكلامه فتتسبب بقهر للزوجة، فما الحل وكيف تحافظ الزوجة على استقرارها النفسي، وتحصل على ضرورات حياتها؟!
وإن أكثر النساء في بلادنا يقهرن على القبول بهذا الواقع، لأجل أطفالهن، أو لأنه لا مكان لهن ليذهبن إليه، ولا مورد مالي يساعد. ومنهن من تستمر من باب التفاؤل بأن يتغير الحال ذات يوم، وتعيش في أوهام ذلك.
وأحياناً تسكت النساء بسبب التخويف والتهديد من غضب الله أو غضب الزوج (وهو الظالم لها)، أو لمبررات مختلفة تُملى عليهن منها:
– فينصحن "بالصبر"، وكأنه منقبة في كل حال! والصواب أنه من واجب الشخصية المسلمة أن تدفع أسباب الظلم عن نفسها ما استطاعت، وأن تحترس من كل ما يسبّب لها الأذى، وتعمل على إزالته إذا وقع.
– أو توعد المرأة "بالثواب والأجر" وكأن دخول الجنة يستوجب الحرمان من سعادة الدنيا، ويستدعي تأخير المكرمات للآخرة… ومن الغرائب أن الترغيب بالجنة يكون للمرأة فقط، أما الزوج فلا يُذكر بالجنة كالمرأة (عند الخلافات الزوجية) فيأخذ ما يشاء في الدنيا من مزايا ومتع، وله فوقها الأجر بالآخرة، بل أجره أكبر (حسبما يقول المفسرون والفقهاء لأنه فُضِّل عن المرأة)!
وهذا من الغبن الذي تتعرض له المرأة، فالصبر جاء بالشرع له ولها، والثواب الأخروي المتأخر له ولها، فعلام ترتبط الأنوثة بالحرمان الدنيوي وبالأجر المؤخر؟
وإن المجاهدة ورفض الغبن أمر مطلوب شرعاً، ولذلك شرحت الآية للمرأة ما يجب عليها فعله: "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"، والصلح يكون بالمقايضات والحوار الهادئ السلمي.
ولكن وللأسف كثير من المؤثرين والمفتين يتكلمون عن نشوز الزوجة، ويبالغون، في حين لا نسمع عن نشوز الرجل، وكأنه حكم ملغى؟! أو أن الرجل كامل ولا يخطئ! وبالتالي لا يراجع ولا يعاقب. وهذا من الميل والتحيز الذي نرفضه؛ لأنه مخالف للشرع.
فكيف تتصرف الزوجة حين تُحرم من حقوقها الأصيلة الضرورية، أو تتعرض لإساءة كبيرة؟
على الزوجة أن تتبع هذه الخطوات:
1- تحاول هي أولاً نصح زوجها أو تنبيهه، وتهتدي بما تعرفه عن شخصيته، ويجب أن تقوم الزوجة (كما يقوم الزوج) بدور الأمر بالمعروف، فالأسرة هي الخلية الأولى من خلايا المجتمع، وخطأ الزوج وتقصيره يعود على الأسرة الصغيرة بالسوء؛ لأنه قدوة لأبنائه، وأمثولة لزوجته. كما أن فساد الأزواج يؤدي لفساد المجتمع.
على أن بعض الأزواج لا يحبون النصيحة المباشرة، ومنهم من يأنف من نصح المرأة فيعرض عنها ويتمادى ليغيظها، وعلى الزوجة في هذه الحالة أن تستعمل الأساليب الذكية، والكيد الخفي، الذي يكون بالخير ويكون للإصلاح، وتحاول التأثير عليه بلطف وليونة (بأنوثتها وكيدها المحبب)، فتقرأ عن القوة الناعمة وطرق التغيير. فإن لم تستطع عليها بالخطوة التالية.
2- المشاكل الأسرية ليست شأناً شخصياً بين الزوجين، فإن لم تستطع الزوجة الإصلاح فلا ضير لو دخل طرف ثالث سعياً للحل بدليل: "وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها"؛ مما يعني أن للأهل أن يبادروا بالإصلاح دون استشارة الزوج، ويتصرفوا بناء على المصلحة.
وتشير الآية إلى "عارض مهم" قد يقع خلال محاولة الإصلاح فيعرقله، وعبّر الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: "وَأُحضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ"، وهو أن يستأثر الإنسان بكل الخير، وينسب كل الإيجابيات لنفسه، وينفيها عن الآخرين. ونحن نرى بالفعل في محاولات إصلاح البين، أن كل طرف يضع المسؤولية على الطرف الآخر، ويبرئ نفسه من كل عيب وتقصير، ويلقي باللائمة على زوجه وينسب العيوب إليه، ويجرده من كل الإيجابيات، وهذا كله يجعل تحقيق الصلح عسيراً إن لم نقل مستحيلاً، والطرف ثالث يلين العلاقات وينصف المظلوم من الظالم، ويعين على الحل، وعلى الزوجين الاستعانة بهؤلاء على الترتيب:
أولاً- أبوها وأمها خير من يعينها (وأحياناً والدا الزوج):
فالأهل أولياء على أولادهم، والزواج لا يلغي دورهم، بدليل أن النبي عليه السلام قال: "يا عائشةُ! إني أريدُ أن أعرضَ عليكِ أمراً أُحبُّ أن لا تَعجلي فيهِ حتى تستشيري أبويْكِ. قالت: وما هو؟ فتلا عليها الآيةَ. قالت: أفيكَ، يا رسولَ اللهِ أستشيرُ أبَوَيَّ؟ بل أختارُ…".
والأهل –الواعون- يتفقدون أولادهم، ويزورنهم ويطلعون على أحوالهم (قبل أن يشتكي الأبناء)، ومنهم من يقدم النصيحة بحكمة وذكاء قبل وقوع المحظور. وهكذا كانَ يفعل أبو بكر الصديق مع عائشة، وعمر بن الخطاب مع حفصةَ، وكانَ النبيُّ يأتي بيتَ فاطمةَ من الليلِ فيطرق البابَ ليقوما من الليلِ فيصليا فَلَمْ يَجِدْ عَلِيّاً فِي الْبَيْتِ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي لا أدري أين هو.. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإِنْسَانٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ، فَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ قُمْ أَبَا تُرَابٍ".
وإذا حصلت مشاحنات، لا ينبغي أنْ يُخرجَ الرجل زوجته من بيتها، أو يتركها تخرج إلى أهلها؛ بل يخرج الزوج إلى المسجد أو إلى أهله، ويغيب مدة مناسبة، حتى تهدأ النفوس. وهناك يراجع نفسه ويفكر بتعقل، ويبحث عن السبب والحل، ولا يبرئ نفسه فلعل السبب منه.
ثانياً: الحكمان (والله أَمَّرهما)
وهما من أكثر من يساعد الزوجين على حل مشكلاتهما، وهو اقتراح رباني: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، وظاهر الآية أنهما يتدخلان دون إذن من الزوج أو طلب منه.
والواجبُ إرسال حكمٍ عادلٍ عاقلٍ من أهلِ الزوجِ مثله من أهلها فيستمعانِ ويقضيانِ بإنصاف؛ فهو حكمٌ ليسَ بوكيلٍ، كما ذكرَ ابن القيِّمِ.
ثالثاً: القاضي
وسئل أحد الشيوخ: "ومن يؤدب الرجل حين يعوج، خاصة في البيت، فأجاب: يؤدبه أمران (1) الله -عز وجل- وخوفه منه وقد ختم آية القوامة بتهديد للأزواج: "إن الله كان علياً كبيراً"، (2) ويقوّمه أيضاً السلطان والقاضي.
والمفروض أن يكون القاضي هو الشخص الثالث والمرحلة الأخيرة، ولكنه وللأسف اليوم أصبح الحل الأول، فكثير من الرجال يتعنتون، ويرفضون الحلول الأولية وهي من عند الله، ويحبون الحلول الأخيرة، فيسارع الزوج لدفعها للمحاكم إن هو أخطأ… وهكذا تتعقد الأمور وتتصاعد.
وكانت المرأة إذا اشتكت ظُلمَ زوجها للقاضي عاقبه بضرب أو حبس، أو بأي عقوبة مؤثرة فيه فتردعه. ولكننا -وفي زماننا هذا- عرفنا من القضاة من يتحزب ويتحيز للزوج، ومن يكذبها ويطالبها بأدلة تعجيزية، حتى إذا جاءت بها، قال إنها زورتها لتفتري على زوجها. وعندي من القصص ما يؤلم ويبكي، ولهذا ما زلت أكتب وأدافع عن ظلم المرأة، وأسأل الله الأجر والمعونة.
وبحمد الله بدأت تلك القوانين تتغير رسمياً، وبذلك أصبحت المحاكم أكثر إنصافاً، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ونتمنى أن تمضي الأمور لخير أكبر فتتبدل العقول والقلوب (ولا نحتاج لتلك المراحل ولا لتغيير القوانين)، ويعيش الزوجان على الود والمرحمة ويتبادلان التضحية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.