5 مسلسلات مصرية لم أندم على مشاهدتها

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/09 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/09 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش

أعترف أنني من النوع الملول جداَ، قليلة هي الكتب التي أكملها لنهايتها، وكذلك الأعمال الفنية التي يمكن أن تدفعني لمواصلتها حتى النهاية، لذا أعتبر هذا الموسم من المواسم الفنية النادرة التي استطاعت أن تجمع خمسة مسلسلات، نجحت أخيراً في إبقائي أمامها، ليس بدافع الفضول للتعرف على نهايتها، ولكن إعجاباً واستمتاعاً بالتفاصيل، الأجمل أنها كانت منوعة بين الجريمة والكوميديا والرومانسية والواقعية، وجدتني أشعر أنني شاهدت شيئاً مختلفاً ومميزاً حقاً، لكن اللافت أنها جميعاً جاءت عبر منصات خاصة وهو أمر يستدعي التأمل، حيث لم تعد شاشة التلفزيون المجانية -أخيراً- تحمل عملاً مميزاً للجمهور مقارنة بالمنصات المدفوعة!

الخطف على طريقة "ريفو"

مسلسلات مصرية

خطفتني الحلقة الأولى، رغم أن الدقائق الأولى بدت لي مملة أو مصطنعة، لكنني لاحقاً انجذبت، أو بالأحرى التصقت داخل منزل الكاتب يوسف فخر الدين -الممثل محسن محيي الدين-  الذي يتوفى فجأة تاركاً خلفه سيناريو عمل فني يدور في فترة التسعينات، وابنة وحيدة لا تدري كيف ستواصل حياتها بعد وفاة والدها.

صدمة مريم في الوفاة المفاجئة لوالدها تدفعها لمشاهدة لقاءاته القديمة، فتسمع تلك الجملة على لسانه، وهي جملة مميزة للغاية، استوقفتني فدونتها في دفتري:

"كلمة نهاية واردة في السينما، لكن في الحقيقة مفيش نهايات، كل نهاية هي بداية لحاجة جديدة، وإوعي تشوفي إن بسبب لحظة بايخة أو صعبة ممكن الدنيا تقف، اللحظات دي بتحصل عشان الدنيا تبقى أحسن"، هكذا تقرر الابنة استكمال أعمال والدها، لتتحول وفاته إلى نقطة انطلاق لها، تتغير خططها بشأن السفر وتبدأ رحلة الغوص في تاريخ فرقة موسيقية تدعى "ريفو" نشأت في فترة التسعينات، وتفككت لاحقاً، ليعود كل شيء إلى الخلف في المسلسل، وتجدك كمشاهد تتساءل: هل يوجد حقاً فرقة بهذا الاسم؟

حاولت أن أعثر على سر تميز "ريفو" الذي جعله على قائمة تفضيلات كثيرين هذا الموسم، حتى النقاد اعتبروه خطوة على الطريق الصحيح، فوجدت الإجابة على لسان مؤلفه، محمد ناير، السيناريست الذي قدم عدداً من المسلسلات قبله، مثل "القيصر" و"المواطن إكس" وغيرهما، اعتبر أن هذا المسلسل هو الأنضج في مشواره، خاصة أن كتابته والتحضير له استغرقا 12 عاماً.

ربما العقدان الأكثر تأثيراً في أذهان أصحابهما هما الستينات والتسعينات، تلك الأخيرة يملك أبناؤها حنيناً جارفاً إليها، ذلك الجيل الذي عاصر كافة كوارث القرن منذ زلزال 92 في مصر وحتى عصر الكوفيد، لا يزال يفتقد كثيراً من تفاصيل تلك المرحلة الزمنية التي لا يستحضرها إلا القليل من المسلسلات وبعض الإعلانات التجارية.

ربما كان العنصر الأقوى في "ريفو"، برأيي، بخلاف إيمان صناعه به، ظهور وجوه جديدة، غير معهودة، في مقدمتهم أمير عيد –شادي أشرف- والذي أعتبره "وحش تمثيل"، كذلك ركين سعد الابنة التي أراها للمرة الأولى – مريم فخر الدين، وعدد آخر من الشخصيات مثل تامر هاشم في دور ماجد جورج، وحسن أبو الروس في دور مدحت أباظة، وكذلك سارة عبد الرحمن في دور ياسمين رحمي، وأخيراً الشخصية الأكثر تميزاً بين الجميع، والذي أعتبره "اكتشافاً" حقيقياً صدقي صخر في دور مروان سامي، المسلسل الذي أنتجته منصة شاهد يستعد صناعه لجزء ثانٍ بعد النجاح الكبير للجزء الأول.

اللعب بالأعصاب في منعطف خطر 

مسلسلات مصرية

لم أشاهد مسلسلاً مؤثراً وصادقاً بهذا القدر منذ وقت طويل، في الواقع بكيت كثيراً، واستمتعت بأداء لافت لاثنين من "وحوش التمثيل" غابا عن "الحضور"؛ الأول هو أحمد ماهر، الممثل الذي ابتعد بالفعل، فلم أشاهده في عمل واضح منذ "حديث الصباح والمساء"، قبل 21 عاماً، لا أنسى شخصية يزيد المصري، ذلك المشهد بالذات الذي اهتز له قلبي، وهو يبكي بحرقة ويتساءل: "نبيع إيه ونشتري إيه؟" في كل مرة يعاد فيها المسلسل كنت أتساءل كيف يمكن للمنتجين وصناع الدراما أن يفوتوا موهبة وأداء كهذا؟

 أما الممثل الثاني فقد ابتعد معنوياً عن الجمهور، تارة بسبب "اتهامات تعاطي المخدرات" وتارة آخرى بسبب الأزمات والاشتباكات التي وصلت إلى "الكباريهات" حتى أن إنذاراً رسمياً طالب بشطبه من نقابة الممثلين، باسم سمرة، الذي خابر عدداً كبيراً من المشاكل أخيراً، عاد أخيراً بمشاهد وأداء غاية في الروعة، نالت استحسان الجمهور وأستطيع القول إنه الأقوى على الإطلاق داخل المسلسل، بشخصية مركبة، يقدم خلالها لأول مرة شخصية الأب متوسط العمر، الغاضب الموتور، المكلوم في الوقت ذاته.

الحق أنها توليفة استثنائية، فبالعودة إلى البطولة أرى أن باسل خياط، عبقري التمثيل، اختيار عبقري، لضابط مباحث يكتم الأنفاس ويثير التوتر ليس لدى المتهمين الذين يقوم بالتحقيق معهم، ولكن أيضاً، لدى المشاهدين.

مع كل مشهد في "منعطف خطر" كنت أختبر شعوراً مختلفاً، ربما الشعور الأبرز هو الحزن العميق، والتوتر الشديد، منذ اللحظة الاولى وحتى الأخيرة، يقول أرسطو إن المأساة لها تأثير على الجمهور "يطهرهم"  و"ينقيهم" ربما هذا هو ما ستشعر به فوراً عقب عدة حلقات من منعطف خطر، أجواء كئيبة متواصلة منذ اللحظة الأولى وحتى اللحظة الاخيرة، لا تتعلق فقط بالأحداث، ولكنها تتمثل أيضاً في الإضاءة وألوان الملابس، وملامح الوجوه، كل التفاصيل تمنحك ذلك الشعور المقبض المخيف، مسلسل تصير من بعده حياتك، مهما كانت بائسة، أفضل كثيراً. 

متعة "البيت بيتي" 

مسلسلات مصرية

قليلة هي المسلسلات التي تحمل شارة "كوميدي" وتتمكن من إضحاكك فعلاً، لذا كان مسلسل "البيت بيتي" معجزة بكل المقاييس الفنية، بدأ الأمر مع منشور على فيسبوك، كتبت فيه صديقة لي أنه الأفضل منذ وقت طويل، لذا بدأت في مشاهدته وكان هذا هو أفضل مع فعلت بحق نفسي.

الرسائل ليست دائماً مهمة، وكذلك العمق، ماذا عن شيء بلا شيء، عمل مضحك نظيف لطيف، يمكنني أن أشاهده في بيتي يخلو من استخفاف الدم، والمط في الأحداث، والأفورة، والإيحاءات السخيفة، عمل يمكن مشاهدته بصحبة  عائلتي ووالدَي دون توتر أو مفاجآت سخيفة، هذا ما حدث مع "البيت بيتي" حرفياً، ضحكت -لأول مرة من وقت طويل- من قلبي، حتى أنني أجهزت على الحلقات في وقت قياسي، وصرت أرشحه خاصة بعدما تصدر المشاهدات في مصر وقت عرضه.

ربما الأفضل بشأن هذا المسلسل، أنه يعيد تقديم كريم محمود عبد العزيز بكوميديا أكثر هدوءاً وأقل في الانفعالات، هو ممثل كوميدي لا غبار عليه، قادر عن انتزاع الضحكة من قلب الحزن، لا يختلف عنه مصطفى خاطر، والذي صار في مكانة مختلفة لدي منذ شاهدته في مسلسل "هربانة منها" بصحبة ياسمين عبد العزيز، قبل سنوات. 

فن الإبهار في "مسلسل الثمانية"

مسلسلات مصرية

الحق أنني لم أكن متحمسة لمشاهدته، لكنني قررت أن أفعل من باب الفضول، هكذا بدأت في مشاهدة الحلقة الأولى، وكانت الملاحظة الأولى لي: "هذا إنتاج أفلام وليس مسلسلات" زوايا التصوير، والجودة والأجواء تشعرك أن هذا فيلم باهظ التكلفة، مواقع تصوير فخمة، يجري تدميرها بمنتهى السهولة، ملايين تحترق، وممثلون واثقون من أنفسهم جداً.

حسناً، نشاهد بعض المسلسلات دون حسابات للمنطق من باب "التسرية عن العقل" أو خوض تجربة جديدة، بحسابات الكتابة الجيدة، لم أكن سأكمل المسلسل لنهايته، بدا لي مستفزاً وسهلاً وغير محبوك، لكنني أكملته من باب الفضول، و"تغيير الجو"، استوقفتني مشاهد الخمر، التي لازمت الممثل خالد الصاوي طوال المسلسل، مع تلذذه الشديد بها بدءاً من رائحتها وحتى نوعياتها، لا أدري ما السياق الدرامي لهذه المشاهد، ولكن هذا لم يكن مأخذي الوحيد، بدا كل شيء في المسلسل كليشيه، مع ذلك لم أندم على المشاهدة!

في الواقع التمثيل جيداً، والتكلفة عالية، والمتعة البصرية متوافرة، كأنك تشاهد أفلام أحمد السقا بحذافيرها، ولكن بتصرف، تنتهي الحلقة وتجد مشبعاً بأجواء الغموض والمطاردة، والانتقام، طلقات نارية متواصلة وقتلى ودماء وغضب شديد تفرغه حلقات "الثمانية" داخلك، شاهدته واستمتعت به من باب "التغيير".

الغوص في عالم "وش وضهر"

مسلسلات مصرية

في طفولتي كان الدكتور أحمد خالد توفيق، هو كاتبي المفضل، هو من مواليد طنطا، ولطالما حضرت تلك المدينة في أعماله بقوة، رفض أن يتركها رغم شهرته وعشرات العروض التي تلقاها لاحقاً للانتقال، فظل هناك، منذ الولادة وحتى الوفاة، في الواقع طنطا مدينة أيقونية، أغلب القريبين إلى القلوب في الطفولة والصبا قادمون من هناك، الدكتور نبيل فاروق، أسامة أنور عكاشة، إبراهيم أصلان، وصولاً إلى الفنان محمد فوزي، في الواقع تترك تلك المدينة أثراً في قلب أبنائها، لطالما أردت زيارتها، حتى أنني وضعت ذلك على قائمة أمنياتي التي لم تتحقق بعد، لكن "وش وضهر" تكفل بتحقيق حلمي، حيث حملني إلى هناك، رأيت عبر الشاشة مدينة توافق تلك المرسومة بخيالي، وعايشت أجواء -رغم بعض التحفظات- لذيذة.

قليلة هي المسلسلات التي تجعلك تعيش "حالة" تتمنى لو تحتفظ بها لفترة، يساهم في ذلك كافة التفاصيل بداية من الملابس والديكور وصولاً إلى التمثيل المبهر، والذي تحول فيه إياد نصار إلى مصري صميم، وتألقت خلاله ريهام عبد الغفور بعمل هو البصمة التالية في مشوارها من بعد أدائها المبهر في "ليه لأ" هكذا تحفر طريقاً مميزاً لها.

في هذا العالم يصير المستحيل ممكناً، وتصير التفاصيل الصغيرة البسيطة ملهمة جداً، استمتعت بشدة ورشحته لمن أراد مشاهدة عمل متقن جيد وإن لم يخل من التحفظات، لكنه بدا لي جيداً جداً وممتعاً جداً أيضاً، أبطاله ضحى الشابة الريفية وجلال الرجل الهارب من المدينة، اللذان يعثران على بعضهما أخيراً؛ ليبدآ مع حياة جديدة خالية من أدران الماضي، مع رسالة طيبة جداً مفادها: "دائماً هناك فرصة للبدء من جديد".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]


مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد