التغيير الكبير.. هكذا يعاد تشكيل العالم بفعل الأزمات!

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/08 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/08 الساعة 10:20 بتوقيت غرينتش
روسيا تعاني من نقص في العملة الصعبة بسبب العقوبات الغربية/ getty inages

يبدو أن الحرب الروسية- الأوكرانية لن تنتهي بكل بساطة كما يتوقع بعض المراقبين والمحللين، ويبدو أنها لن تمر بسلام على النظام العالمي مرور الكرام، وستلقي بظلالها على العالم أجمع بصرف النظر إن كان إيجاباً أو سلباً.

الثابت من هذه الحرب أن تغييرات عظيمة ستحدث في العالم ولربما أن تلك الحرب أيقظت ملفات كانت تغط في سبات عميق ونفضت الغبار عن أحداث ما كانت لتحدث لولا تلك الواقعة، وجعلت الدول العظمى تتحرك بشكل مطرد بدءاً من حرب التحالفات انتهاءً بحرب الغذاء.

أصدقاء القوى العظمى

بعد زيارة الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط والتي تأتي بسبب تراجع الدور الأمريكي في المنطقة وحضوره  قمة ضمت دول الخليج وقادة كل من الأردن ومصر والعراق، فالمتتبع الجيد لحديث القادة في القمة يعرف جيداً أن كل واحد من الزعماء حمل الرئيس الأمريكي رسالة مهمة وتحدث عن المخاوف التي تهدد أمن كل بلد وبعضهم أشار للرئيس الأمريكي أن هناك ثوابت لا يمكن التنازل عنها تحت أية ظرفٍ كان.

وكل هذا مقابل أن نبقى أصدقاء لأمريكا وتبقى أمريكا صديقةً لنا والحديث أن سبب الزيارة كان لتشكيل "ناتو عربي-إسرائيلي" يتخلله دمج للكيان الصهيوني في المنطقة أعتقد أنه ربما لم  يكن مطروحاً وحتى إن كان وقد طرح فقد قوبل بالرفض، فحلف كهذا الحلف وفي هذا الوقت سيضع المنطقة في مطحنة لن ترحم أحداً أبداً.

وعلى الجانب الآخر لم تتردد روسيا بزيارة سريعة إلى طهران لتقول لأمريكا وأصدقائها نحن وأصدقاؤنا أيضاً هنا، موجودون بكل قوة في الشرق الأوسط، وللأمانة فإن روسيا وأصدقاءها ربما أنهم يشكلون ثقلاً استراتيجياً أكبر من ثقل أمريكا وأصدقائها، وهذه رسالة مهمة للدول العربية ودول الشرق الأوسط مفادها: أن الشرق الأوسط سيكون مسرحاً لأحداث جسام وتغييرات كبيرة في السياسات والتحالفات وأن المرحلة القادمة ستكون حرباً بالوكالة بصرف النظر عن شكلها ونوعها!

الرد الأمريكي بعدها جاء من العيار الثقيل على بكين وأصدقائها بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي لتايوان -باعتبارها إقليماً صينياً انفصالياً- متجاهلةً بذلك كل تحذيرات بكين لتلك الزيارة وأعتقد أن بكين لن تبقى صامتةً على تلك الزيارة وسيكون الرد من نفس العيار وستتوسع دائرة الخلافات التي ربما تفضي إلى حرب عالمية ثالثة مجهولة الشكل والنوع!

ملف الأمن الغذائي

وعلى نفس الصعيد ونتيجةً لتلك الحرب أصبح ملف الأمن الغذائي يتصدر أولويات الدول وبات خبراً نسمعه كل يوم على شاشات التلفاز، لذلك توجهت أنظار الغرب وروسيا هذه المرة إلى إفريقيا ليس لأجل الألماس والذهب بل من أجل أراضيها الخصبة ومن أجل توفيرِ مخزون استراتيجي وحصة غذاء كافية لمواطني كل منهم.

لذلك جاءت زيارة رئيس الوزراء الروسي السيد سيرغي لافروف للقارة السمراء ليؤكد لهم أن روسيا ما زالت تملك القوة الدبلوماسية لتحدي الغرب في جميع المجالات وأبرزها الزراعية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سارع الخطى هو الآخر إلى القارة الإفريقية السمراء سعياً منه لدفع نفوذ بلاده هناك والذي تراجع لصالح روسيا والصين لاسيما في القطاعين الاقتصادي والتجاري.
هاتان الزيارتان جاءتا لخطب ود القارة الإفريقية وبسط نفوذ كل منها على ما أمكن من دول إفريقيا ولخلق تحالفات جديدة قديمة لكل منهما وكل هذا لسبب بسيط وهو ثروات القارة السمراء -المنهوبة- الطائلة التي لا تعد ولا تحصى وأبرزها الثروة الغذائية، لذلك وفي قادم الأيام وبلا شك ستكون إفريقيا مسرحاً لصراع مرير بين الغرب وأمريكا من جانب وبين الروس والصين من جانب آخر ولا ننسى دخول تركيا لذلك السباق لتكون منافساً قوياً هي الأخرى في ظل غياب تام للعرب، للأسف!

ومع اقتراب فصل الشتاء دقت الدول الأوروبية ناقوس الخطر حيث إن روسيا قادرة على نقل الحرب إلى كل بيت في أوروبا! لسبب بسيط وهو أن روسيا هي المصدر الرئيسي وربما الوحيد الذي يمد أوروبا بالغاز في ظل فشل الولايات المتحدة بتوفير مصدر بديل، وربما أن رسالة روسيا القوية وصلت بعد حجة توقف خط نورستريم١ عن العمل لمدة أسبوعين بحجة الصيانة والذي سبب إرباكاً واضحاً وحالة رعب وقلق كبيرين لدى سكان القارة العجوز التي تعتمد بشكل كبير على الغاز كمصدر أساسي للطاقة.

هذه الأزمة لا شك أنها دفعت بشكل كبير دول العالم للتفكير بشكل جدي بالاعتماد مستقبلاً على مصادر الطاقة البديلة، وأعتقد أن ملف الطاقة النظيفة سيكون محور اهتمام العالم في قادم الأيام  لسببين، أولهما التخفيف من الاحترار العالمي بسبب الارتفاع الملحوظ في درجة حرارة الأرض الذي بدورة أدى إلى تغير واضح في المناخ، وما يحدث فى أوروبا من موجات حر وحرائق في الغابات أكبر دليل، والسبب الآخر هو توفير بديل للطاقة تحسباً لأية طارئ وحتى لا تقع أي دولة تحت رحمة دولة أخرى كما يحدث بين دول أوروبا وروسيا.

كما قلنا سابقاً ونؤكد مرةً أخرى أن الحرب الروسية الأوكرانية ستكون مقدمة لتغيير كبير في العالم والنظام العالمي وعلى الدول العربية أن تجاري الحدث بكل جدية وتستفيد منه لمصلحتها ولمصلحة شعوبها مستقبلاً وأن تضع ملف الأمن الغذائي والطاقة البديلة على سلم أولوياتها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

جلال الجنيدي
كاتب وباحث في الشئون الإجتماعية والسياسية
كاتب في العديد من المواضيع الاجتماعية والسياسية والتقنية على العديد من المواقع وناشط في المجال الاجتماعي والدعوي والسياسي، ومحاضر في التنمية البشرية وتطوير الذات
تحميل المزيد