أهرام الجزائر.. ما قصة هرم ابنة كليوبترا الذي بناه لها زوجها الأمازيغي؟

عدد القراءات
789
عربي بوست
تم النشر: 2022/08/08 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/08 الساعة 12:47 بتوقيت غرينتش

فوق ربوة مطلة على البحر بمنطقة سيدي راشد بولاية تيبازة غرب الجزائر العاصمة، وبين سهل متيجة الخصيب وجبل شنوة الأسطوري، يعلو بناء هرمي كبير يرى من الجهات الأربع، ومن مراكب الصيادين ساعة الاهتداء للمرفأ الآمن. 

يتشكل البناء الحجري الضخم من ستين عموداً مثبتاً فوق قاعدة أتيكية ومزيناً بتيجان أيونية ذات أفاريز، ويتدرج من قاعدته المربعة بشكل هرمي قبل أن ينحو إلى الاستدارة الأسطوانية والمخروطية، وهو بقطر يفوق 60 متراً، وبمحيط يتجاوز 185 متراً أما الارتفاع فيحاذي 33 متراً. 

يطلق عليه السكان المحليون اسم " قبر الرومية"، أو " قبر المسيحية"، أما علماء الآثار فيسمون هذه المعلمة الهرمية، المصنفة من طرف "اليونسكو " ضمن قائمة التراث الإنساني والعالمي، منذ العام 1982: الضريح الملكي الموريطاني. 

وفقاً لروايات تاريخية عدة تعارضها روايات أخرى، فقد شيد هذا الهيكل الجنائزي في القرن الأول للميلاد، أو قبله بقليل، من قبل الملك النوميدي الأمازيغي يوبا الثاني، تذكار حب ووفاء لزوجته الفرعونية المصرية كليوباترا سيليني الثانية ابنة الملكة المصرية الشهيرة كليوباترا.

فكيف بدأت قصة الملك الأسير باني أشهر أهرامات الجزائر؟

1/ يوبا الثاني: من طفل أسير في روما إلى باني ضريح الحب الملكي في تيبازا

أهرام الجزائر
يوبا الثاني

يقول الدكتور جمال مسرحي أستاذ التاريخ القديم بجامعة باتنة واحد "لما نشبت الحرب الأهلية الرومانية بين حزبي العامة بقيادة القنصل بومبيوس، وحزب الأرستقراطية بزعامة يوليوس قيصر، انتقل بومبيوس وأتباعه إلى شمال إفريقيا، حيث كانت في ذلك الوقت مقسمة بين المقاطعة الرومانية في قرطاج، ونوميديا التي يقودها يوبا الأول الخاضع لروما، وفي حربه ضد البومبيين، شن القيصر حملات مطاردة ضدهم فهزمهم ثم انتحر يوبا الأول عند أسوار قصره بزاما، فأخذ الإمبراطور الروماني المنتصر ابن يوبا الأول وهو يبلغ من العمر عامين، فأوكله لشقيقته أوكتافيا التي ربته جنباً إلى جنب مع سيليني ابنة كليوباترا، التي كان أخذها هي أيضاً بعد القضاء على والدتها في مصر".

نشأ الطفل النوميدي المولود في العام 53 بمدينة هيبون، وتسمى حالياً عنابة وتقع شرقي الجزائر، في رعاية أعظم ملوك روما أوكتافيوس أوغسطس الذي رفعه الرومانيون لمصف يشبه الإله الحاكم، فتعهده لذلك نعت بالإمبراطور المتغطرس السفاح بالرعاية الشاملة من تربية وتعليم في مدارس روما واليونان، فتمكن من اللغات اللاتينية واليونانية وأولع بالكتب والرسم والنحت والفنون، حتى إذا ما شب على العلوم برع في تأليف الكتب، أبرزها كتاب "ليبيكا"، ثم عصفت به رياح الحب عندما عاشر تلك الشابة المصرية من سلالة كليوباترا فأعجب بها وأعجبت به، ثم سرعان ما تزوجها، وهو في الخامسة والعشرين حولاً، ثم عاد بها إلى موطنه النوميدي ليحكم مملكة موريتانيا تحت الوصاية الرومانية ضمن مخطط لإنهاء الكيان النوميدي.

لقد بدا واضحاً أن الرومان كانوا ينوون تفتيت الدولة النوميدية التي قارعتهم طوال سنين، وليس هناك أفضل من حاكم محلي يرجع به نسبه إلى سلالة ماسينيسا مؤسس وموحد المملكة النوميدية المشاغبة.

 وانطلاقاً من مدينة يول، أي مدينة شرشال الحالية الواقعة على بعد 60 كلم غربي العاصمة الجزائر، حكم يوبا الثاني مملكة موريطانيا، غير أنه سمى عاصمته باسم جديد هو "القيصرية" وفاء لمربيه يوليوس قيصر، فامتد سلطانه من تخوم شرق البلاد والوسط وامتد إلى ما وراء نهر الملوية، وتجاوزه إلى شمال المغرب وصولاً إلى المحيط الأطلسي. يوضح الدكتور جمال مسرحي ذلك "امتدت دولته من وادي لامصاقا قرب جيجل إلى المحيط الأطلسي، وعلاوة على عاصمته الأولى، أنشأ له عاصمة ثانية بمنطقة وليلي أو "فليوبوليس" بالمغرب الحالي".

وعلى مدار نصف قرن، سيبرع يوبا الثاني في تشييد مدينة شبيهة بروما، بقصر ملكي من الرخام وبمكتبة عظيمة تزينها التماثيل والمنحوتات، وبساحة أرينا يتصارع فيها العبيد مع الأسود والفهود، وبحدائق وميناء مزدهر، ثم بسك النقود الفضية بصورته وصورة زوجته.

لكن ذلك الملك الذي لقب بالحاكم المثقف والعالم سيفجع أيّما فجع، ومرض غريب يداهم زوجته وحبيبته سيليني، ويغيبها إلى الأبد، فحزن على موتها الطارئ وأقام لها جنازة فرعونية، على متن مركب طاف بها من القصر وعبر البحر لتدفن في مكان قريب قبل أن يشيد لها الضريح، ليلحق بها ليدفن إلى جوارها، في العام 25 ميلادية عندما فاضت روحه شيخاً في الخامسة والسبعين عاماً.

أهرام الجزائر
سيليني ابنة كليوبترا

 ومنذ تلك الفترة صار الهيكل رمزاً أسطورياً للحب تماماً كقصة قصر تاج محل، إذ يجزم عالم الآثار أدريان برغروجر مستشار نابليون الثالث قائلاً: "أراد يوبا الثاني أن يكرس مدفناً يضاهي من حيث القيمة مدافن أسلافها في صورة الأهرامات المهيبة لفراعنة مصر، البلد الذي تنحدر منه زوجته".

رافقت هذه البناية الجنائزية، أساطير وخرافات وألغاز، تحدثت على احتوائها على كنوز قديمة، فقام حاكم الجزائر الباشا رايس صالح بقنبلتها العام 1555 ميلادية، مسبباً لها ضرراً في قبته ناحية جهتها الشرقية، غير أن مهمته فشلت، قبل أن يعيد الداي بابا محمد الكرة خلال القرن السابع عشر، بمحاولة تنقيب أخرى عبر عمال، بيد أن حشرات طائرة هاجمتهم فسببت لهم رعباً شبيهاً برعب لعنة الفراعنة؛ فتوقف كل شيء، ليستمر بقاؤه شامخاً على مدار الألفي سنة، فيما خلد الشاعر الجزائري مفدي زكريا قصة يوبا في إلياذة الجزائر التي حاكى فيها هوميروس عبر ألف بيت وبيت:

 أشرشال هلاّ تذكرت يوبا؟… ومن لقبوا عرشك القيصرية

 ومن مصروك فنافست روما… وشرفت أقطارنا المغاربية

2/ إيمدغاسن هرم الأوراس: بناه النوميديون قبل 5 قرون من ميلاد المسيح  

أهرام الجزائر
الضريح الملكي النوميدي

يعد الضريح الملكي النوميدي إيمدغاسن، الواقع ببلدية بومية في ولاية باتنة، الواقعة على مسافة 434 كيلومتراً شرق العاصمة، أعرق معلمة محلية لا في الجزائر فحسب بل في تاريخ البلدان المغاربية قاطبة، ذلك أنه شيد في القرن الرابع قبل ميلاد المسيح عيسى عليه السلام، فيما تنحدر به دراسات ميدانية جديدة قام بها الباحث محفوظ فروخي إلى القرن الخامس قبل الميلاد.

وحظي هرم الأوراس كما يلقب بالعديد من الإشارات التاريخية الهامة، فتناوله كل من الرحالة الأندلسي الشهير أبو عبيد الله البكري

– 1090.1030- في كتاب المسالك والممالك بعبارة قبر مادغوس، فأورد:

"ومن بغاي إلى قساس، وهي مدينة قديمة على نهر، وفي غربيها جبل شامخ، ومنها إلى قبر مادغوس، وهو قبر مثل الجبل الضخم، مبني بآجر رقيق وبني طيقان- نوافذ-صغار، وعقد بالرصاص، وبه صور الحيوان والأناسي وغيرهم، وهو مدرج النواحي وفي أعلاه شجرة ثابتة، وقد أجمع على هدمه من سلف فلم يقدروا على ذلك، وفي الشرق من هذا القبر بحيرة مادغيس وهي مجمع لكل طائر".

وبقدر ما أثار هذا الضريح فضول المؤرخين والجغرافيين والرحالة، لم يتأخر عبد الرحمن بن خلدون، بدوره في الإشارة إليه أيضاً، في كتابه تاريخ البربر، حينما أوعز القبر لملك بربري محلي يسمى إيمدغاسن وهو أصل فرع قبيلة البُتر التي تعد سلفاً الزناتيين والمغراوين وقبائل جراوة وبني يفرن والمرينيين، والزيانيين، هو سلف للزيانيين والزيريين والحماديين والمرابطين من قبيلة صنهاجة، وعدد من قبائل كتامة، فيما تروي أساطير شفوية غير رسمية بأن المكان ظل محج تبرك لملكة ديهيا طوال فترة توليها القيادة السياسية والعسكرية للأوراس.

ونال الضريح الذي يتخذ شكلاً أسطوانياً بقطر 89 متراً، وبارتفاع و18.50 متر حظه من الدراسات الأركيولوجية الجزائرية والفرنسية والأمريكية، عاكساً قدرة التشييد المعماري الدقيق للنوميديين القدامى الذين ثبّتوا الهيكل الهرمي على قاعدة خشبية من شجر الأرز المقاوم للرطوبة ومياه الأمطار والحشرات والعثة، كما ضمنوه كتابات بونيقية ونيو بونيقية وصور حيوانات ورموزاً، يشي بعضها بالتأثيرات الفرعونية والإغريقية القديمة، ولا يظهر بعضها سوى بانعكاس أشعة الشمس من القبة سقوطاً إلى الرواق والغرف الجنائزية والدهاليز التي عثر فيها على قطع فحم وعملة برونزية، ما يؤكد أنه مجمع جنائزي لحكام مملكة قديمة.  

لم يتردد الباحث موريس بيكر مؤلف "إيمدغاسن: الضريح الإفريقي"، في احتمال أن يكون هذا الضريح الأقدم من الضريح الملكي الموريطاني وأهرامات الجدار بتيارت، مدفناً للملك النوميدي ماسينيسا نفسه، في حين يعتبر الباحثان الأمريكيان إليزابيث فنترس ومايكل بريت، أن هذا الضريح الذي سبق الحقبة الرومانية بفترة طويلة "ثمرة إرادة وتنظيم محكم للجهود البشرية والمادية، والمعرفة التي كان عليها الحرفيّون النوميديون الماسيسيليون وقادتهم، الذين جسّدوا هذا البناء".

لكن هذا البناء المتقن بات يعاني اليوم من خطر الزوال بسبب عوامل طبيعية وبشرية ميزتها أشغال غير مدروسة، حيث صنف ضمن مئة معلم قديم مهدد بالزوال، وقد سعت السلطات الجزائرية إلى عمليات ترميم انطلقت في سبعينيات القرن الماضي مع خبراء إيطاليين، ثم تواصلت مؤخراً باتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي وهيئات أمريكية، ورصدت الأخيرة غلافاً بمبلغ 175 ألف دولار أمريكي لإجراء دراسات تمهيدية لعملية ترميم مكلفة ومعقدة، تصارع الزمن والبيروقراطية من أجل إنقاذ أقدم شاهدة محلية وعمرانية ذات هندسة وتقانة في إفريقيا الشمالية، تؤكد وجوداً حضارياً يفوق 2500 سنة. 

3/ أهرامات لجدار الثلاثة عشر في تيارت عمرها 16 قرناً

أهرام الجزائر

باستثناء عدد من الجامعيين والأثّريين والمؤرخين، قلة من الناس كانوا يعرفون قصة الثلاثة عشر هرماً، الرابضة بمنطقة لجدار التي تعني الجدار، غير أن منشوراً كتبه وزير الثقافة الأسبق الشاعر عز الدين ميهوبي، العام 2016، في حسابه في الفيسبوك، كان سبباً مباشراً في عودة الاهتمام الرسمي والشعبي والإعلامي بتلك الكنوز التاريخية المهجورة عندما دوّن بصفته وزيراً للثقافة "يجهل كثير من الناس وجود أهرامات بالجزائر، نعم هناك أكثر من 13 هرماً رباعي القاعدة ودائري القمة، بمحافظة تيارت يطلق عليها لجدار".

تقع هذه الأهرامات في منطقة فرندة التابعة لولاية تيارت، عاصمة الرستميين الأولى، وهي ذات أشكال متنوعة ومختلفة، بنيت في الفترة الواقعة بين القرنين الرابع والسادس الميلادي، ليبلغ عمرها 16 قرناً، وهي ذات قواعد تقع بين 11 و44 متراً، فيما ترتفع بعلو 18 متراً.

ورغم إشارات للعلامة ابن الرقيق وابن خلدون حولها، فقد ظلت هذه الأهرامات المختلفة شكلاً عن الضريحين الملكيين الموريطاني والنوميدي إيمدغاسن، قليلة التناول الإعلامي وعرضة للإهمال والاندثار وحتى التخريب والسرقة، ولذلك أطلقت السلطات حملات التعريف بها عبر ندوات وملتقيات، بهدف تصنيفها تراثاً إنسانياً عبر اليونيسكو، في وقت تؤكد إحصائيات قدمها الباحث محمد صحراوي أن العدد الإجمالي للأهرامات المنتشرة في مناطق البلاد من باتنة إلى تلمسان ومن تيارت إلى تمنراست يناهز 100 هرم، وفيما يتميز أغلبها بشكل دائري مختلف، وبمقاسات أقل، فإن عدداً منها يضاهي من حيث الفكرة الشكل والتقنية أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

طاهر حليسي
كاتب صحفي جزائري
طاهر حليسي، كاتب صحفي، يعمل حالياً مديراً لمكتب "الشروق" الجزائرية في مدينة باتنة،التحق بالصحيفة عام 2000، بعد تجربة إعلامية كمحرر مزدوج اللغة (عربي فرنسي) بجريدة الجمهور الأوراسي، ثم صحفي كاتب مقالات رأي وتحاليل ومترجم بأسبوعية "الأطلس". عمل رئيس تحرير بعدة صحف أسبوعية منها "الراية" و"الوئام".
تحميل المزيد