كيف بدأ الاحتلال الضربة الاستباقية للمقاومة في غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/07 الساعة 10:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/07 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش
القصف على غزة خلال المواجهة الأخيرة التي وقعت في القطاع/ رويترز

تبنى الاحتلال النظرية الأمنية الإسرائيلية على أساس إمكانية الحرب في أي وقت، وتبنى مبادئ الحرب القائمة على الهجوم والدفاع، والمفاجأة، وسرعة الحركة والضربة الاستباقية.

الضربة الاستباقية: هي البدء في الهجوم المباغت لمحاولة صد أو منع هجوم وشيك أو رد متوقع، أو لاكتساب ميزة استراتيجية في حرب وشيكة (يُزعم أنه لا مفر منه)، وقبل وقت قصير من حدوث ذلك الهجوم، وهي حرب استباقية (تحطم التهدئة)، وهي حالة التحول من الرد على هجوم فعلي إلى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل، خاصة إذا تمكنت أجهزة الاستخبارات من اكتشاف نوايا مبكرة بالهجوم لدى الخصم، بغض النظر عن مظاهر هذه النوايا، وبذلك فإن الضربة الاستباقية تختلف عن مفهوم الحرب الوقائية، حيث لا يكون فيها أي تهديد محتمل.

بداية الإجراءات السريعة

بدأ جيش الاحتلال حالة من التأهب بعد ساعات من اعتقال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، بسام السعدي، من مخيم جنين مساء يوم الإثنين، الأول من أغسطس/آب 2022، وقد أغلق عدة طرق في غلاف غزة، خوفاً من نيران مضادة للدبابات أو عمليات القنص أو قذائف الهاون التي تستهدف الجنود، كما توقفت حركة القطارات من الطرق المؤدية إلى عسقلان وأغلق شاطئ زيكيم، وفي اليوم الثاني أغلق جيش الاحتلال كل الطرق، ومنع حركة السيارات في منطقة "غلاف غزة"، وأوقف حركة القطارات في جنوب إسرائيل، وعمل على تمديد حالة التأهب ومواصلة القيود المفروضة.

وفي اليوم الثالث واصل جيش الاحتلال الاستنفار والتأهب في مستوطنات "غلاف غزة"، مع استمرار إغلاقه لمعابر القطاع التجارية والمدنية، وكثَّف "سلاح الجو الإسرائيلي عمله في سماء قطاع غزة، وغطى الأجواء بطائرات مسيَّرة انتحارية ومسلحة، في محاولة للبحث عن فرصة لاستهداف خلايا مضادات الدروع.‏

وفي اليوم الرابع، يوم الخميس، قدّم الجيش حلولاً لسكان الكيبوتسات القريبة من حدود قطاع غزة، وسمح للسكان بالمغادرة بحرية نحو مدن الوسط مثل تل أبيب والقدس، مع الإبقاء على التقييدات بالتنقل عند المناطق الحدودية، كما قام بإنشاء سواتر ترابية ومعدنية حول الطرق الرئيسة، وسارع جيش الاحتلال بنشر وتفعيل بطاريات القبة الحديدية المضادة للصواريخ في بلدات غلاف غزة.

ومن المؤشرات على أن الاحتلال كان يستعد لشن عدوان جديد على قطاع غزة،  مصادقة رئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، على خطط هجومية ضد قطاع غزة، وكذلك تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، يائير لبيد، أن الوضع الحالي حول القطاع لن يستمر لوقت طويل، كما قرر جيش الاحتلال تعزيز فرقة غزة بقوات إضافية لرفع حالة الجاهزية، فقد تم تعزيز فرقة غزة بقوات مدفعية وهندسة ومشاة ومدرعات وقوات خاصة، كما منعت بعض الوحدات في الجيش الإسرائيلي جنودها من العودة لمنازلهم نهاية الأسبوع الحالي.

جهود الوساطة

بدأ الوسيط المصري، المتمثل بجهاز المخابرات العامة المصرية، ممارسة ضغوط شديدة على حركة الجهاد، لثنيها عن تنفيذ عملية انتقامية للرد على اعتقال السعدي، كما لجأت إسرائيل أيضاً إلى الجانب القطري لمحاولة التدخل لتثبيت التهدئة، وكانت الاتصالات مكثفة منذ مساء الثلاثاء، وطوال يوم الأربعاء، بين الوسطاء من المخابرات المصرية وقطر وأطراف في الأمم المتحدة، بهدف محاولة منع جرّ قطاع غزة إلى تصعيد لا يحتمل في الوقت الحالي، وفي اللحظات الأخيرة تجاوبت الجهاد الإسلامي مع الاتصالات بعد أن كانت قد تجاهلت عدداً منها منذ اعتقال السعدي وحتى بعد ظهر الثلاثاء، فقد طلبت حركة الجهاد بشكل واضح من الوسطاء إلزام الاحتلال بوقف اعتداءاته في الضفة الغربية، وشددت على أنه لا يمكنها أن تقف موقف المتفرج على استمرار قتل واعتقال كوادرها، وكشفت المصادر الإسرائيلية أن الخط الأحمر الذي يضعه الجهاد الإسلامي لتثبيت التهدئة هو الإفراج عن القيادي السعدي، وكذلك عن الأسير المضرب عن الطعام خليل عواودة، وبدأت تنجح جهود الوساطة بين المقاومة والاحتلال في الساعات الأخيرة لمنع التصعيد المحتمل، واستمرت الاتصالات حتى قبل ساعة واحدة من بدء هجوم مباغت ظهر يوم الجمعة، وبعدها بساعات قليلة طلب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، الإيضاحات من الوسيط المصري عن هذا الغدر الإسرائيلي في ظل المباحثات الجارية.

التضليل الإعلامي

مارس الاحتلال الإسرائيلي تضليلاً إعلامياً موجهاً عبر أذرعه الإعلامية الموجّهة، وذلك قبل يوم واحد من بدء هجومه المباغت، وفي صباح يوم الجمعة الذي بدأ فيه الهجوم، حيث أعلن عن نيته فتح معبر كرم أبو سالم؛ لإدخال شاحنات الوقود المخصص لمحطة الكهرباء، وذلك الساعة الرابعة مساء، أي بعد الهجوم المباغت بساعتين، وكذلك أعلن عن نيته عدم البدء في أي عملية عسكرية قبل يوم الأحد، كما جاء على لسان المحلل العسكري، ألون بن ديفيد، وأنه سينتظر ما تنتج عنه المباحثات والوساطات التي سرعان ما أعلن عن فشلها، لكنه لم يقم بإدخال أي شاحنة وقود، وقبل دقائق فقط من الهجوم أعلن كوخافي، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، أنه أنهى تقييماً للوضع في القيادة الجنوبية، وهو في طريقه الآن لمقر وزارة الحرب (الكيرياه) في تل أبيب؛ للمصادقة على الخطط الهجومية.

 بدء الضربة الاستباقية

منذ اللحظة الأولى للهجوم أعلن جيش الاحتلال على لسان ناطقه العسكري بدء الهجوم على قطاع غزة تحت عنوان "عملية الفجر الصادق"، والذي استهدف بالضربة الأولى وعبر طائراته الانتحارية وصواريخه الذكية شقّة سكنيّة بهدف اغتيال قائد "سرايا القدس" في المنطقة الشمالية "غزة وشمال غزة" تيسير الجعبري، وهو خليفة القيادي بهاء أبو العطا، الذي اغتاله جيش الاحتلال في نوفمبر 2019، وفي نفس اللحظة تم استهداف خلية لمضاد الدروع تتبع "سرايا القدس"، وعدة استهدافات مركّزة لأماكن وعناصر متحركة على الأرض، والعاملين في المراصد الحدودية، لتشمل الاستهداف المباشر للبيوت والمدنيين والبنايات السكنية، فيما شدّد قادة الاحتلال أن العملية موجهة فقط ضد حركة الجهاد الإسلامي، وفي حال تدخلت حركة حماس فإن الوضع سيتطور إلى حرب واسعة، وأعلنت حماس أن المقاومة موحدة للرد على الاحتلال.

ردود المقاومة

عقب استهداف جيش الاحتلال لعناصر الجهاد الإسلامي، أعطت الحركة أمراً ميدانياً لمقاتليها بالرد العسكري على أن يشمل نطاق ذلك مدينة تل أبيب، ومن دون أي خطوط حمراء في المعركة، ولم تتسرع الحركة بعملية الرد، بل قامت برد أولي يشمل إطلاق 100 صاروخ نحو المغتصبات والبلدات المحتلة، واعتمدت استراتيجية الإشغال لإطالة أمد المعركة، والتي قد تستخدم خلالها أسلحة جديدة في العملية التي أسمتها "وحدة الساحات"، فيما ذكر المراسل العسكري (الإسرائيلي) يوسي يهوشوع "إن حركة حماس تقود المعركة الحالية بذكاء، حيث توزع الجهد، وتستخدم الغرفة المشتركة كواجهة من أجل إرباك جيش الاحتلال"، موضحاً أن بصمات حماس الأمنية ظاهرة في الميدان من خلال تقليل الخسائر بشكل كبير بين صفوف مطلقي الصواريخ، وأشار إلى أن توزيع الضربات الصاروخية مكاناً وزماناً يظهر بصمات حماس العسكرية في هذه المعركة، ومن جانبه قال المراسل العسكري (الإسرائيلي) شاي ليفي "إن حركة حماس تقود غرفة عمليات من تحت الطاولة، نحن في (إسرائيل) نعرف قدراتها جيداً، وهي تعرف كيف تستنزف جيشنا".

كيف ستنتهي المعركة؟

لا شك أن الاحتلال هو من بدأ المعركة بضربة غادرة ومباغتة، اعتدى فيها على السكان المدنيين والنساء والأطفال، لكنه لن يملك زمام إنهائها كما يريد، وكلما زادت الاعتداءات على الشعب الفلسطيني ستزيد فاتورة الحساب، وسيطول أمد المواجهة، والمقاومة بشعبها هي التي سترسم ملامح نهاية المعركة بالشكل الذي تريده، وإن لم تكن الكلمة الأولى للمقاومة في هذا العدوان، فإن الكلمة الأخيرة ستكون دوماً لها بلا شك.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر أبو دف
كاتب وباحث فلسطيني
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد