وجه جديد في مقر تدريبات مانشستر يونايتد، ستيف ماكلارين، مساعد المدرب الجديد، يقوم بتركيب كاميرات فوق الملعب، ليتم تحليل التدريبات المُسجلة عند انتهائها، ثم أخذ الملاحظات، تصحيح المواقف، وتزويد اللاعبين بالحلول اللازمة.
كان ذلك المشهد عام 1999، عندما كان ستيف مساعداً للسير أليكس فيرغسون، أي قبل 23 عاماً من عودة ستيف حتى يتولى ذات المنصب، لكن مع المدرب الحالي والجديد لمانشستر يونايتد إريك تين هاغ.
الحقيقة أن السير أليكس فيرغسون، لم يُعجب بستيف فقط لشهرته الواسعة في أواخر التسعينيات بالأساليب النموذجية التي اعتمد عليها بالتدريبات مع ديربي كاونتي، أو الاستفادة من خدمات مدرب خاص للعبة كرة السلة حتى يطور لاعبيه في عملية الإغلاق، أو الـ"block" على لاعبي الخصم في الكرات الثابتة. ما أثار إعجاب السير أليكس حقاً، هي البرامج الحديثة التي من شأنها نقل "تحليل الأداء" إلى مستوى آخر في إنجلترا.
مستقبل مشرق غير مرغوب به
في مقابلة خاصة لم تُعرض حتى اليوم مع غاري نيفيل، لاعب مانشستر يونايتد السابق، وخافيير فيرنانديز، رئيس قسم تحليل البيانات السابق لنادي برشلونة، تم التأكيد للكاتب والبروفيسور الإنجليزي دافيد سامبتر أن السير أليكس فيرغسون كان يعتمد على مبادئ إحصائية عدد الأهداف المتوقعة (xG) مع مانشستر يونايتد قبل 25 عاماً.
هي معلومة مثيرة للاهتمام كشفها سامبتر عبر حسابه على تويتر، بالطبع، كون هذه الإحصائية بدأت تلقى رواجاً كبيراً بين الكتَّاب والمتابعين في الأعوام الأربعة الماضية.
الحقيقة أن السير أليكس فيرغسون في التسعينيات كان من أوائل المدربين إيماناً بشركة Prozone، والتي باتت تُعرف اليوم باسم Stats Perform، وذلك بعد أن أقنعه ستيف ماكلارين بأهمية تكنولوجيا الشركة الحديثة تلك، والتي من شأنها إحداث ثورة بتحليل الأداء وتحليل البيانات، قبل أن يقرر ضمه إلى طاقمه في مانشستر يونايتد قادماً من ديربي كاونتي.
لقد تأخرت ثورة البيانات في كرة القدم، بحسب ما يقول رام ميلفاغانام، المالك السابق لشركة Prozone. فقد كانت صناعات أخرى – رياضية – تعتمد على البيانات في ذلك الوقت، مثل لعبة البيسبول.
كانت اللعبة على حافة عصر جديد، لم يدرك أحد أبعاد ذلك، أو يتوقع المسار الذي ستتخذه الأمور. الثورة التي لم تكن مرغوبة، حتى قرر ديربي كاونتي أن يكون أول نادٍ يكسر كبرياء الأندية الإنجليزية، وآمن بمشروع يعتقد أنه سيحدث ثورة حقيقية في كرة القدم، عكس الكثير من الأندية التي اعتقدت أنها موضة وستنتهي سريعاً.
ديربي كانت أشبه بحقل تجارب بالنسبة لشركة Prozone، التي أيضاً قدمت خدمات أحدثت فارقاً إيجابياً للنادي الإنجليزي. على الصعيد الطبي، استطاع ستيف تقليص عدد إصابات اللاعبين عام 1998 بنسبة 70% عن الموسم الذي سبقه، وذلك عبر تقديم 22 كرسي مساج هزازاً "Vibrating Chairs" مستحدثة من شركة Prozone لعملية استرخاء عضلات اللاعبين.
على صعيد تحليل الأداء، يستذكر رام اللاعب اليوناني فاسيليس بوربوكيس، الظهير الأيمن الذي كان مندفعاً أكثر عن اللازم بثلاثة أو أربعة ياردات إضافية في حالة استحواذ فريقه عكس ما يُطلب منه، السبب الذي كان يجعله دائماً متأخراً في التغطية الدفاعية عندما يخسر فريقه الكرة. مع مشاهدة الفيديوهات التي قدمها محللو الأداء، استطاع أن يفهم فاسيليس تلك الأخطاء ويتعلم منها.
ورقة اليانصيب الذهبية
رام كان محظوطاً بوجود ستيف مع ديربي كاونتي. فكيف كان سيُقنع زملاءه بالعجز، والذين يُدربون منذ الستينيات والسبعينيات، أن برنامجاً حاسوبياً، سيُحلل معلومات – ربما يعطي معلومات مختلفة – عن مباراة شاهدوها بأم أعينهم؟ ستيف لم يكن مثل أقرانه، المدرب الشاب، الذي يتمتع بسرعة البديهة، آمن بمشروع رام بمجرد أن فهم الفائدة التي سوف يكسبها من ذلك البرنامج، حتى خطف أنظار فيرغسون.
"رام، نحن مانشستر يونايتد، الناس يدفعون لنا وليس العكس".
هذه كانت عبارة ديفيد غيل، مدير مانشستر يونايتد التنفيذي، عند اجتماعه بالثلاثي ستيف، فيرغسون، ورام، لمُناقشة إمكانية استفادة مانشستر يونايتد من الخدمات التي تُقدمها شركة Prozone.
غيل بالأساس لم يكن يود الجلوس بنفس الغرفة مع رام، ولم يكن مهتماً بمشروعه. لكن فيرغسون يُريد ستيف، وستيف يُريد الاستفادة من بيانات شركة رام، لذا لم يكن هناك خيار سوى أن يُعقد ذلك الاجتماع، ويتم التوصل إلى اتفاق يقضي بدفع مانشستر يونايتد مبلغ 50 ألف يورو في حال تحقيق الفريق لقباً خلال الموسم.
مع نهاية الموسم، كان مبلغ 50 ألف يورو في الحساب البنكي الخاص بشركة Prozone، واستطاع ستيف أن يكون ورقة اليانصيب الذهبية ليس فقط لرام، بل للسير أليكس فيرغسون ومانشستر يونايتد، لأن بفضله، استطاع الفريق الاستفادة من بيانات شركة Prozone وتحقيق لقب دوري أبطال أوروبا.
في نهائي دوري أبطال أوروبا 1999، كان رام حاضراً في مدرجات ملعب الكامب نو لمشاهدة مباراة مانشستر يونايتد وبايرن ميونخ، بعد حصوله على دعوة خاصة من فيرغسون، الذي، وفي نهاية المطاف، أدرك حجم الاستفادة التي كسبها الفريق من خدمات شركة Prozone.
يعتقد رام أن مباراة إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا ضد يوفنتوس في تورينو، كانت السبب الرئيسي خلف تعاقد مانشستر يونايتد مع شركة Prozone، وأيضاً حصوله على دعوة خاصة لحضور المباراة النهائية للبطولة.
مباراة الذهاب بين الفريقين كانت قد انتهت حينها بالتعادل الإيجابي 1/1. في مباراة الإياب، قلب مانشستر يونايتد تأخره بالنتيجة من 2/0 إلى 3/2. في تلك المباراة، كان الشياطين الحمر يعرفون كيف يلعب زيدان، كيف يلعب إنزاجي، كيف يلعب كل فرد من فريق يوفنتوس، والفضل يعود إلى تحليلات شركة Prozone لمباراة الذهاب. هذا كان سلاح مانشستر يونايتد السري في تلك المباراة، وفي معظم مباريات البطولة.
قبل هدف سولشاير الشهير في النهائي، كان عميل رام الوحيد هو فريق مانشستر يونايتد. بعدها، أصبح لديه 4 عملاء إضافيين، قبل أن تتوسع إمبراطوريته في أوروبا.
عودة ستيف ماكلارين
في فترته الأولى مع مانشستر يونايتد، كان على ستيف إيجاد أجوبة لجميع الأسئلة، بحسب ما يقول في مقابلة سابقة له. لكن الأكيد، أن أجوبته لم تكن تقليدية في ذلك الوقت. فقد كان مدرباً واعداً يبلغ من العمر 38 عاماً، عالم نفس كرة قدم، اشتهر باستخدام برامج حديثة بتحليل الأداء، وكان يعتمد على كراسي المساج الهزازة لمحاولة الحد من إصابات لاعبيه.
عندما أصبح ستيف ماكلارين مساعد مدرب لمانشستر يونايتد عام 1999، قدمه مارتين إدواردز، رئيس مجلس الإدارة أمام الإعلام باسم "ستيف مكلريدج" عن طريق الخطأ. لكن ليس ذلك ما أزعج ستيف، بل ما أزعجه حقاً هو السخرية التي كان يلقاها من العاملين داخل النادي بسبب أفكاره وأساليب عمله.
بعد 23 عاماً، مع عودته إلى النادي كمساعد لاريك تين هاغ، يتم استقبال ستيف كخبير بالكرة الانجليزية، طلبه تين هاغ بشكل شخصي ليكون مساعداً له.
عندما تم تعيين رونالد كومان كمدرب لساوثهامبتون، بحسب ما يستذكر الصحفي فان دير كران، أخبره رونالد أنه يُريد مدرباً إنجليزياً إلى جانبه، لأنه عندما تكون بأكبر مسابقة في كرة القدم، ولا يكون بجانبك شخص يفهم ثقافة اللعبة هناك، يعرف الفرق جيداً؛ لاعبيها ومدربيها، كيف تسير الأمور هناك، فغالباً لن تنجو. وهذا ما يبحث عنه تين هاغ بتعيينه ستيف مساعداً له. يُريد رجلاً يفهم ثقافة الكرة الإنجليزية.
والحقيقة، أنه عندما تم تعيين ستيف مدرباً لنادي تيفينتي الهولندي عام 2008، حدث الأمر بشكل عكسي، حيث كان تين هاغ مساعداً لستيف. فالأخير كان يُريد مدرباً هولندياً يفهم كيف تسير الأمور هناك، بالتأكيد، وأيضاً، لأن تين هاغ كان يرى أشياء في اللعبة لا يُمكن لأي شخص 'خر رؤيتها، ويُحضر خطط لعب دقيقة: "كيف سيضغط الفريق؟ كيف عليه البناء؟.. إلخ"
في مهمة التدريب، من الأمور المهمة هي قدرتك على اختيار الساعد الأيمن المناسب بالنسبة لك. بيب مع مانشستر سيتي هو خير مثال على ذلك، لعل أبرز مساعدين له هما أرتيتا الذي أصبح مدرباً لأرسنال والمغادر حديثاً إلى السد القطري خونما ليلو. والأمثلة كثيرة.
ليس بالضرورة أن تقتصر مهمة المساعد على تقديم تفاصيل تكتيكية دقيقة عن طريقة لعب الفريق والخصوم. هناك تفاصيل أخرى تهم المدرب أيضاً، مثل فهم اللاعبين والحفاظ على روح الفريق، وتقديم الاستشارات الفنية.
عندما جاء ستيف إلى مانشستر يونايتد في فترته الأولى مع فيرغسون، كان المدرب الشاب الذي يبحث عن أساليب جديدة في التدريب : الاستفادة من مدربي كرة سلة، استخدام برامج حديثة 'وقتها' في تحليل الأداء، كراسي المساج الهزازة… إلخ."
بعد عقدين ونصف من الزمان تقريباً، ربما لم يعد ستيف بنفس الشغف والابتكار، لم يعد المدرب اللامع الذي كان عليه في شبابه. لكن الأكيد أن الاستشارات الفنية والخبرة بالكرة الإنجليزية سيكون لها وزنها، وهي أمور يُقدرها تين هاغ ويعرف قيمتها، أمور ربما كانت غائبة عن مساعدي سولشاير، والإحساس الدائم أن هناك شيئاً ناقصاً خلال فترته التي لم تكن بنفس درجة السوء التي يتم الحديث عنها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.