تركت عائلتي وسافرت لـ61 مدينة تركية وحدي دون تخطيط.. هذا ما وجدته في رحلتي

عدد القراءات
797
عربي بوست
تم النشر: 2022/08/05 الساعة 08:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/05 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش
تحظى طرابزون بشعبية كبيرة بين السياح العرب، بسبب المياه الهادئة والهواء النقي والمساحات الخضراء/ istock

أنا تسنيم ياسين، فتاةٌ يمنية شغوفة للحياة والتجارب. فتاة قررتْ البدء في مسير الغربة وأن تصبح هي المخاطب في أغنية "يا مسافر وحدك" قبل أن تصل حتى لعامها الثامن عشر. 

اتخذتُ هذا القرار في عام ٢٠١٥، وكانت الغاية هي الحصول على فرصة أفضل لتلقي التعليم الجامعي، بالإضافة لكسب ثقافات ولغات مختلفة. وفي حقيقة الأمر كان الهدف الأساسي هو خوض تجربة تمكنني من التعرف على إمكانياتي الداخلية بشكل أكبر والغوص بداخلي بشكل أعمق.

بدأت مشوار الغربة في لبنان وحققت إنجازاً عالياً في الجانب الجامعي، وحصلت على معدل ٩٩٪ في سنتي الأولى، كان عظيماً بالنسبة لي، ولكنني وجدت أنني حققت هدفاً واحداً من أهداف التجربة؛ لذلك قررت مجدداً الخوض في تجربة اتخاذ قرار جديد والبحث عن فرصة تساعدني في تحقيق الأهداف المتبقية. سعيت لفرص جديدة، وكانت منحة الدراسة في تركيا هي البوابة. لم يكن القرار سهلاً، ولكنه كان مهماً من أجل العودة للهدف الأساسي الذي خرجت من أجله. وبذلك بدأت تجربتي الأخرى باحثة عن الجديد وعن الموجود المستتر؛ أي ما لم أكتشفه بداخلي بعد.

اقتربت في الحقيقة من تحقيق ما كنت أرجوه منذ أول أشهر لي في تركيا. فقد بدأت مباشرة بتعلم اللغة التركية ثم أُتبع الأمر ببدء العمل في التجارة؛ حيث إنني بدأت العمل كوسيط تجاري بين المصانع التركية ومحلات يمنية. هنا بالتحديد شعرت بأنني أٌقترب خطوات من الهدف، فها أنا ذا أتعلم ثقافة جديدة وأكتشف عناصر كانت مبهمة سابقاً في شخصيتي. 

بعد أشهر عدة من جلوسي في تركيا بدأت أواجه شخصاً جديداً داخلي، طباعاً جديدة، أفكاراً كثيرة، معتقدات مُتغربلة. لا أظن أن كل هذا كان سيحدث بهذا الكم المكثف لو لم أواجه الحياة مباشرة بشكل منفرد بعيداً عن حماية العائلة. فأنا هنا أواجه الحياة بكل تفاصيلها؛ بصعوباتها وفرصها.

بعد ثمانية أشهر في تركيا عدت مجدداً لأسأل نفسي هل ما زلت في مسار تحقيق الهدف؟ فوجدت أنني بحاجة لتجربة أوسع لمعرفة ثقافات أكثر والتعرف على ذاتي بشكل أعمق. فوجدت حينها قرار السفر داخل تركيا خياراً مناسباً قد يحقق الغرض. حملتُ حقيبتي متوجهة للمجهول حاملة بعض الأدوات في حقيبتي وبرفقة كاميرتي وفي جعبتي مستوى لا بأس به من اللغة التركية. وبشكل غير مخطط له ودون رفيق أو تجهيز انطلقت لأبعد نقطة في الخريطة التركية، وهي مدن البحر الأسود.

بدأت بمدينة سامسون ثم ريزا تلاها مدينة طرابزون. في هذه الرحلة على وجه الخصوص وجدتني أقترب من نقاط جديدة في روحي. مشاعر جديدة وإدراك أوسع وطاقة أعلى. واجهت خلال هذه الرحلة العديد من التفاصيل التي ما زالت مؤثرة في حياتي حتى اللحظة. تعرفت على عائلات تركية ما زلت على ارتباط وثيق بهم حتى الآن. ولامست جانباً مختلفاً في تسنيمة جعلني على مقربة أعلى مني. حينها أدركت معنى السفر ومعنى الترحال، أدركت شعور الرُحل في الأرض الساعين للوصول إلى الله والقرب منه والباحثين عن الجواب للسؤال الضال. أذكر أنني في مدينة ريزا وصلت لمكان بعيد مجهول لم أشعر في حياتي بصلة بالله كما شعرت بها هناك، ولم أشعر بالاتصال مع روحي كما وصلت له حينها. 

كانت هذه التجربة هي البداية لرحلة متقطعة من السفر، فخلال خمس سنوات زرت إحدى وستين مدينة مختلفة داخل تركيا. تعرفت على أُناس وثقافات ولهجات ووجبات مختلفة، لامست أشكالاً وألواناً للطبيعة متنوعة. ومع كل مدينة كنت أزورها كنت أجد فيها جواباً لسؤال يدور في داخلي ما بين حقيقة ووهم وما بين عقيدة وفكرة. إحدى وستون مدينة مختلفة التقطت صوراً لمعالمها المبهرة ودونت بعضاً من تفاصيلها المميزة التي ربما يحين يوم العودة لليمن وأستطيع تنفيذها فيها. 

السفر العشوائي الخالي من الخطة ومبهم المعالم المبني على فضول المعرفة وحقيبة مركونة في زاوية الغرفة وسؤال واحد لموظف التذاكر وهو (ما هي أقرب رحلة)؟ لأدفع ثمنها وأنطلق في المجهول بروح مليئة بالشغف لمعرفة ما هو الآتي، والاستمتاع بلحظة الآن دون أي توقع مسبق لما سوف أراه أو أقابله. 

لم تكن تجربة السفر هي الوحيدة خلال تجربة تركيا، فقد خضت العديد من تجارب العمل، عملت في التجارة كوسيط تجاري، وعملت في الإدارة كمدير مشاريع في مؤسسة أثر، وعملت أيضاً في تقديم الفعاليات، وبعد ذلك في التصدير في إحدى شركات إسطنبول، وحتى أنني خضت تجربة المشروع الخاص، وعملت وما زلت في بيع البهارات اليمنية في تركيا، ومنذ أربع سنوات وحتى الآن ما زلت أعمل أيضاً في العمل المؤسسي مع منتدى الشرق. أنهيت دراستي الجامعية بتفوق في مجال العلاقات الدولية، واستكملت تعلم اللغة الإنجليزية وحرصت على تطوير اللغة التركية، وتعلمت أيضاً بشكل مبتدئ اللغة الفارسية، وما زلت أسعى لخوض التجارب التي تمكنني من الإجابة على نفسي كل عام، عما إذا ما زلت في طريق الهدف الذي خرجت من أجله أم لا.

هنا أنا الآن في بلد بعيد عن بلدي الأم، لا أعلم متى سيحين موعد العودة، وانتهاء هذه الرحلة التي قد تكون بتاريخ مفتوح. لا أعلم ما هي الخطوات القادمة أو ما الذي قد أسعى له من أجل التوسع في تحقيق الهدف. لكن ما أعلمه الآن أن هناك الكثير من الفرص والتجارب حولي، وما علي فعله هو الاستفادة منها إلى آخر لحظة في التجربة المتاحة. صعوبات القرار مريرة بأن تختار أن تكون أنت المخاطب بـ"يا مسافر وحدك"، وتختار تجربة الغربة وحدك. هذا الطريق ثقيل يتطلب منك أن تكون أباً لنفسك الذي يرعى ويطعم، وأماً لنفسك التي تداوي وتحن، وأخاً لنفسك الذي يحمي ويساعد، وأختاً لنفسك التي تطبطب وتسمع وتدعم. فأنت هنا في مواجهة مباشرة مع الحياة بكافة تقلباتها وصعوباتها وشدتها وبشكل مفرد. ولكن بالمقابل أنت هنا تستشعر معنى تفاصيل الحياة وتدرك حجم القوة الكامنة بداخلك التي تظهر بعوامل الضغط والأزمات. وستجد حتماً الكثير مما قد يهون عليك هذه الصعوبات ويمكنك من الاستمرار. نحن نحتاج للبحث بحق وجد عن الأشياء اللازمة التي تساعد شخصاً في أن يكون بخير، وأنا وجدت السفر كواحد من هذه الخيارات المناسبة لي والتي تساعدني في تخفيف هذا العناء. ولكن بسبب الانشغالات الكثيرة والأوضاع الاقتصادية المتغيرة بدأت أيضاً بالبحث مجدداً عن تفاصيل أخرى بإمكانها أن تجعلني بخير، وتساعدني في أن أستمر بسعادة وسلام إلى أن يحين موعد انتهاء هذه التجربة التي ربما تنتهي بالتزامن مع انتهاء المدة الزمنية لتجربتي في رحلة الحياة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تسنيم ياسين
كاتبة وباحثة يمنية
تحميل المزيد