ماذا لو امتنع عون عن مغادرة قصر بعبدا؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/04 الساعة 10:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/04 الساعة 10:35 بتوقيت غرينتش

من حيث المبدأ لا يمكن الحكم على النوايا، لكن أحياناً كثيرة هناك مؤشرات تؤكد على وجود نوايا مبيتة من الممكن التنبؤ بحدوثها بدرجة عالية من الدقة، وهذه الحالة تنطبق على ما تشيعه أوساط رئيس الجمهورية اللبنانية حول عدم استعداد الرئيس عون عند انتهاء ولايته تسليم حكومة تصريف الأعمال زمام السلطة، إضافة إلى تجميده مباحثات تشكيل حكومة جديدة، وكاستنتاج بسيط يبدو أن لا نية لديه لمغادرة بعبدا بعد انتهاء ولايته الدستورية، كأن قصر رئاسة الجمهورية مغناطيس يجذبه إليه، وبالتالي من شبه المؤكد انه سيكرر مرة أخرى ما فعله إبان ترؤسه الحكومة العسكرية، التي جلبت الويلات على المسيحيين، وأضعفت دورهم في سلطة ما بعد الطائف..

لكن ما الفرق بين اليوم والأمس؟

 كان هناك بالأمس مجال للتأويلات حول الشرعية، حسمها الطيران السوري بتحليقه فوق بعبدا وهروب الجنرال عون إلى السفارة الفرنسية في بيروت، أما اليوم فالأمور واضحة، إذ إنه عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية، عليه مغادرة القصر الجمهوري دون الالتفات إلى ما سيجري بعده، حيث إن شغور منصب رئيس الجمهورية لا يؤدي إلى أي فراغ يُذكر، وهذا ما ذكره الدستور صراحة، حيث أناط مسؤولية الحكم بمجلس الوزراء مجتمعاً دون أي ذكر لنوع الحكومة لحظة الشغور، إضافة إلى أن هذه الحالة تكررت مرتين، ولم يشعر أحد بالفراغ.

فإذا ما تمنع الرئيس عون عن مغادرة قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته على الحكومة القائمة، وجب تجاهله تماماً ومتابعة تصريف الأعمال حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

 لكنه في هذه الحالة قد يعرِّض نفسه للمساءلة أمام الطب النفسي، وذلك لمخالفته سلوك الإنسان الطبيعي المفترض به أن يحترم الدستور والأعراف، إضافة إلى ذلك قد يعرِّض نفسه للمساءلة أمام القضاء نتيجة إشغاله ملكية عامة دون اي مسوغ قانوني، وهذا ما لا نتمناه لفخامة الرئيس، رغم أنه أوصل بني لبنان إلى مضارب بني جهنم، وبمطلق الأحوال فإن بقاءه في بعبدا أو خروجه منها، بعد انتهاء ولايته، ينتمي إلى القشور، أما لب الموضوع فهو ألا يعجز المجلس النيابي عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهل الدستورية.

فإذا ما تكرر المشهد، فهذا يعني أن دستور الطائف فشل في تحقيق الاستقرار السياسي في لبنان، لأنه غير قابل للتطبيق على أرض الواقع، وجل ما حققه حتى الآن هو جمع الفدرالية مع الكونفدرالية في نظام واحد، وهذا ينتمي إلى عالم اللامعقول والجانب الفدرالي في هذا النظام هو أن الدولة تستطيع فرض وجباية الضرائب وأن الجانب الكونفدرالي في هذا النظام هو أن كل طائفة تريد ممارسة سيادتها، فالشيعة مثلاً يطلقون الطائرات المسيرة دون العودة إلى شركائهم في الوطن والموارنة، ويجمعون التبرعات وينقلون الأموال من إسرائيل إلى لبنان دون العودة إلى شركائهم في الوطن، وهذه أمثلة بسيطة، وهناك الكثير من الأمثلة التي تؤكد أن الطائفية تسببت في اختلاط الفدرالية مع الكونفدرالية في نظام واحد.

إن فشل المجلس النيابي الحالي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية لا يعني أبدا ان على اللبنانيين انتظار نتيجة كباش المافيا الحاكمة حتى تفرج عن هذا الاستحقاق، بل على اللبنانيين في كل مكان إعلان العصيان المدني في كل لبنان حتى تحقيق نظاماً سياسياً بديلاً يرسل الطائفية إلى مزبلة التاريخ وأرباب الطوائف إلى السجون والمشانق نتيجة فسادهم الذي لا حد له ونهبهم كالجراد، الأخضر واليابس، لكن ما دامت شعوب لبنان لا ترضى أن تكون شعباً واحداً، يبقى أن ننتظر الخرائط الجديدة للمنطقة التي سترسم في نهاية هذه الحقبة الصعبة في التاريخ العالمي، ونأمل ألا يبقى لبنان على الخريطة إذا بقيت الطائفية هي الأساس، وليس الولاء الوطني المجرد من أي تأثير لاتباع السماء. وهل يرحل؟ لا.. لن يرحل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد