كنتُ طفلة في الثامنة من عمري حين سمعت لأول مرة بعبارة "عرق النسا"، أُصيبت جدتي به، وظننت أن اسمه هكذا لأنه شيء يخص النساء.. لم أُدرك حينها ماذا يعني، أو ما طبيعة الألم الذي يسببه هذا الشيء.. غير أن ذكريات تلوح في ذهني لجدتي تتنقل بين عيادات الأطباء تبحث عن علاج. سنوات طويلة غابت العبارة عن سمعي وذهني.. واعتقدت أنها جزء من الماضي البعيد ليس إلا.
طرق الديسك ظهري بمطرقته القاسية في بداية العِقد الرابع من عمري للمرة الأولى.. بدأ بآلام في أسفل الظهر تشتد مع ثقل المسؤوليات التي تُغرقني في العمل وداخل البيت لم أُلقِ لها بالاً، بل أندفع في أيامي بحماسة، غير عابئة بما سيأتي غداً، وكأن الأيام ستفرُّ من بين يدي وعليَّ أن أُسارع للإمساك بها، غير أني في كل ليلة أنام بصعوبة بسبب آلام ظهري، ولكني روَّضت نفسي على ألا أتوقف أو أشكو.. ومع كل حَمل وولادة وتربية صغير جديد، أجد آلامي تزداد وتيرةً، حتى وصلت بي الحال بعد الحمل الرابع إلى أن أمضيت شهراً كاملاً أغرق في آلام مبرحة وأمشي بشكل معوج على أحد الجانبين، وأسوأ ما في تلك الفترة أني كنت أضطر للسفر يومياً إلى رام الله للعمل (مسافة 70 كم)، ما بين محاضرات في الكلية أو الإشراف على التدريب العملي لطلبة التمريض.. وليكون بمقدوري الذهاب للعمل، لا بد من إبرة (روفينال) مع أذان الفجر في كل يوم!
مضت تلك الفترة بقضها وقضيضها، وانتقلت للعمل في قلقيلية، وأصبحتُ حريصة جداً على أخذ إجازة مرضية كلما هاجمتني آلام ظهري والراحة حتى تمضي بسلام.
قبل شهرين تقريباً، انقضَّت علي آلام الظهر مرة أخرى، وأعجزتني عن المشي بطريقة صحيحة.. استراحة وتناول العلاج اللازم كما جرت العادة.. ولكني هذه المرة عاجلت بالعودة لعملي بمجرد أن بدأت أشعر بتحسن.. ولكن، بين الحين والآخر أخذت أشعر بسريان كهربائي في ساقي لم أُلقِ له بالاً.
ثلاثة أسابيع بالضبط مرَّت، حين فاجأتني آلام قاسية لأول مرة أعرفها، صعقات كهربائية يرافقها حرقان وتشنج في منتصف منطقة الإلية يمتد بسرعة إلى المنطقة الخلفية من الفخذ ثم خلف الركبة وخلف الساق حتى الكاحل.. آلام متلاحقة تأتي على شكل نوبات لا تتركني خلال نوبة الألم أهدأ أو أرتاح.
أيام ثلاثة مرت عليَّ لم تمل الآلام رفقتي، في الوقت الذي بذلت جهدي خلالها لأتجاوزها وأحاول ممارسة حياتي بشكل طبيعي ومسؤولياتي بلا نقص، وأتساءل في نفسي عن سبب ما أُعانيه.
في اليوم الرابع اضطررت للاستسلام.. وأدركت أنني أضعف من أن أقف بمواجهتها، خاصة حين ازدادت الآلام حدة، وأصبحت متواصلة لا تكاد تتوقف، عدا عن خدرٍ وتنميل أصاب قدمي والجزء الأسفل من ساقي والتصق بها.. رافضاً التزحزح أو الرحيل.. وأصبحت ساقي ثقيلة أجرها جرًّا حين أمشي.. وأعلنها الطبيب في وجهي مدوية: لديك عرق النسا.. وعليك أن ترتاحي تماماً، يمنع عليك مغادرة الفراش إلا للضرورة، قربة الماء الساخن جيدة لمثل حالتك..
ووصف لي قائمة من العلاجات.
ملَّني الفراش ومللته، وأنا التي كنت أتمنى أن أنام براحتي ولا أستيقظ إلا عندما أشعر بالاكتفاء وليس لوجوب الاستيقاظ.. وبرغم الراحة والعلاج المكثف، لم تغادرني الآلام تماماً.. تخفتُ وتيرتها، ولكن، ما إن أنهض لبعض شأني مهما كان صغيراً، حتى تتكالب عليَّ مرة أخرى تشغر فاها وتشرِّع أنيابها مثل ذئب مفترس وتغرزها في جسدي بلا رحمة.. أتلوى.. أعض على شفتي حتى تدمى..
بعد أسبوعين من الراحة التامة، أظهرت صورة الطبقية انزلاق في ثلاثة من الغضاريف التي تفصل بين الفقرات في أسفل الظهر. أحد تلك الغضاريف هو في منطقة خروج العصب الوركي، الأمر الذي أدى إلى ضغط على العصب نتجت عنه تلك الآلام.
أحببت أن أقص عليكم حكايتي مع عرق النسا؛ لتتصوروا حجم الألم الذي يسببه؛ لعلكم تتفادون مسبباته فلا تصابون به وتتعرضون لآلامه.
تجنبوا الجلوس لفترات طويلة، وحمل أشياء ثقيلة بطريقة خطأ تجعل الوزن كله يرتكز على أسفل الظهر ما يؤدي إلى تلف الغضاريف. مارسوا الرياضة لأن عدم ممارسة الرياضة تجعل عضلات الظهر ضعيفة غير قادرة على حماية العظام والمفاصل والغضاريف أسفل منها.. ومراجعة الطبيب باكراً في حال الشعور بآلام في أسفل الظهر، وعدم الانتظار حتى يحدث تلف لا يمكن التراجع عنه في الغضاريف.. فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.