“لي لي” و”ألما” وغيرهما.. لماذا يُسمي البعض أطفالهم بأسماء غريبة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/04 الساعة 10:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/04 الساعة 10:08 بتوقيت غرينتش

أنا أم، في الثالثة والثلاثين من عمري، اسمي دينا، اسم عادي ومقبول لمن هم في نفس سني ومن طبقتي الاجتماعية، ابنتي اسمها ماريا، في الثالثة من عمرها، اسم عادي ومقبول لمن هم في نفس سنها ومن طبقتها الاجتماعية… لكن كيف الحال لو أخبرتك أن لي صديقة تسمى ليليان، أو أن صديقة ابنتي المقربة تسمى مديحة؟

ستشعر ببعض الغرابة بالتأكيد.. تلك الغرابة تحديداً ما أود الكتابة عنها اليوم.

سبب الغرابة يعود إلى أن اسم ليليان لم يكن ظهر في وقت ميلادي من ثلاثين عاماً، أما عن اسم مديحة فعلى الأغلب ستعتقد أن البنت سميت به تيمناً باسم جدتها.

ولكن ما الذي جعل اسم ليليان يدخل عالم الأسماء المصرية؟ ولماذا جار الزمن على اسم مديحة؟

الأسماء في المجتمعات

رغماً عنا تشكل أسماء المواليد انعكاساً لحياة الأفراد الاجتماعية والسياسية والفنية في كثير من الأحيان، مثلاً في مصر في الستينيات كثرت تسمية الذكور باسم جمال، تيمناً بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي كان يُنظر إليه في حينها على أنه زعيم وطني، التف حوله المصريون وأحبوه وأخذوا من اسمه لأطفالهم، وكذلك اسم ابنه خالد.

ومنذ سنوات قليلة ظهر اسم دليلة وانتشر في الأطفال من كل الطبقات الاجتماعية، بعد نجاح المطربة شيرين في دورها في مسلسل "طريقي"، الذي قامت فيه بدور دليلة.

وفي 2011 عندما قامت ثورة شعبية في مصر أودت بنظام الرئيس المخلوع مبارك، كثرت تسمية الأطفال بأسماء شهداء الثورة، أو بأسماء مأخوذة من روح الثورة مثل "حرية" و"ثورة".

أو كما حدث منذ سنوات بعيدة، عندما فاز المنتخب المصري بثلاث دورات متتالية من كأس الأمم الإفريقية، فتبارى كل من يحمل لقب عائلة شحاتة أن يسمي ابنه حسن، ليصبح اسم الولد "حسن شحاتة".

وهكذا، فإن التغيرات التي يحياها أي مجتمع من السهل أن تتدخل وتشكل نسبة كبيرة من أسماء المواليد به، على الأغلب لأنها تمثل مثل أيقونة للناس في تلك الفترة.

ولكن لا تعد تلك الأمور وحدها التي تتدخل في اختيار أسماء المواليد، فهناك العديد من الأحوال الأخرى التي أذكر منها اثنين فقط:

1- أن يحمل اسم المولود رمزاً تاريخياً أو اجتماعياً بالنسبة للأم أو الأب، بمعنى أن يكون اسم الأم نفسه له رمز تاريخي، ومن ثم تسمي أبناءها بأسماء أولاد الشخصية التاريخية، كالعصماء أم خالد ابن الوليد، فتتيمن أي امرأة تحمل ذات الاسم بأن تسمي ابنها خالد.

2- أن يحمل اسم الطفل نفسه رمزاً مهماً للأم أو الأب، كأن تسمي أم ابنتها "حلم" أو "شغف"؛ لأن الأم الأولى الحياة تتلخص لها في وجود عدد من الأحلام المتلاحقة، أو أن الأم الثانية تعتقد أن الشغف هو أيقونتها الخاصة في الحياة التي لا تتمنى أن تفقدها أبداً.

ولكن ماذا عن الأسماء الغريبة التي لا أصل لها في المجتمع؟

في السنوات الأخيرة ظهرت مجموعة كبيرة من الأسماء التي لم تكن موجودة منذ عشرين عاماً في المجتمع المصري، لن تسمع عن فتاة في العشرينات من عمرها اسمها لي لي، أو عن شاب على وشك الدخول للثلاثينات يسمى براء مثلاً.

أعتقد أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى انتشار تلك الأسماء، ومنها:

1- الانفتاح

إن عصر الانفتاح مكننا من معرفة أسماء لم نكن نعلمها من قبل، مثلاً لي صديقة سورية في الثلاثينات من عمرها اسمها "رودينة"، وهو اسم غير مألوف لمن هم في مثل سنها في مصر، لكن الاسم أصبح منتشراً الآن في الأطفال الأصغر سناً، بسبب وصول الاسم إلى مسامعنا بالأساس عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.

2- الرغبة في التميز

كلنا يود أن يتميز ابنه أو ابنته في كل أمور الحياة، حسناً، فنبدأ باختيار اسم مميز يطلق على أطفالنا يميزهم ويعرفهم عن غيرهم.

3- التشبه بالطبقات العليا في المجتمع

لا يمكن أن ننكر تدخل قوة المال في اختيار الأسماء، وأن الكثير يعتبر ذوق واختيار الطبقات الأرستقراطية في المجتمع هي دائماً الأكثر رونقاً وجمالاً، منذ عدة سنوات كان اسم خديجة مثلاً يدل على "الناس الكبيرة" نسبياً، حتى وصل الاسم إلى الطبقة العليا وتحول من خديجة إلى ديجا، فأصبح مقبولاً من كل الطبقات، بل على العكس، أصبح اسماً راقياً لعلية القوم.

ليس هذا كل ما أود قوله

هنا أود أن أستطرد قليلاً، إن التشبه بالطبقات العليا أمر لا يمكن أن ننسى بُعده النفسي والاجتماعي في ظل كل الظروف الحياتية التي نحياها كشباب الآن، إن أبناء الطبقة المتوسطة في مصر يعرفون أن يوماً بعد يوم تزيد الفجوة بينهم وبين الطبقة الأعلى التي يتمنى الجميع الوصول إليها ومحاكاتها في الكثير من أمور حياتها ومنها أسماء الأطفال.

إن تلك النقطة تثير بداخلي بعض الشجن لكوني شابة مصرية من طبقة أقل من المتوسطة، أعلم البُعد النفسي للأسماء الغريبة للأطفال، ومع ذلك لا يمكنني أن ألوم أحداً من أبناء طبقتي الاجتماعية على اختيار تلك الأسماء لأطفاله.

البُعد الديني في الأسماء

منذ عدة أشهر كنت بصحبة ابنتي في إحدى عيادات الأطباء للكشف الدوري عليها، نادت الممرضة "ماريا" لتسمح لنا بالدخول، استوقفتني إحدى النسوة الموجودات بالعيادة لتسأل عن ديانتي، لأني محجبة، مما يعني اعتناقي للديانة الإسلامية، فكيف لي أن أسمي ابنتي باسم مسيحي؟

بعد أن أجبتها أن الاسم ليس مسيحياً، وأنه جائز لأصحاب كل الديانات السماوية، مصت شفتيها وقالت "يعني من قلة الأسامي".

عائق جديد تفرضه الأسماء الجديدة في ثقافة الشعب المصري، وهو الثقافة المتوارثة من تدين الأسماء، حتى التي لا تحمل أي رمز ديني لأي ديانة.

العودة للأسماء القديمة  

لكن إن سألتني -قارئي العزيز- هل أفضِّل بشكل شخصي تسمية أولادي بأسماء قديمة، قديمة بحكم العادة والزمن ليس إلا؟

 فسأجيبك "بالطبع لا"، لن أسمي مثلاً ابنتي "رضا" على اسم أمي، على الرغم مما يحمله الاسم من معنى طيب، ولم أتمنَّ يوماً أن أحمل اسم جدتي "فوزية"، ليس فقط لأنني لم أكن يوماً على وفاق معها، ولكن لأنني كنت حتماً سأشعر بغربة بين رفيقاتي بسبب اسمي، ولا أفضل أن يفعل ذلك أحد بأبنائه؛ لأن الأسماء، شئنا أم أبينا، تحمل طابع جيلها بشكل أو بآخر.

بالنهاية، ومن رأيي الخاص اختر لأولادك ما تشاء من اسم، ولتذكر دائماً أن خير الأمور أوسطها، فلا تبالغ في اختيار اسم غريب لدرجة أن يكون صعب النطق، ولا تتساهل فتختار اسم أمك بحجة طلب رضاها، فهناك الكثير أولى لطلب رضاها أكثر من أسماء الأطفال.

ورجاء حار وخاص بالحقيقة، لا تخبروا أماً بأن اسم طفلها لا يعجبك، لأن الإجابة النموذجية ستكون "إنشالله ماعجبك".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دينا خالد
أم وكاتبة
أم، تخرجت من كلية العلوم وعملت بالتحاليل الطبية لسنوات قبل أنا أعيد أكتشاف نفسي من خلال الكتابة وأقرر أن أعمل بها.
تحميل المزيد