آدم إيرنهاردت، هو بروفيسور في جامعة "ينغستاون ستايت"، وأحد مؤلفي كتاب "Sports Fans, Identity and Socialization"، يجيب هو ومجموعة من الباحثين على واحد من أكثر الأسئلة الرياضية إلحاحاً في العصر الحديث: لماذا نشجع ونتعصب لفريق معين في رياضة معينة؟
في الواقع، بروفيسور آدم وزملاؤه ليسوا أول من طرح هذا السؤال "اللغم"، فسؤال الهوية والانتماء والتنشئة الاجتماعية قديم قِدم الاجتماع البشري الحديث، ويدور علم الاجتماع حوله باعتباره حجر أساس لفهم وتشريح الظواهر الاجتماعية المعقدة. لذا، كان طبيعياً أن تُكتب حول "الانتماء" آلاف الأبحاث والدراسات والكتب، و"الانتماء" ليس حكراً على الرياضة، بل هو شعور غريزي يطمح إليه كل إنسان وسط المجتمع الذي يعيش فيه.
في الرياضة، يتحمل الباحثون عناء الكشف عن أسرار الهوس والجنون بتشجيع الفريق المحبوب، وكيف يتحول الإنسان أو المتابع الرياضي لـ"مشجع مهووس"؟
الأبحاث التي أجراها البروفيسور آدم إيرنهاردت، رفقة باحثين مساعدين آخرين بينت أن السبب الأساسي لتشجيع فريق معين والهوس به هو حب الإنسان وبحثه عن "الانتماء لمجموعة معينة"، أو الشعور بالرغبة في الانتماء، كما يقول كريستيان إند، الباحث في "سلوك المشجعين"، وسلوك المشجعين هو مبحث اجتماعي واسع يهتم به مجموعات كبيرة من علماء النفس والاجتماع.
لكونك إنساناً، تنفر من الوحدة، تبحث عن مجموعة تنتمي لها، تبحث عن القبول المجتمعي، قد تكون تلك المجموعة هي مشجعي فريق معين، أو أصحاب ذوق موسيقي فريد، المهم ألا تسير وحيداً.
لكن، الأمر ليس بتلك البساطة، إذا ما شجعت فريقاً بعينه فلن تقدر على فراقه بسهولة، الارتباط النفسي والانتماء بفريق معين مسألة معقدة للغاية.
عالم النفس، آرثر آرون، والذي درس لعقود العلاقات البشرية، يدَّعي أننا لو رسمنا خريطة لدماغ مشجعة وهي تشاهد فريقها أو لاعبها المفضل، فمن المتوقع أن نتوقع استجابة شبيهة لاستجابتها عندما ترى صورة الشخص الذي تحبه.
هناك دراسة أخرى كشفت أن الرجال عندما يشاهدون مباريات فرقهم المفضلة تفرز أجسادهم نفس كمية التستوستيرون التي يفرزها اللاعبون أنفسهم.
قد تتساءل الآن: وما نتيجة ذلك؟
بعيداً عن الانتماء، فهناك مشاعر وصفات عميقة ومهمة، مثل الفخر والهوية تُكتسب من عملية التشجيع تلك، وبشكل عام كل ما يحقق لك سعادة فمن الطبيعي التمسك به، وتحقيق فريقك للبطولات ليس شرط السعادة، ولكن هو شعور الفرح نفسه مثلما يشرح إيرك سيمونز مؤلف كتاب "The Secret Lives Of Sports Fans".
لكن تلك المشاعر العميقة قد تؤدي في بعض الحالات إلى مشاعر أخرى سلبية أو إلى أفكار غير سوية، مثل "التحيز الإدراكي"، وهو أن تبدأ بإطلاق مجموعة من الأحكام النمطية وغير الموضوعية تجاه مجموعة من الأشخاص.
الأحكام في كرة القدم عادة ما تكون مبنية على اعتبار مشجع الفريق الخصم إنساناً غبياً، ساذجاً وأحمق، ويجب التعالي عليه، وربما تحقيره والتقليل من شأنه.
عالم النفس، هنري تاجفيل، كان من أوائل من لاحظوا تلك الظاهرة عندما كان يحاول تحرير مفهوم "الهوية المجتمعية"، قال إننا نصنف أنفسنا لمجموعات، مجموعاتنا تعتبر مصدر فخر لنا وجزءاً لا يتجزأ من هويتنا، ويتم التصنيف والتقسيم عادة على أساس الجنسية، العقيدة الدينية، العرق، القبيلة، العائلة، الجنس، وخلافه، مما ينتج عنه تحيز لأفراد الجماعة، وهنا يتحول الموضوع إلى "نحن" في مقابل "هم" .
"مشجعو كرة القدم هم حمقى، أو لإعادة صياغة هذه الجملة باستخدام لغة أقل حدة، فعندما يؤول الأمر إلى الكرة، يتصرف الأشخاص الأذكياء بغباء، ونعم قد تكون أنت واحداً منهم".
هذه كانت مقدمة مقال كتبه شين إنغل في صحيفة "الغارديان" البريطانية سنة 2005 بعنوان "مشجعو كرة القدم حمقى"، تكلم فيه عن تصرفات غير منطقية يقوم بها مشجعو الكرة وهم يتفرجون على المباريات، وقال إن بعض الجماهير يعبدون لاعبين مختلفين عنهم كلياً كأشخاص.
استخدام كلمة "عبادة" هو من وجهة نظري المتواضعة اختيار موفق للغاية، كل مشجعي كرة القدم بطريقة ما يصلون لمرحلة عبادة الفريق أو النجم عند نقطة ما من مسيرتهم التشجيعية.
يقول مايكل سيرازيو، الأستاذ المساعد في جامعة بوسطن، "إذا نظرت بجدية إلى الرياضة، فلا يسعك إلا أن ترى ملامح الدين".
إن الانتماء لدين معين يشبه الانتماء لفريق معين، وهنا يظهر مصطلح آخر وهو "الطوطمية".
الطوطمية هي العلاقة التي تجمع بين بشر يعبدون الطوطم، هذا الطوطم من الممكن أن يكون حيواناً أو نباتاً أو طائراً أو حتى ظاهرة طبيعية، كما كان حال البشر في القرون السحيقة، أو حالهم الآن في بعض قارات العالم، أول من أشار للطوطم هو عالم الاجتماع الفرنسي، إميل دوركايم، الذي قال إن القوة الدينية هي التي جمعت أفراد العشيرة ببعضهم، وهذا ما يمكن إسقاطه على مجتمعات كرة القدم.
الموضوع غاية في البساطة، اطلع على التعليقات المكتوبة رداً على مشجع للنادي الأهلي المصري يشيد بأداء الغريم التقليدي، الزمالك، في الفترة الحالية، وسترى كماً هائلاً من الإهانة والتحقير والتسفيه من رأيه ومنه شخصياً. وكأنه ألحد بدين الله، أو حوّل ديانته. إلى جانب التسفيه والتحقير سترى التشكيك في حبه وانتمائه لناديه من قبل حُماة حمى "الكيان" الذي يعرف أصلاً هؤلاء المتعصبين ولا يعيرهم أي اهتمام حقيقي، إلا فيما يدر عليه الأرباح والمكاسب.
نعم عزيزي المشجع، لقد تخطى الأمر كل الحدود ووصل لدرجة كبيرة من التطرف والحماقة التي أعيت من يداويها، وغاب المنطق وساد فكر القبيلة. ومع اعترافي بأن الانتماء لجماعة هي فكرة جميلة ولطيفة، لكن التطرف فيها ولها غباء وحماقة. لقد انتقلنا من تشجيع الفريق ومتابعته إلى عبادته وتمركز الحياة حوله.
كلنا نحب أشياء معينة، لكن عبادتها تتضمن مجموعة من الأفعال غير المنطقية تماماً، والتي من الممكن أن توصّلنا إلى حد الأذى وارتكاب حماقات وربما جرائم، بينما أن تظن أنك تدافع عن قضية مقدسة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.